أثر القرآن الكریم فی النقد العربی
أثر القرآن فی النقد
من المعروف تاریخیا أن العرب حین سمعوا القران تأثروا به تأثیرا شدیدا ووقفوا أمام روعة نظمه موقف الإعجاب والذهول والحیرة وعبر زعماؤهم عن بعض نواحی هذا الموقف فی مثل قول عتبة بن ربیعة حین سمع من رسول الله صلى الله علیه وسلم الأجزاء الأولى من سورة فصلت ثم عاد إلى قومه فسألوه ما وراءك یا أبا الولید فقال : (ورائی إنی سمعت قولا ما سمعت مثله قط والله ماهو بالشعر ولابالسحرولابالكهانة یامعشر قریش أطیعونی وخلوا بین الرجل وبین ماهو فیه )وفی مثل قول الولید بن المغیرة : (والله إن لقوله لحلاوة وإن أصله لغدق وإن فرعة لجناة )0
وقد لجأ بعض المعاندین إذ ذاك إلى المكابرة وقالوا لو نشاء لقلنا مثل هذا فأمر الرسول بأن یتحداهم أن یأتوا بمثله أو بعشر سور مثله أو بسورة من من مثله وأن ینبئهم أنهم لامحالة عاجزون وأن لو اجتمع الأنس والجن على أن یأتوا بمثل هذا القرآن لا یأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهیرا وقد صدق الله وعده وثبت عجز هؤلاء القوم أهل الفصاحة واللسن أمام تحدی هذا البیان العربی الفصیح المنظوم بلغتهم وثبت الإعجاز وصدقت الرسالة0
إذن هناك ظاهرتان وثیقتا الصلة بالحیاة الأدبیة العربیة برزتا منذ بدء الدعوة الإسلامیة :
أولاهما: هذا الكتاب العربی المبین الذی تمت له الصدارة على كل ما أنتج العرب من أدب وبیان والذی هو فی الوقت نفسه دستور الحیاة ومیزان السلوك والأصل الأول للتشریع 0
وقد اتجهت أذهان المسلمین إلى العنایة بهذا النص لشرح ألفاظه وتفسیر آیاته وتعرف أسالیبه وتبیین مغازیه واستنباط الأحكام منه وكثیر من هذه النواحی یدخل فی صمیم مانسمیه(نقد الأدب)
أما الظاهرة الثانیة: فهی ظاهرة الإعجاز البلاغی وقیام الرسالة السماویة علیه ومن الطبیعی أن یشتغل علماء العربیة بها وأن یستعملوا أذهانهم وعبقریتهم فی دراستها وأن یستعینوا على هذه الدراسة بكل ما یلزمها من أدوات وهی فی صمیمها دراسة نقدیة من الطراز الأول : فهی تعتمد على بحث الأسالیب وتعمق أسرار البلاغة والموازنة بین ألوان الكلام الرفیع 0
إذن منذ بدء الحیاة الإسلامیة أخذ القرآن مكان الصدارة بصفته النص الأدبی الأول لهذه الأمة والكتاب المبین المعجز بالإضافة إلى كونه وحی السماء وأساس التشریع والقانون المنظم للسلوك والمرشد الموجه إلى معالی الأمور ولذلك فقد كان القرآن محورا لأهداف الفكر والتألیف فی الأمة وینبوعا لكثیر من جداول ثقافتها وحافزا على العنایة بكثیر من فروع العلم التی یمكن أن تعین على فهم هذا الكتاب وإدراك أسرارها ولذلك فإن دراسات القرآن كانت العامل الأكبرفی العنایة لتدوین اللغة وجمع الشعر وروایت الفصیح وبحث طرائق اللغة فی التعبیر وأسالیبها فی البیان0
وعندما جاءت مرحلة الفتوحات الإسلامیة واستقر العرب بالأمصار وشغلوا بتلقی الثقافات المختلفة وأصبحوا فی حاجة إلى أن یتأملوا اللغة لعدة مقتضیات :
1- الإبقاء على صلتهم المستمرة والمتجددة بالقرآن
2- إعطاء فرصة ومزید من تفهم اللغة لشعوب التی دخلت الإسلام
3- فساد الألسن باللحن نتیجة الإختلاف فاحتاجوا لأن یكونوا على صلة باللغة مما أدى إلى نشوء علوم عربیة كثیرة مثل النحو الذی اتخذ القرآن مادته وكذلك علوم القرآن
