رواد الحركة النثرية المعاصرة في ايران
عبد الرحمن العلوي
تعتبر المرحله المعاصره من الادب الفارسي مرحله النثر لما شهده النثر من ازدهار لم يسبق ان حققه من قبل علي صعيد المضمون و الاسلوب
لا يمكن انكار ما لايران من تراث ادبي عظيم و خليفه ادبيه تمتد لآلاف السنين، حتي انها تعد من اغني المصادر الادبيه في العالم. فقد كانت مركزاً لادب قديم واسع مكتوب و مخلوط علي يد نخبه فكريه و ادبيه. و برهنت الحركه الادبيه الايرانيه الحديثه عن ان النبوغ الادبي الايراني لم يقتصر علي الازمان المندثره، فلازال هذا النبوغ فياضاً حتي اليوم يتجدد بتجدد الزمن و يبدع كلما دعت الحاجه الي الابداع
الفارسيه بين الاخذ و العطاء
و رغم ما ينكره البعض علي الفارسيه كثره المفردات العربيه فيها، غير ان هذا لا يعد نقصاً في الفارسيه ابداً … فاللغه الحيه تأخذ و تعطي، و تتأثر و تؤثر، و تختار من المفردات ما يتناسب و حاجتها اليها لا ان تقتصر علي مفرداتها القديمه، خاصه بالنسبه للغه الفارسيه التي حدث فيها تطور هائل ربما يختلف عن مجمل التطورات التي حدثت في اللغات الاخري. فهي قد اقلعت بالكامل عن اللغه القديمه المعروفه بالبهلويه و اختارت لغه جديده تحفل بالمفردات العربيه، حيث تمكنت بهذه اللغه ان تقطع اشواطاً بعيده في الجانب الادبي و تقدم للعالم اروع النتاجات الشعريه و الادبيه. و تجلت روعه التمازج بين المفردات العربيه و الفارسيه في الكتابات الفارسيه لابن سينا و البيروني، و في كتابي «سياست نامه» و «قابوس نامه» في القرن الحادي عشر الميلادي. كما لا ينكر احد مدي الجمال الذي اضفته المفردات العربيه علي قصائد سعدي التي تعد من روائع الادبين الفارسي و العالمي، و علي «چهار مقاله» ـ اي المقالات الاربع ـ للعروضي و التي تعد من اجمل الكتابات النثريه الفارسيه
و مثلما اثرنا في مقاله سابقه فان المرحله المعاصره من الادب الفارسي تعد ـ في الحقيقه ـ مرحله النثر لما شهده النثر من ازدهار لم يسبق له ان حققه من قبل علي صعيدي المضمون و الاسلوب. بل يمكن ان نقول بان اروع نماذج النثر الايراني كان في هذه الفتره بالذات. و يردد الدكتور خانلري ذلك الي اقتصار النثر الفارسي في العصور السالفه علي مواضيع محدده كالتاريخ و الاخلاق و احياناً الفلسفه و الموعظه. اما في العصر الحديث فقد اتسع نطاق النثر و اخذ يتناول القضايا السياسيه و الاجتماعيه و الاساطير و العلوم الجديده و النقد الاجتماعي و غيرها
طليعه المجددين
كانت الانكسارات المتلاحقه التي تعرضت لها ايران في حروبها مع روسيا في العهد القاجاري و ضعفها في مواجهة البلدان الغربيه قد اثارت قلق بعض الشخصيات الوطنيه آنذاك و دفعها للتفكير بالحل. و كان ميرزا تقي خان المعروف بـ«اميركبير» من بين تلك الشخصيات التي فكرت بايجاد حل للاوضاع المترديه التي تشهدها البلاد. و قد سعي منذ ان نال صداره البلاد في عهد ناصر الدين شاه الي اصلاح امور البلاد علي كافه الاصعده، و قد شملت اصلاحاته الادب الفارسي ايضاً. و اصبح الادب في عهده مرآه تعكس الآمال و الطموحات و الشعور بالحاجه الي اصلاح الاوضاع الاجتماعيه و السياسيه و قطع الاعتماد علي البلدان الخارجيه.
و يعد كل من عبد الحسين الكرماني و عبد الكريم طالبوف و زين العابدين المراغي ممن لعبوا دوراً جديراً بالملاحظه في تطور النثر الفارسي خلال العصر الحديث. فرغم انّ آثارهم لا تتميز بقيمه ادبيه كبيره، الا انهم طرحوا من خلالها افكاراً جديده و تميزت باسلوب جديد ايضاً. فعبدالحسين الكرماني المعروف بـ«ميرزا آقاخان» كان ذا اسلوب مؤثر متميز بروح التمرد .. التمرد علي الجهل و الاوهام و الخرافات الناجمه عن استبداد ناصر الدين شاه.
