ابزار وبمستر

تاريخ الهايكو الياباني
تاريخ الهايكو الياباني ترجمة جديدة للكاتب المغربي سعيد بوكرامي

الدار البيضاء ـ 'القدس العربي': صدر مؤخرا كتاب المجلة العربية 'تاريخ الهايكو الياباني' للشاعر الياباني ريو يوتسويا، وهي ترجمة جديدة للكاتب والمترجم المغربي سعيد بوكرامي. يتكون الكتاب من مقدمة واحد عشر فصلا.

تضمن الكتاب بحثا في أصل مصطلح الهايكو بدءا برائده باشو وبوسون يوسا وشيكي ماساوكا وكيوشي تكاهاما وايبيرو نكتسوكا وسيكيتي هارا وهيساجو سوجيتا وسوجو تاكانو وكياكيو توميزا وصولا الى كوانغانا، أي منذ 1644 الى سنة 1997.

جاء في مقدمته: 'في سنتي الجامعية الأولى تعرفت على نماذج من شعر الهايكو ضمن ملف نشرته مجلة (الأدب الصيني) التي كانت تصدر باللغة الفرنسية. ومنذ ذلك الوقت رافقتني رغبة ملحة في ترجمة منتخبات منه لكن شاءت الصدف أن أنصرف الى ترجمة أشياء أخرى، الى أن وقع بين يدي كتاب ريو يوتسويا، فعادت الرغبة من جديد ولم أتعجل في ترجمته بل صاحبته سنة كاملة بالقراءة والبحث، فوجدت أن ما كنت أعتقده في البداية سهل المنال في الهايكو ما هو إلا المرئي من جبل الجليد العائم. تتستر فلسفة الهايكو بين الطبيعة والدقة اللغوية فببضع كلمات يختزل الوجود. مقاطع الهايكو الشذرية تتقصى المكان والزمان دفعة واحدة تارة بهزل وتارة أخرى بحكمة.

عندما بحثت عن أصل كلمة (هايكو) التي تعني باليابانية (طفل الرماد)، ازداد عندي الافتتان ووجدتني أقر أن في الاشياء الصغيرة والبسيطة توجد عظمة الوجود. ولا يمكن القول أبدا أن هؤلاء الشعراء الذين تعاقبوا على ريادته كانوا يلعبون او يتلاعبون بالالفاظ لتسلية انفسهم او تسلية غيرهم بان شعر الهايكو فرضه تصور فلسفي وجمالي انطلق مع رائد الهايكو باشو، واستمر مع آخرين كديمومة الزمان متنقلا بين الشعراء القدامى والمحدثين مستجيبا للظروف السوسيوثقافية لكل شاعر هايكو على حدة.'

(الهايكو) شكل شعري قديم ظهر في اليابان منذ قرون، وهذا الشكل التقليدي له تاريخ طويل ونشطت كتابته مع الشاعر المرموق باشو (1644- 1694) و بوسون (1716- 1783). وهو 'وصف للطبيعة' أو 'رسم للحياة' ، ونحن مدينون له باسم 'الهايكو' .

'الهايكو' قصيدة انبثقت من تقليد شعري آخر كان سائدا وهو 'الرينغا' الذي وظف المثال والحكمة والقول المأثور. اشتغل 'الهايكو' على الحواس الواقعية التي تسود الحياة اليومية، أما التجريد والتعميم فهو مطلق الغياب. تتمثل ميزته الأساسية في أنه قول لحظة بلحظة في زمان ومكان محددين. كما أنه أيضا تعبير عن الحياة السريعة الزوال. قد تبدو قصيدة الهايكو سهلة ومن السهل الوصول إلى دلالاتها، ولعل مرد ذلك يعود إلى بساطتها الظاهرة، لكن عمقها الفلسفي والجمالي، يدل على عكس ذلك.

الميزة الثانية هي الإيجاز في اللغة. ينجز الهايكو عادة بـ 17 مقطعاً تكتب على ثلاثة خطوط (5 / 7 / 5 مقطع) .
الميزة الثالثة أنه يعتمد الجملة الناقصة كما الحياة فهي لا تظهر أسرارها الخفية. جمل اسمية في الغالب معززة بمصدر وقليلا ما نجد جملا فعلية.

الميزة الرابعة توظيفه للحواس: اللمس والذوق والسمع والشم والبصر، تستخدم في الهايكو كإدراكات مادية من الواقع الملموس وليس كاستدعاءات عقلية.

يوظف الهايكو اثنتين أو ثلاثاً، في بعض الأحيان، من هذه الحواس في نص واحد. في بعض الحالات يولد الهايكو من رائحة وينتقل الى لمس مصدرها. وأحيانا يجمع بين الحواس كلها في هايكو واحد.

الميزة الخامسة: يوظف الهايكو أيضا حالات هزلية القصد منها السخرية وبعث الابتسامة ففي كثير من الأحيان تتحول الصرامة في الحياة والدقة في التفكير الى مواقف مضحكة.

يستحضر الهايكو القديم على العموم الفصول الأربعة. في بعض الأحيان بشكل غامض وفي بعض الاحيان بشكل محدد جدا، لكنه مع ذلك ليس صورا مجردة. الهدف منه أن يحيل على كثافة لحظة من الحياة بكلمات قليلة جدا، مثل التقاط صورة من المعيش اليومي، إحساس بسعادة قصيرة، مظهر طبيعي مفاجئ، ومضة من الذاكرة القريبة جدا، أو القليل القليل من أي شيء يظهر في مرمى البصر.

في العصر الحديث أصبح الهايكو أكثر تحررا من القيود وأقرب الى الشعر العربي في بعده الجغرافي والثقافي. حاول شعراؤه الهروب الى الحلم، من واقع اغترابي زخم بالتناقضات والصراع بين التقاليد والحداثة. غدت قصائد الهايكو تجسد الحقيقة: ليست دائما جميلة. فوجدنا توظيفهم بكثرة للاستعارة والتجسيد. انها محاولات لإزالة الصور النمطية التي كان مطلق مصدرها من الطبيعة ولا غير الطبيعة. قصائد الهايكو المعاصرة أحدثت قطيعة مع الروح الرومانسية، مستندة بقوة الى الأبعاد الرمزية أو السريالية أو التجريدية.

أتمنى للقارئ العربي نزهة معرفية وشعرية ثرية سيكتشف من خلالها روح وفلسفة الشعر الياباني المترع بالبحث عن الجوهر في الطبيعة والانسان.

+درج شده توسط مترجم عربی - دکتر مهدي شاهرخ در سه شنبه ۷ تیر ۱۳۹۰و ساعت 9:47|