4- اتجاه الأبحاث العربیة إلى إدراك الإعجاز فی القرآن وكان على رأس الباحثین الجرجانی والرمانی والجاحظ والباقلانی 0
5-البحث فی أسالیب القرآن فی النحو من حیث تركیب الجملة العربیة وتقسیم الكلام 000الخ هذه الأبحاث كان لها دور فی محاولة البحث فی جمالیات النص وإجراء التمایز بینها ومحاولة وضع المعاییر والأدوات التی تقیمها
الأسباب التی تؤكد تأثر النقد بالقرآن 0
1-القرآن نزل معجزا للناس فی كل الأزمان وقد جاء فی مستوى بلاغی یعلو مستوى العرب فی الفصاحة والبیان ممادفعهم للبحث عن مقاییس الجمال فیه ومقارنتها بما یأتون به فنشأ البحث عن أدوات النقد واكتشافها لأسرار الجمال المطلق فی القرآن الكریم
2-أن العلوم العربیة المعنیة بالنص دارت نشأتها حول القرآن ومن تلك العلوم علم النحو الذی اتخذ من القرآن مادته والنقد العربی كیان كانت مرجعیته فی كل الأمور وكثیر من القضایا بالعلوم التی نشأت حول القرآن 0
3-نشأ النحو لضبط قراء ة القرآن الكریم وكذلك البلاغة وكثیر من المقاییس فی قضایا النقد العربی مأخوذة من هذه المرجعیة 0
4-أن القرآن لایزال یمد الباحثین بشتى صنوف العلم المتجددة والتی لاتتوقف عند كثرتهم لذلك قال عنه الرسول :لاتفنى عجائبه ولایبلى على كثرة الخلق 0
5-استمرارتأثیر القرآن والتأثر به فی كل زمان ومكان0
المظاهر التی تؤكد تأثیر القرآن فی النقد العربی
من أهم القضایا فی النقد العربی تقسیم الكلام إلى حقیقة ومجاز وهی من أهم الأمور التی أثرت فی النقد العربی وفی تقسیم علوم البلاغة وكان مبتدأ ذلك حول القرآن0
-فكان البحث فی تأویل مشكل القرآن لأبن قتیبة حیث اشتغل فی النقد بتوضیح مااستغلظ فهمه على كثیر ممن اخذوا یتعلمون العربیة وخفیت علیهم المعانی أو الذود والدفاع عن القرآن فی قضایا التشابه والإختلاف والمجاز ومن ذلك قوله تعالى (وسئل القریة التی كنا فیها ) ومجازه واسأل أهل القریة والتأویل هو نظر نقدی أملاه علیه مقارنته بین أسلوب القرآن وأسلوب العرب هذا الاشتغال من قبل ابن قتیبة للتوضیح هو صورة من صور الاشتغال النقدی
-كذلك ابن سنان الخفاجی فی كتابه سر الفصاحة استمد مادته من القرآن وكذلك عبد القاهر الجرجانی فی كتابه دلائل الإعجاز كلها اشتغالات نقدیة اتخذت من القرآن مادة أساسیة للعمل 0
-شغلت كتب الدراسات القرآنیة ببحث ظواهر اللغة وفقهها طرق الأداء ونظام الجملة العربیة فی إعرابها وتركیبها وهذان تیاران كبیران فی النقد العربی بینهما شییء من التداخل والتعاون والإمتزاج0
-ثم ظهرت الدراسات النقدیة ونهضت واتسعت مثل دراسة الموازنة بین الشعراء والمتناظرین كأبی تمام والبحتری وظهر بعد ذلك نفر من علماء الدراسات الإسلامیة یعطفون على أعجاز القرآن من جهة البلاغة 0
-ثم بدأت بعد ذلك مرحلة الكتب الجامعة الشاملة فی الموضوع مثل كتب الجاحظ البیان والتبیین وكتاب الصناعتین لأبی هلال العسكری والفكرة العامة التی أخذت مكانها فی البحوث النقدیة هی إعجاز القرآن 0
یقول أبو هلال العسكری :اعلم علمك الله الخیر أن أحق العلوم بالتعلم بعد معرفة الله جل ثنأؤه علم البلاغة وعلم الفصاحة الذی یعرف به إعجاز كتاب الله 0