و كان قد نشأ في اسره تنتسب الي طائفه من علماء الصوفيه بكرمان و تأثر بحكمه الملاصدرا. و هرب مع صديقه الشيخ احمد روحي الي اسطنبول و اخذ يكتب في صحيفه «اختر» اي النجم، و ينشر فيها افكاره المتأثره بآراء السيد جمال الدين الاسد آبادي، داعياً مع الشيخ احمد روحي الي وحده العالم الاسلامي. و من آثاره قصه «تمساح الدوله» التي تطرق فيها الي فساد حكام عصره و فقر المجتمع من خلال اسلوب لاذع اثار غضب السلطه وادي في النهايه الي اعدامه مع رفيقه الشيخ احمد روحي.
اما عبدالكريم طالبوف فقد ولد في تبريز ثم غادر الي تفليس و اتقن اللغه الروسيه و ذهب منها الي داغستان حيث امضي ببقيه عمره هناك. و من آثاره «السفينه الطالبيه» او ما يسمي احيانا بـ«كتاب احمد». و هو عباره عن حوار بين مؤلف و ولده احمد، الذي لعب في هذا الكتاب نفس الدور الذي لعبه «اميل» في كتاب جان جاك روسو. و كان لهذا الكتاب تأثير واضح في زمانه علي الاذهان و علي الأدب الفارسي.
و هناك كاتب ارمني يدعي «ملكم خان» يعد من مروجي الثقافه الغربيه، و افكاره في الغالب عباره عن تلفيق بين مذهب اوغوست كونت الفرنسي، و آراء جان ستيورات الانجليزي. و كان شديد الرغبه في الاخذ بالمدينه الغربيه و ترسيخ الافكار الليبراليه، و رغم هذا فقد عدّ احد ادباء طليعه الحركه الادبيه في العصر الحديث لما اعتمده من اسلوب بسيط خال من التعقيد.
و من كتاب العصر القاجاري المعروفين ميرزا محمد خان سينكي المعروف بـ«مجد الملك»، و كانت له رساله نقديه اسماها «كشف الغرائب» و تعرف ايضاً بـ«الرساله المجديه» انتقد فيها اوضاع العهد الناصري (ناصر الدين شاه) و حمل قاده البلاد مسؤوليه الفساد و الانحطاط آنذاك، و اعلن بصراحه: «ان حكومه ايران لا تشابه في قوانينها قوانين الاسلام و لا مباديء الشعوب الاخري». و كان لا يؤمن بالثقافه الغربيه و لا يتفق في آرائه مع «ملكم».
و اعتبر سعيد نفيسي في كتابه «روائع النثر الفارسي المعاصر» كلاً من طالبوف و دهخدا علي رأس المجددين في النثر الفارسي، و عدّ محمد علي جمال زاده و صادق هدايت من ابرز السائرين علي خطاهما. و سنتطرق الي الشخصيات الثلاث الاخيره لاحقاً.
و بشكل عام تعد كتب الرحلات «سفرنامه» اولي ثمرات النثر الفارسي الجديد. و قد الف ناصر الدين شاه نفسه اثنين من تلك الكتب، و التي طرق فيها الاوضاع السياسيه و الاجتماعيه فضلاً عن تناوله لموضوعات جغرافيه.
و يعد كتاب «سياحتنامه ابراهيم بيك» تأليف زين العابدين المراغي من بين الكتب التي ذكر انها كانت ذات تأثير كبير علي حركه الادب الفارسي الحديث.
دور الترجمه
كما نوهنا فقد لعبت الترجمه في الحركه الادبيه الايرانيه المعاصره دوراً بنّاء لا يمكن التغافل عنه .. اذ فتحت نافذه كبيره بوجه الادب الفارسي اطل من خلالها علي الآداب العالميه و روائع الادب العالمي. و كلنا يدرك اهميه الانفتاحات الادبيه و ما تتركه من آثار ايجابيه في اغلب الاحيان لاسيما علي صعيدي الاسلوب و التصوير الفني.
و تركت ترجمه روائع الادب العالمي الي الفارسيه تأثيراتها الواضحه علي الادب الفارسي الحديث ـ لا سيما النثر ـ خاصه و قد رافقت عمليه الترجمه انتشار المطابع و نمو الطبقه المتعلمه.
و كان من اهم تأثيرات تلك الترجمه ايجاد نزعه عند الكاتب الايراني للكتابه باسلوب نثري بسيط و التخلي عن التعقيدات النثريه التي شهدها النثر الفارسي خلال المرحله السابقه.
