ابزار وبمستر

"الهویة العربیة فی الشعر المعاصر"

"الهویة العربیة فی الشعر المعاصر"

صدر مؤخراً عن وزارة الثقافة الأردنیة ضمن سلسلة كتب ثقافیة كتاب "الهویة العربیة فی الشعر المعاصر: من وهم الحقیقة إلى حقیقة الوهم"، للناقد الأردنی الدكتور محمد حور.

الكتاب، الذی یقع فی 588 صفحة، یمثل دراسةنقدیة بانورامیة لهویة الشعر العربی المعاصر فی نهایات القرن التاسع عشر والقرن العشرین التی تحمل بین طیاتها -كما یقول المؤلف فی المقدمة- "الضدیة" بین الأمل والطموح اللذین یراودان الخیال فی الحریة والحب والرخاء والرفاه والوحدة، انطلاقاً من تراث غنی ومعطیات تبدو منطقیة بالأرض والتاریخ والعقیدة والتاریخ واللغة والوعی... وبین الواقع الذی یقف سداً منیعاً أمام هذه الآمال.

وسار د. حور فی دراسته بضوء الحقائق التاریخیة التی عصفت بالأمة العربیة وانهیار الدولة العثمانیة وظهور الدولة القطریة، وذلك من خلال رصد تحلیلی للمئات من النصوص الشعریة العربیة فی تلك الفترة.

جاء الكتاب فی تمهید وبابین وخاتمة؛ انصبّ التمهید على "الجذور التاریخیة للهویة العربیة" منذ العصر الجاهلی إلى مطلع العصر العشرین. وعنی فیها بتشخیص الهویة العربیة عبر هذه المسیرة، وخلص فیها إلى أن ما جرى بین العرب فی ماضیهم هو ما یجری فی أیامنا: دعاوى عریضة، حروب ومناكفات وأحقاد، وقوة وصلابة ووحدة فی وجه أی عدوان خارجی یتعرضون له...

جاء الباب الأول بعنوان "فی وهم الهویة"، ومرد هذا الوهم، كما یقول د.حور، أن العرب عاشوا فی ظل الحكم العثمانی قروناً طویلة، تحت غطاء الدولة الإسلامیة. وما إن تخلصوا منه، حتى وقعوا فریسة لاحتلال أجنبی لا تربطهم به صلة، فضلاً عن تناقضهم معه فی كل شیء. فقاوموه بما أوتوا من قوة! بشعارات عاطفیة انفعالیة، تتحدث عن "الهویة العربیة"، وتصب جام غضبها على المستعمر الأجنبی الخارجی، لكنها كانت تفتقر للرؤیة التی تعی حقیقة هذه الهویة، وسبل تجسیدها على أرض الواقع فی نهایة المطاف. فكانت "الهویة العربیة" فی الشعر تمثل الأمل والطموح، الذی لم یتحقق بزوال المستعمر، المحتل الخارجی، عدا عن الإحباط الذی ألمّ بالأمة العربیة، وخیبة الأمل فی شعاراتها وتطلعاتها.

وجاء هذا الباب فی توطئة وستة فصول: أما التوطئة، فاتصلت بالبحث عن الهویة فی الشعر العربی فی القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرین، وشهد فیها الأدب عموماً حالة من الضعف انعكاساً لتخلف ووهن الدولة العثمانیة فی أواخر أیامها، ظهر فی انصراف الجمهور عن الشعر الفصیح وانقطاع الصلة مع الحاكم لأعجمیته وغیاب الشاعر المتخصص وفقدان الدافع الذاتی، وتناول الموضوعات التافهة وشیوع اللغة التركیة بوصفها اللغة الرسمیة، وسار فیها الشعراء فی ثلاثة اتجاهات: أحدهما، وهو الأضعف تسلح بالوعی والتحدی ودعا للخروج على سلطان الدولة العثمانیة والالتفات إلى الهویة العربیة الخالصة كما عند إبراهیم الیازجی وعبدالله الندیم وعبد الحمید الشاوی. والاتجاه الثانی، وهو الأقوى دعا إلى الإصلاح من الداخل والمحافظة على الدولة بوصفها الإطار العام لوحدة المسلمین كما عند الرصافی والزهاوی. أما الاتجاه الثالث، فكان محافظاً وتمسك بالدولة على حالها ومجد سلطانها وأثنى علیها فی مواجهة خصومها، وكان أبرز شعرائه فی مصر؛ خاصة أحمد شوقی وحافظ إبراهیم.

حمل الفصل الأول عنوان "ملاذ اللغة"، وسلط الضوء على الوعی الذی أخذ یدب فی عروق العرب المسلمین تجاه لغتهم والانتصار لها مع بواكیر القرن التاسع عشر بوصفها لسان الأمة الناطق بماضیها وحاضرها ومستقبلها. وكان من أبرز الشعراء الذین انتصروا للعربیة وبیان روعتها وجمالها آنذاك خلیل مردم وأحمد شوقی، والمغربیان محمد المختار السوسی ومحمد القری، والرصافی وشفیق جبری وعبدالله عبدالرحمن وبدوی الجبل.  