-ازدادت رغبة علماء العرب إلى التردد على اللغة لشرح غریب القرآن ومشكل بیانه وزاد الإقبال على دراسة القرآن واللغة والشعر وكانت هذه الحركة تهدف إلى التفسیر أولا ثم إلى التنقیة اللغویة وبدأت مع هذه الحركة التألیف واحتدام المعارك بین الشعراء واللغویین أنفسهم وذلك یتضح لنا من خلال جانبین:
1- دراسات اللغة:
للقرآن فضل كبیر فی تطور دراسات اللغة والنقد اللغوی ولم یكن حرص العرب على اللغة الاصیلة لغة البدو وتشددهم فی المحافظة علیها إلا رغبة منهم فی حفظ لغة القرآن لیظل مفهوما ومقروءا ومتدارسا0
كما إن الحركة اللغویة بدات فی مطلع القرن الثانی من الهجرة عندما تم الفتح الإسلامی وقد كان لانتشار اللغة العربیة فی تلك البقاع الواسعة أكبر الأثر فی تطور الدراسات اللغویة والنقدیة 0
وقد زاد الإقبال على دراسة القرآن واللغة والشعر فبدأت حركة كبیرة لجمعهما وكانت حركت الجمع تهدف إلى خدمة التفسیر ثم إلى التنقیة اللغویة ولكن الأمر لم یخل من الخلط والانتحال وقد وظل العلماء یتناولونها بالتنقیة والتصفیة والدراسة والشرح ویستخرجون منها القواعد والأصول 0
كما ظهرت حركة التألیف فی اللغة والشعر فظهرت الكتب اللغویة والشعریة 0
وكان من نتائج اختلاط العرب بغیرهم أن شابت اللسان العربی بعض الشوائب الغریبة فدخل التحریف والتداخل فی بعض الألفاظ الأعجمیة وأصبحت لغة التفسیر الیومی العامیة تختلف عن اللغة الأصیلة لغة القران
واتخذ الأدباء والكتاب والشعراء لأنفسهم لغة وسطا بین هذه وتلك وظهر هذا الأسلوب فی كتابات المقفع وبشار وهو أسلوب یعمد إلى السهولة 0
فقد ظهر نتیجة لذلك احتدام المعارك اللغویة بین الشعراء واللغویین نتیجة هذه التیارات الجدیدة0
وكذلك برزت حركة التنقیة الغویة فی بدء القرن الثانی حیث قام جماعة من العلماء بوضع القواعد والأصول یضبطون بها الإعراب واتجهوا إلى الشواهد الصحیحة فحصروها فی العصر الجاهلی وصدر الإسلام بشرط الأصالة والبداوة وعدم التطرف0
وقد استهلت مرحلة النقد اللغوی بالنظر والتأمل والمراجعة وأمكن التعرف إلى الخصائص والقواعد والحدود لضبط اللغة وقیاسها وتنقیة ماجمع منها مما شابه من اخلاط وفهم ماجاء من ألفاظها عن طریق الشرح ووضع المعاجم لتحدید المدلول وكانت هذه المرحلة ضروریة لاستقرار الدراسات اللغویة 0
ومن أهم الكتب التی ظهرت فی هذا العصروتمثل مرحلة الجمع المنظم كتاب العین للخلیل الفراهیدی وهو یستشهد على الألفاظ بآیات القرآن وهو كتاب هام لضبط اللغة0
ومن المؤلفات التی كان للقرآن فیها أكبر الأثر كتب القراءات والوقف والابتداء وغریب القرآن لابن قتیبة ومعانی القرآن والمصادر فی القرآن والجمع والتثنیة فی القرآن0
ثانیا:دراسات الشعر والبیان:
إن القرآن عندما نزل كان الشعر فی رفیع منزلته ولكن بیان القرآن كان معجزا فلم یستطع الشعر مغالبته وقد نزل الشعر عن مرتبته وارتضى مكانا ثانیا بین فنون القول عند العرب فلما جاء القرآن حمله الناس فی الصدور وأخذوا یرددونه واستعانوا علیه بالشعر لأنه دیوان علمهم وبذلك صار الشعر عونا لناس على فهم القرآن وتفسیره وجاء ابن عباس لیقول لناس إذا صعب علیكم شیء من معانی القرآن فالتمسوه فی الشعر فالشعر دیوان العرب وبدأ