و كانت الكتابات الفارسيه في نهايه القرن التاسع عشر في معظمها ترجمه و تقليداً لآثار الكتاب الغربيين، سيما الفرنسيين منهم كمولير، و دوما، و جول فرن، و برنادر دوسن، و فكتور هيغو. كما كانت هناك ترجمات عن العربيه و الانجليزيه و الروسيه و التركيه.
و من اوائل الكتب التي ترجمت الي الفارسيه هي «قصه تلماك» لفنلون ترجمها علي خان ناظم العلوم، و «الكونت دي مونت كريستوف» لالكساندر دوما ترجمها محمد طاهر ميرزا اسكندري، و «قبله العذراء» للكاتب الانجليزي جورج رينولدز ترجمها كل من سيد حسن الشيرازي و الاديب الفروغي، و مسرحيه «الخديعه و الحب» للشاعر الالماني شيلر ترجمها ميرزا يوسف خان، و «موت نابليون» لالكساندر دوما ترجمها حشمت السلطان، و «اثيلو» و «تاجر البندقيه» لشكسبير ترجمها ناصر الملك.
و قام عبد الحسين ميرزا بترجمه «طبائع الاستبداد» لعبد الرحمن الكواكبي، و عبدالحسين الرضوي الكرماني بترجمه «تاريخ الثوره الروسيه» للدكتور خليل بيك اللبناني، و هو يصور فجائع الاستبداد الروسي.
دور الصحف و المجلات
يمكن ان نقول ان الصحافه الايرانيه قد ظهرت الي الوجود في عهد محمد شاه القاجاري، و لعبت الكتابه الصحيفه دوراً رئيسياً في تطور اسلوب النثر الفارسي.
و اول صحيفه فارسيه ظهرت الي الوجود كانت تحت اشراف صالح بيك الشيرازي و كان ذلك في رمضان 1252 هـ لكنها لم تستمر طويلاً. و اعقبتها صحيفه اخري تدعي «روزنامجه طهران» و ذلك في عام 1267 هـ و بتشجيع من تقي خان اميركبير. و رغم اسلوبها الحذر و اتجاهها المحافظ الا انها منعت عن الصدور بعد سنوات لا تمامها بمعارضه السلطه.
و لعبت صحيفه «تربيت» التي صدرت عام 1314 هـ دوراً مرموقاً في تطوير النثر الفارسي. و كان يديرها محمد حسين خان ذكاء الملك المتخلص بـ«فروغي».
و تزامناً مع الثوره الدستوريه (324 هـ/ 1906 م) ظهرت صحيفه تدعي «صور اسرافيل». و اريد من خلال هذا الاسم الاشاره الي جهل الناس بما يجري من حولهم. و كان يديرها شاب متحمس يدعي جهانگير خان الشيرازي الذي استطاع من خلال هذه الصحيفه ان يلفت اهتمام كافه الاوساط الاجتماعيه و مختلف الطبقات.
و كتب فيها اكبر دهخدا (صاحب الموسوعه الفارسيه الشهيره) سلسله من المقالات تحت عنوان «چرند و پرند» ـ اي خزعبلات ـ كان يذيلها باسم «دخو» و كانت هذه المقالات سبباً من اسباب اشتهار هذه الصحيفه. و قدمت هذه المقالات الساخره خدمه قيمه للادب الحديث فضلاً عن تأثيرها اجتماعي و بث الوعي بين الناس.
و هناك ادله تؤكد علي ان مقالات دهخدا كانت مصدراً لالهام ثاني اساتذه الادب الفارسي الحديث ـ اي محمد علي جمال زاده ـ حيث الف مجموعه قصصيه متأثره بـ«خزعبلات» دهخدا، اطلق عليها «كان ما كان».
و لم يكن محمد علي جمال زاده قد فتح الباب ببراعه بوجه النثر الحديث فحسب، بل يعد ايضاً واضح الحجر الاساس للقصه القصيره في الادب الفارسي و إن كان يؤخذ عليه استخدامه للعاميه.
و في السنوات الاخيره من العهد القاجاري ظهرت مجله «بهار» التي كان يديرها ميرزا يوسف اعتصام الملك و ذلك في عام 1329 هـ و لم تستمر اكثر من عام واحد ثم ظهرت ثانيه بعد عشر سنوات و ذلك في عام 1339 هـ و كانت تميل في اسلوبها الادبي الي الاسلوبين العربي و التركي.
كما كان لمجله «دانشكده» ـ اي الكليه ـ الشهريه التي صدرت في عام 1336 هـ دور واضح في التحول الادبي و ساعدت علي خلق حركه ادبيه جديده. و قد ابدل اسمها فيما بعد الي «نوبهار» اي الربيع الجديد.
و لعبت بعض المجلات مثل «سخن» و «يغما» دوراً ايضاً لا سيما علي صعيد التحقيقي و النقد الادبي ساهم في تحديد نقاط الضعف و تقويه نقاط القوه و رفد المسيره الادبيه بالافكار و الآراء الجديده و الاخذ بزمام الحركه الادبيه نحو مزيد من التبلور و الازدهار.