أما الفصل الثانی، فاختار له المؤلف عنوان "أسطورة الوحدة"، وفیه یرصد تیار الوحدة العربیة والقومیة الذی شاع فی الشعر العربی عقب الحرب العالمیة الأولى والثانیة وظهور الاستعمار الأجنبی، حین أحاط بهم العجز من كل جانب، "وكان الهرب من الواقع المؤلم خیر وسیلة للنجاة، بما لا وجود له، ولا أمل فی تحقیقه"، وكان السائد فی الشعر العروبی هو النبرة الخطابیة والمباشرة بأسلوب القصیدة العربیة القدیم والعنایة بالعنوان والمخاطب كما عند حافظ إبراهیم وفؤاد الخطیب والكاظمی وسلیمان العیسى، وشیوع الأناشید الوطنیة منذ العقد الثانی من القرن العشرین، كما عند الزركلی  وعلی أحمد باكثیر.

أما الفصل الثالث، فهو كما یقول د.حور تجسید للعجز تجاه "ملهاة فلسطین" التی دارت على كل لسان، ودعا لتحریرها كل العرب، من محیطهم لخلیجهم عارضاً للمفارقات فی مواقف الشعراء تجاهها؛ بكاءً مرةً وبطولة أخرى وعجزاً فی نهایة المطاف. ویقول فیه إن الدارس یذهل من حجم المادة الشعریة التی قیلت فی فلسطین منذ الأیام الأولى لصدور وعد بلفور عام 1917 بدءاً من ودیع البستانی والزركلی والرصافی وشعراء المهجر، وقد نم كثیر من قصائدهم على وعی مبكر لما ینتظر فلسطین من مصیر.

ویمضی د.حور فی تسلسل زمنی مع الشعر وفلسطین من خلال عدید من الشعراء الذین واكبوا محطاتها المأساویة العدیدة، مثل الجواهری وإبراهیم العریض وأحمد محرم مروراً بنزار قبانی وانتهاء بحبیب الزیودی.

تعرض المؤلف فی الفصل الرابع، لتجسّد حقیقة راسخة لم تخطئ، هی موقف العربی مع العربی إذا ما واجه عدوّاً خارجیاً منذ زمن بعید إلى الآن، مع ثورة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسی التی هبّ العرب جمیعاً معها، تغنوا بانتصاراتها وصمودها. وكان  الشعر لسان حالهم، وإذا بها "مغناة الشعراء" فی زمن الهزائم والانكسارات، وعرض فیه د.حور لعشرات الأعمال الشعریة العربیة فی هذا الموضوع، إضافة إلى إشارته للعمل الكبیر الذی قام به عثمان سعدی "الثورة الجزائریة فی الشعر العراقی" ورصد فیه 107 شعراء عراقیین تغنوا بالجزائر، وهناك بحث سابق للمؤلف بعنوان "الجزائر فی الشعر الفلسطینی المعاصر".

أما الفصل الخامس، فكان موضوعه "سقوط الأقنعة" وعالج رسالة الشعر التی أداها تجاه هزائم الأنظمة التی ملأت العالم العربی وعوداً بالحریة، والعدالة، والوحدة، وتحریر فلسطین، فكانت الصدمة بالهزیمة أشد وقعاً على الشعراء الذین منوا النفس بالنصر وتعلقوا بسراب نصر لا ماء فیه، واختار المؤلف نماذج لثلاثة شعراء فی هذا المقام بثلاثة اتجاهات: نزار قبانی (تعریة الواقع الذی أدى إلى الهزیمة)، أمل دنقل (تجسید الهزیمة على حقیقتها بدون زیف أو تزویر)، والجواهری (رفض الواقع وتمجید البطولة ممثلة فی العمل الفدائی).

وتعرض الفصل السادس للرؤیة الشعریة لـ "أحداث محدودة الزمان والمكان" فی الوطن العربی، وهی: الثورة العربیة الكبرى، ونكبة دمشق، والعدوان الثلاثی على مصر، ومأساة بیروت، وقد توقف عند هذه الأحداث دون سواها، لأنها حظیت باهتمام الشعراء العرب على امتداد الساحة العربیة، وانطلقت فكرة هذا الباب من بحث سابق له بعنوان "الشعر والهویة العربیة فی القرنین التاسع عشر والعشرین"، نشر فی معجم البابطین لشعراء العربیة.

جاء الباب الثانی بعنوان "فی حقیقة الوهم"، وفیه یرى الدكتور حور أن الهویة العربیة باتت شعاراً بلا مضمون، وقد مضى على هذا الشعار ما یزید على قرن من الزمان، والعرب یرفعونه، ویمارسون نقیضه، وقد عالج موضوعه مع مجموعة من الشعراء، مثل؛ السیاب والبیاتی وعدنان الصائغ ومظفر النواب وسعدی یوسف وانتهاء بنزار قبانی. وجاء هذا الباب فی أربعة فصول: "غربة العربی فی بلاده"، "یأس العربی من بلاده"، "قهر العربی فی بلاده". أما الرابع، فحمل عنوان "غزو العربی لبلاده".

وذیّلت الدراسة بخاتمة أوجزت السمات العامة التی اتسم بها الشعر المعاصر فی الهویة العربیة مضموناً وفنّاً.

یذكر أن الدكتور محمد حور من أعلام النقد فی الأردن، وله عشرات المؤلفات والدراسات فی النقد والأدب العربی، عمل فی عدة جامعات عربیة ومستشاراً ورئیس تحریر فی العدید من الهیئات والمجلات العلمیة العربیة، ویعمل حالیاً أستاذاً بالجامعة الهاشمیة فی الأردن، وهو عضو مجمع اللغة العربیة الأردنی منذ عام 2006، ونال عام 2006 جائزة البابطین فی مجال نقد الشعر عن كتابه "القبض على الجمر".

+درج شده توسط مترجم عربی - دکتر مهدي شاهرخ در یکشنبه ۲۸ تیر ۱۳۹۴و ساعت 9:10|