الناس یهتمون بجمعه للاستشهاد به على معانی الغریب فی القرآن وبدأت حركة التفسیر مستعینة بالشعر0
وقد شغل الناس بالشعر مرة أخرى بعد أن هدأت حدته فی النفوس ا ثر ظهور القرآن0
وكان من اثار اهتمام الناس بالشعر فی عصر الأمویین ومطلع عصر العباسیین حركة جمعه فی مجموعات ودواوین تحرى جامعوها الدقة لیحفظوا للقرآن واللغة شواهدهما ولیقوم الاستشهاد على أسس قویمة 0
فقد لمعت اسماء بعض الرواة وجماع الشعر مثل حماد الراویة وخلف الاحمر وابی عمرو بن العلاء والمفضل الضبی ولازمة حركة الروایة حركة جمع الاخبار والنوادر قام بها جماعة من الاخباریین مثل ابی عبیدة والاصمعی وابی عمرو والشیبانی وغیرهم0
وكانت هناك حلقات النقد فی قصور الخلفاء یتعرض فیها الشعراء ممن حضرالمجلس أوالخلفاء أنفسهم وعرفوا بالبراعة فی نقد الشعرو كان من نتائج تطلع الناس لشعر قیام حركة جدیدة فی اواخر القرن الثانی إذ كان الاو لون فی صدر الاسلام والعصر الاموی یستشهدون على القرآن بالشعر
لأنهم یفهمونه ویلمون بغریبه أما فی العصر العباسی فقد اختلف الأمر واختلط الناس وامتزج اللسان العربی بغیره وقامت لهجات عامیة وأخذت لغة القرآن وأسلوبه تبتعد عن هذه اللهجة العامیة وقد كان الإستشهاد على غریب الشعر یدعم بالآیات من القرآن0
وقد لازم حركة النقد المتأثره بدراسات القران حركة إنشائیة فی صناعة الشعر والكتابة الفنیة ذلك إن الشعراء والكتاب والمحدثین بدأو یجددون فی الشعر والكتابة ویستحدثون أسالیب یعمدون فیها إلى الصنعة والتنمیق فاستعانوا بالبدیع وضروب الصناعة اللفظیة والبیانیة0
وبذلك برزت الدراسات الجدیدة للبیان فی الشعر فی اخر القرن على ید
1-ابی العباس أحمد بن یحیى تعلب فی قواعد الشعر 0
یعد كتابه هذاأول محاولة مستقلة لدراسة بیان الشعر وهو وكتاب البدیع یقابلان نظم القران ومشكل القران فی الدراسات القرانیة0
أن دراسة تعلب للبیان فی الشعر بطریقة منظمه كان داعیا إلى إستقرار فنون القول مع مصطلحاتها وحدودها وشواهدهما مما ساهم فی بناء دراسات النقد فی الشعر بلشكل الذی ظهر فی كتابی قواعد الشعر والبدیع وبذلك لم یخل كتاب قواعد الشعر من أثر القران0
2
2- دراسات بیان الشعرفی كتاب الكامل للمبرد
فقد أورد آیات من القران یستشهد بها على ماجاء فی كلام العرب من فنون القول ثم یشرح تلك الایات ویوضح مافیها من الغریب ویكشف عن جمالها البیانی0
ویتضح من دراسة المبرد فی الكامل أنه كان یحكم ذوقه الأدبی فی النص القرانی أو النص الأدبی أیا كان فلم تتحكم فیه النزعات اللغویة الظاهریة ولم یقف عند حدود الغریب بل حاول أن یفهم أسرارالتعبیر0
3- دراسة ابن المعتز لبیان الشعر فی كتاب البدیع
نلاحظ أن كلمة البدیع لم تكن جدیدة فی كتاب ابن المعتز وأن كثیرا مماأورده ابن المعتز سبق إلیه من كتب فی دراسات القرآن وبخاصة الجاحظ وابن قتیبة والمبرد وقد جمع ابن المعتز شواهده من القرآن متأثرا بمن سبقه إلى تقریرها مع الفنون البیانیة0
المراجع:أثر القرآن فی تطور النقد العربی إلى آخر القرن الرابع الهجری دكتور محمد زغلول سلام
إعداد: سمیة عابد العدوانی وصالحة عبد الله المالكی
+درج شده توسط مترجم عربی - دکتر مهدي شاهرخ در چهارشنبه ۱۱ آذر ۱۳۹۴و ساعت 11:29|