و كان هناك عد من الصحف و المجلات خارج البلاد قامت هي الاخري بدور ملحوظ علي سعيد تطوير النثر الفارسي، مثل صحيفه «قانون» التي اصدرها في لندن «ملكم خان» الذي سبقت الاشاره اليه، و صحيفه «الحبل المتين» التي كانت تصدر في كلكتا و صحيفه «اختر» التي صدرت في اسطنبول و استمرت بالصدور 25 عاماً.
الاتجاه الروائي
لقد شكل الاتجاه الروائي جانباً كبيراً من الحركه النثريه المعاصره، و حظيت المؤلفات القصصيه باهتمام ربما طغي علي باقي الاهتمامات، او بقول النقاد ان النثر الفارسي قد وقع خلال 1919 ـ 1930 تحت هيمنه الروايه و القصه القصيره. و لا نريد هنا ان نتوغل في هذا الموضوع و سنوكل الحديث عن الروايه الفارسيه الي مقام قادم، و لكن يمكن ان نقول بان «خزعبلات» علي اكبر دهخدا التي كانت تنتشر في صحيفه «صور اسرافيل»، كانت طليعه تجربه ناجحه علي صعيد كتابه القصه. و يبدو انه لم يهدف الي تقديم قصه لقارئه، غير انه كان يعير اهتماماً خاصاً للايقاع و اللحن و النبره، و سعي الي ان يقدم كل شخص بلسانه و مستوي تفكيره.
و لا شك ان القصه القصيره في ايران قد بدأت بقصه «كان ما كان» لمحمد علي جمال زاده التي صدرت عام 1922. و كانت قصته هذه بدايه لظهور القصص الاسطوريه. و تبلور اسلوبه في الاستخدام الحر للتعابير الاصطلاحيه و الامثال لاضفاء صبغه الحوار علي لغته. و رغم ان ذاك قد ادي الي اختراع اسلوب ادبي جديد كان له الاثر الكبير علي الكتابات النثريه فيما بعد، لكنه اثار في نفس الوقت شبهه عدم اعتمامه بايقاعات و خصائص الحوار الفارسي.
و يعد الروائي «محمد مسعود» احد ابرز كتاب العقد الثالث و كانت اول روايه له و تعرف بـ«أدب الحياه» التي صدرت عام 1932 عباره عن نقد للاوضاع الاجتماعيه التي اصبحت فيها الرذائل فضائل. و كان نثره في الغالب ناجحاً و متحركاً. و قطع خطوه مهمه علي طريق صناعه قالب قصصي متميز في الادب الايراني الجديد و قد اغتيل هذا القاص علي يد حزب «توده» باعتراف رؤسائه فيما بعد.
و يبدو ان خليفته «بزرك علوي» قد خطف الرهان من يديه … فقد برز علي السطح الادبي كقاص ناجح و ان حاول في بعض كتاباته الدعايه للجناح اليساري. غير ان روايه «عيونها» كانت تحظي بأهميه ادبيه و تعد اول عمل كبير له ككاتب روائي.
و يعد «صادق هدايت» و رغم اتجاهه الفكري الغامض المضطرب من ابرز الناثرين و القصصيين الايرانيين خلال القرن العشرين، و ربما اطلق عليه البعض «النابغه الادبيه الايرانيه المعاصره». و قد خطي خطوات واسعه علي الطريق الذي افتتحها جمال زاده. و ترك اسلوبه الادبي الرصين تأثيراً كبيرا علي الساحه الادبيه الفارسيه. و كان متأثراً بالادب الفرنسي الي حد بعيد.
و لا ننسي ان نشير هنا الي الكاتب جلال آل احمد … فقد نزع كثيراً نحو الادب العالمي و تأثر به، و انعكس ذلك التأثر علي مجمل كتاباته النثريه، المقالات منها و القصص. و قد لجأ الي قالب القصص العاميه و ركز علي لغه الحوار في نقد المجتمع و رسم حركته. و النموذج البارز علي هذا الصعيد هو «نون و القلم»، و «حياه الخلايا» التي شبّه فيها المجتمع الايراني بالنحل … و ربما كان متأثراً ذلك بكتابInsect Play (لعبه الحشره) لكارل جابك
المصادر
1) ادبيات نوين ايران، ترجمه و تدوين يعقوب آژند
2) نقش بر آب، د. عبد الحسين زرين كوب
3) هفتاد سخن، د. پرويز ناتل خانلري
4) آواها و ايماها، د. محمد علي اسلامي ندوشن
عبد الرحمن العلوي
تعتبر المرحله المعاصره من الادب الفارسي مرحله النثر لما شهده النثر من ازدهار لم يسبق ان حققه من قبل علي صعيد المضمون و الاسلوب
لا يمكن انكار ما لايران من تراث ادبي عظيم و خليفه ادبيه تمتد لآلاف السنين، حتي انها تعد من اغني المصادر الادبيه في العالم. فقد كانت مركزاً لادب قديم واسع مكتوب و مخلوط علي يد نخبه فكريه و ادبيه. و برهنت الحركه الادبيه الايرانيه الحديثه عن ان النبوغ الادبي الايراني لم يقتصر علي الازمان المندثره، فلازال هذا النبوغ فياضاً حتي اليوم يتجدد بتجدد الزمن و يبدع كلما دعت الحاجه الي الابداع
الفارسيه بين الاخذ و العطاء
و رغم ما ينكره البعض علي الفارسيه كثره المفردات العربيه فيها، غير ان هذا لا يعد نقصاً في الفارسيه ابداً … فاللغه الحيه تأخذ و تعطي، و تتأثر و تؤثر، و تختار من المفردات ما يتناسب و حاجتها اليها لا ان تقتصر علي مفرداتها القديمه، خاصه بالنسبه للغه الفارسيه التي حدث فيها تطور هائل ربما يختلف عن مجمل التطورات التي حدثت في اللغات الاخري. فهي قد اقلعت بالكامل عن اللغه القديمه المعروفه بالبهلويه و اختارت لغه جديده تحفل بالمفردات العربيه، حيث تمكنت بهذه اللغه ان تقطع اشواطاً بعيده في الجانب الادبي و تقدم للعالم اروع النتاجات الشعريه و الادبيه. و تجلت روعه التمازج بين المفردات العربيه و الفارسيه في الكتابات الفارسيه لابن سينا و البيروني، و في كتابي «سياست نامه» و «قابوس نامه» في القرن الحادي عشر الميلادي. كما لا ينكر احد مدي الجمال الذي اضفته المفردات العربيه علي قصائد سعدي التي تعد من روائع الادبين الفارسي و العالمي، و علي «چهار مقاله» ـ اي المقالات الاربع ـ للعروضي و التي تعد من اجمل الكتابات النثريه الفارسيه
و مثلما اثرنا في مقاله سابقه فان المرحله المعاصره من الادب الفارسي تعد ـ في الحقيقه ـ مرحله النثر لما شهده النثر من ازدهار لم يسبق له ان حققه من قبل علي صعيدي المضمون و الاسلوب. بل يمكن ان نقول بان اروع نماذج النثر الايراني كان في هذه الفتره بالذات. و يردد الدكتور خانلري ذلك الي اقتصار النثر الفارسي في العصور السالفه علي مواضيع محدده كالتاريخ و الاخلاق و احياناً الفلسفه و الموعظه. اما في العصر الحديث فقد اتسع نطاق النثر و اخذ يتناول القضايا السياسيه و الاجتماعيه و الاساطير و العلوم الجديده و النقد الاجتماعي و غيرها
طليعه المجددين
كانت الانكسارات المتلاحقه التي تعرضت لها ايران في حروبها مع روسيا في العهد القاجاري و ضعفها في مواجهة البلدان الغربيه قد اثارت قلق بعض الشخصيات الوطنيه آنذاك و دفعها للتفكير بالحل. و كان ميرزا تقي خان المعروف بـ«اميركبير» من بين تلك الشخصيات التي فكرت بايجاد حل للاوضاع المترديه التي تشهدها البلاد. و قد سعي منذ ان نال صداره البلاد في عهد ناصر الدين شاه الي اصلاح امور البلاد علي كافه الاصعده، و قد شملت اصلاحاته الادب الفارسي ايضاً. و اصبح الادب في عهده مرآه تعكس الآمال و الطموحات و الشعور بالحاجه الي اصلاح الاوضاع الاجتماعيه و السياسيه و قطع الاعتماد علي البلدان الخارجيه.
و يعد كل من عبد الحسين الكرماني و عبد الكريم طالبوف و زين العابدين المراغي ممن لعبوا دوراً جديراً بالملاحظه في تطور النثر الفارسي خلال العصر الحديث. فرغم انّ آثارهم لا تتميز بقيمه ادبيه كبيره، الا انهم طرحوا من خلالها افكاراً جديده و تميزت باسلوب جديد ايضاً. فعبدالحسين الكرماني المعروف بـ«ميرزا آقاخان» كان ذا اسلوب مؤثر متميز بروح التمرد .. التمرد علي الجهل و الاوهام و الخرافات الناجمه عن استبداد ناصر الدين شاه.
و كان قد نشأ في اسره تنتسب الي طائفه من علماء الصوفيه بكرمان و تأثر بحكمه الملاصدرا. و هرب مع صديقه الشيخ احمد روحي الي اسطنبول و اخذ يكتب في صحيفه «اختر» اي النجم، و ينشر فيها افكاره المتأثره بآراء السيد جمال الدين الاسد آبادي، داعياً مع الشيخ احمد روحي الي وحده العالم الاسلامي. و من آثاره قصه «تمساح الدوله» التي تطرق فيها الي فساد حكام عصره و فقر المجتمع من خلال اسلوب لاذع اثار غضب السلطه وادي في النهايه الي اعدامه مع رفيقه الشيخ احمد روحي.
اما عبدالكريم طالبوف فقد ولد في تبريز ثم غادر الي تفليس و اتقن اللغه الروسيه و ذهب منها الي داغستان حيث امضي ببقيه عمره هناك. و من آثاره «السفينه الطالبيه» او ما يسمي احيانا بـ«كتاب احمد». و هو عباره عن حوار بين مؤلف و ولده احمد، الذي لعب في هذا الكتاب نفس الدور الذي لعبه «اميل» في كتاب جان جاك روسو. و كان لهذا الكتاب تأثير واضح في زمانه علي الاذهان و علي الأدب الفارسي.
و هناك كاتب ارمني يدعي «ملكم خان» يعد من مروجي الثقافه الغربيه، و افكاره في الغالب عباره عن تلفيق بين مذهب اوغوست كونت الفرنسي، و آراء جان ستيورات الانجليزي. و كان شديد الرغبه في الاخذ بالمدينه الغربيه و ترسيخ الافكار الليبراليه، و رغم هذا فقد عدّ احد ادباء طليعه الحركه الادبيه في العصر الحديث لما اعتمده من اسلوب بسيط خال من التعقيد.
و من كتاب العصر القاجاري المعروفين ميرزا محمد خان سينكي المعروف بـ«مجد الملك»، و كانت له رساله نقديه اسماها «كشف الغرائب» و تعرف ايضاً بـ«الرساله المجديه» انتقد فيها اوضاع العهد الناصري (ناصر الدين شاه) و حمل قاده البلاد مسؤوليه الفساد و الانحطاط آنذاك، و اعلن بصراحه: «ان حكومه ايران لا تشابه في قوانينها قوانين الاسلام و لا مباديء الشعوب الاخري». و كان لا يؤمن بالثقافه الغربيه و لا يتفق في آرائه مع «ملكم».
و اعتبر سعيد نفيسي في كتابه «روائع النثر الفارسي المعاصر» كلاً من طالبوف و دهخدا علي رأس المجددين في النثر الفارسي، و عدّ محمد علي جمال زاده و صادق هدايت من ابرز السائرين علي خطاهما. و سنتطرق الي الشخصيات الثلاث الاخيره لاحقاً.
و بشكل عام تعد كتب الرحلات «سفرنامه» اولي ثمرات النثر الفارسي الجديد. و قد الف ناصر الدين شاه نفسه اثنين من تلك الكتب، و التي طرق فيها الاوضاع السياسيه و الاجتماعيه فضلاً عن تناوله لموضوعات جغرافيه.
و يعد كتاب «سياحتنامه ابراهيم بيك» تأليف زين العابدين المراغي من بين الكتب التي ذكر انها كانت ذات تأثير كبير علي حركه الادب الفارسي الحديث.
دور الترجمه
كما نوهنا فقد لعبت الترجمه في الحركه الادبيه الايرانيه المعاصره دوراً بنّاء لا يمكن التغافل عنه .. اذ فتحت نافذه كبيره بوجه الادب الفارسي اطل من خلالها علي الآداب العالميه و روائع الادب العالمي. و كلنا يدرك اهميه الانفتاحات الادبيه و ما تتركه من آثار ايجابيه في اغلب الاحيان لاسيما علي صعيدي الاسلوب و التصوير الفني.
و تركت ترجمه روائع الادب العالمي الي الفارسيه تأثيراتها الواضحه علي الادب الفارسي الحديث ـ لا سيما النثر ـ خاصه و قد رافقت عمليه الترجمه انتشار المطابع و نمو الطبقه المتعلمه.
و كان من اهم تأثيرات تلك الترجمه ايجاد نزعه عند الكاتب الايراني للكتابه باسلوب نثري بسيط و التخلي عن التعقيدات النثريه التي شهدها النثر الفارسي خلال المرحله السابقه.
و كانت الكتابات الفارسيه في نهايه القرن التاسع عشر في معظمها ترجمه و تقليداً لآثار الكتاب الغربيين، سيما الفرنسيين منهم كمولير، و دوما، و جول فرن، و برنادر دوسن، و فكتور هيغو. كما كانت هناك ترجمات عن العربيه و الانجليزيه و الروسيه و التركيه.
و من اوائل الكتب التي ترجمت الي الفارسيه هي «قصه تلماك» لفنلون ترجمها علي خان ناظم العلوم، و «الكونت دي مونت كريستوف» لالكساندر دوما ترجمها محمد طاهر ميرزا اسكندري، و «قبله العذراء» للكاتب الانجليزي جورج رينولدز ترجمها كل من سيد حسن الشيرازي و الاديب الفروغي، و مسرحيه «الخديعه و الحب» للشاعر الالماني شيلر ترجمها ميرزا يوسف خان، و «موت نابليون» لالكساندر دوما ترجمها حشمت السلطان، و «اثيلو» و «تاجر البندقيه» لشكسبير ترجمها ناصر الملك.
و قام عبد الحسين ميرزا بترجمه «طبائع الاستبداد» لعبد الرحمن الكواكبي، و عبدالحسين الرضوي الكرماني بترجمه «تاريخ الثوره الروسيه» للدكتور خليل بيك اللبناني، و هو يصور فجائع الاستبداد الروسي.
دور الصحف و المجلات
يمكن ان نقول ان الصحافه الايرانيه قد ظهرت الي الوجود في عهد محمد شاه القاجاري، و لعبت الكتابه الصحيفه دوراً رئيسياً في تطور اسلوب النثر الفارسي.
و اول صحيفه فارسيه ظهرت الي الوجود كانت تحت اشراف صالح بيك الشيرازي و كان ذلك في رمضان 1252 هـ لكنها لم تستمر طويلاً. و اعقبتها صحيفه اخري تدعي «روزنامجه طهران» و ذلك في عام 1267 هـ و بتشجيع من تقي خان اميركبير. و رغم اسلوبها الحذر و اتجاهها المحافظ الا انها منعت عن الصدور بعد سنوات لا تمامها بمعارضه السلطه.
و لعبت صحيفه «تربيت» التي صدرت عام 1314 هـ دوراً مرموقاً في تطوير النثر الفارسي. و كان يديرها محمد حسين خان ذكاء الملك المتخلص بـ«فروغي».
و تزامناً مع الثوره الدستوريه (324 هـ/ 1906 م) ظهرت صحيفه تدعي «صور اسرافيل». و اريد من خلال هذا الاسم الاشاره الي جهل الناس بما يجري من حولهم. و كان يديرها شاب متحمس يدعي جهانگير خان الشيرازي الذي استطاع من خلال هذه الصحيفه ان يلفت اهتمام كافه الاوساط الاجتماعيه و مختلف الطبقات.
و كتب فيها اكبر دهخدا (صاحب الموسوعه الفارسيه الشهيره) سلسله من المقالات تحت عنوان «چرند و پرند» ـ اي خزعبلات ـ كان يذيلها باسم «دخو» و كانت هذه المقالات سبباً من اسباب اشتهار هذه الصحيفه. و قدمت هذه المقالات الساخره خدمه قيمه للادب الحديث فضلاً عن تأثيرها اجتماعي و بث الوعي بين الناس.
و هناك ادله تؤكد علي ان مقالات دهخدا كانت مصدراً لالهام ثاني اساتذه الادب الفارسي الحديث ـ اي محمد علي جمال زاده ـ حيث الف مجموعه قصصيه متأثره بـ«خزعبلات» دهخدا، اطلق عليها «كان ما كان».
و لم يكن محمد علي جمال زاده قد فتح الباب ببراعه بوجه النثر الحديث فحسب، بل يعد ايضاً واضح الحجر الاساس للقصه القصيره في الادب الفارسي و إن كان يؤخذ عليه استخدامه للعاميه.
و في السنوات الاخيره من العهد القاجاري ظهرت مجله «بهار» التي كان يديرها ميرزا يوسف اعتصام الملك و ذلك في عام 1329 هـ و لم تستمر اكثر من عام واحد ثم ظهرت ثانيه بعد عشر سنوات و ذلك في عام 1339 هـ و كانت تميل في اسلوبها الادبي الي الاسلوبين العربي و التركي.
كما كان لمجله «دانشكده» ـ اي الكليه ـ الشهريه التي صدرت في عام 1336 هـ دور واضح في التحول الادبي و ساعدت علي خلق حركه ادبيه جديده. و قد ابدل اسمها فيما بعد الي «نوبهار» اي الربيع الجديد.
و لعبت بعض المجلات مثل «سخن» و «يغما» دوراً ايضاً لا سيما علي صعيد التحقيقي و النقد الادبي ساهم في تحديد نقاط الضعف و تقويه نقاط القوه و رفد المسيره الادبيه بالافكار و الآراء الجديده و الاخذ بزمام الحركه الادبيه نحو مزيد من التبلور و الازدهار.
و كان هناك عد من الصحف و المجلات خارج البلاد قامت هي الاخري بدور ملحوظ علي سعيد تطوير النثر الفارسي، مثل صحيفه «قانون» التي اصدرها في لندن «ملكم خان» الذي سبقت الاشاره اليه، و صحيفه «الحبل المتين» التي كانت تصدر في كلكتا و صحيفه «اختر» التي صدرت في اسطنبول و استمرت بالصدور 25 عاماً.
الاتجاه الروائي
لقد شكل الاتجاه الروائي جانباً كبيراً من الحركه النثريه المعاصره، و حظيت المؤلفات القصصيه باهتمام ربما طغي علي باقي الاهتمامات، او بقول النقاد ان النثر الفارسي قد وقع خلال 1919 ـ 1930 تحت هيمنه الروايه و القصه القصيره. و لا نريد هنا ان نتوغل في هذا الموضوع و سنوكل الحديث عن الروايه الفارسيه الي مقام قادم، و لكن يمكن ان نقول بان «خزعبلات» علي اكبر دهخدا التي كانت تنتشر في صحيفه «صور اسرافيل»، كانت طليعه تجربه ناجحه علي صعيد كتابه القصه. و يبدو انه لم يهدف الي تقديم قصه لقارئه، غير انه كان يعير اهتماماً خاصاً للايقاع و اللحن و النبره، و سعي الي ان يقدم كل شخص بلسانه و مستوي تفكيره.
و لا شك ان القصه القصيره في ايران قد بدأت بقصه «كان ما كان» لمحمد علي جمال زاده التي صدرت عام 1922. و كانت قصته هذه بدايه لظهور القصص الاسطوريه. و تبلور اسلوبه في الاستخدام الحر للتعابير الاصطلاحيه و الامثال لاضفاء صبغه الحوار علي لغته. و رغم ان ذاك قد ادي الي اختراع اسلوب ادبي جديد كان له الاثر الكبير علي الكتابات النثريه فيما بعد، لكنه اثار في نفس الوقت شبهه عدم اعتمامه بايقاعات و خصائص الحوار الفارسي.
و يعد الروائي «محمد مسعود» احد ابرز كتاب العقد الثالث و كانت اول روايه له و تعرف بـ«أدب الحياه» التي صدرت عام 1932 عباره عن نقد للاوضاع الاجتماعيه التي اصبحت فيها الرذائل فضائل. و كان نثره في الغالب ناجحاً و متحركاً. و قطع خطوه مهمه علي طريق صناعه قالب قصصي متميز في الادب الايراني الجديد و قد اغتيل هذا القاص علي يد حزب «توده» باعتراف رؤسائه فيما بعد.
و يبدو ان خليفته «بزرك علوي» قد خطف الرهان من يديه … فقد برز علي السطح الادبي كقاص ناجح و ان حاول في بعض كتاباته الدعايه للجناح اليساري. غير ان روايه «عيونها» كانت تحظي بأهميه ادبيه و تعد اول عمل كبير له ككاتب روائي.
و يعد «صادق هدايت» و رغم اتجاهه الفكري الغامض المضطرب من ابرز الناثرين و القصصيين الايرانيين خلال القرن العشرين، و ربما اطلق عليه البعض «النابغه الادبيه الايرانيه المعاصره». و قد خطي خطوات واسعه علي الطريق الذي افتتحها جمال زاده. و ترك اسلوبه الادبي الرصين تأثيراً كبيرا علي الساحه الادبيه الفارسيه. و كان متأثراً بالادب الفرنسي الي حد بعيد.
و لا ننسي ان نشير هنا الي الكاتب جلال آل احمد … فقد نزع كثيراً نحو الادب العالمي و تأثر به، و انعكس ذلك التأثر علي مجمل كتاباته النثريه، المقالات منها و القصص. و قد لجأ الي قالب القصص العاميه و ركز علي لغه الحوار في نقد المجتمع و رسم حركته. و النموذج البارز علي هذا الصعيد هو «نون و القلم»، و «حياه الخلايا» التي شبّه فيها المجتمع الايراني بالنحل … و ربما كان متأثراً ذلك بكتابInsect Play (لعبه الحشره) لكارل جابك
المصادر
1) ادبيات نوين ايران، ترجمه و تدوين يعقوب آژند
2) نقش بر آب، د. عبد الحسين زرين كوب
3) هفتاد سخن، د. پرويز ناتل خانلري
4) آواها و ايماها، د. محمد علي اسلامي ندوشن
+درج شده توسط مترجم عربی - دکتر مهدي شاهرخ در جمعه ۱۷ آذر ۱۳۹۱و ساعت 19:59|