ابزار وبمستر

« المدرسه الادبيه الجديده »

« المدرسه الادبيه الجديده »

الادب القصي الايراني المعاصر

عبدالرحمن العلوي

  ظهرت القصه القصيره متاخره في ايران نظرا لتاخر ظهور ترجماتها عن اللغات الاوروبيه. إلا انه سرعان ما امتاز الادب القصصي الايراني. كغيره من الانواع الادبيه الاخري. بمدارسه و رواده.

     بامكاننا ان نعدّ كتاب «مسالك المحسنين» الذي الفه ميرزا عبدالرحيم نجار زاده المعروف بـ«طالبوف» عام 1323 هـ، اول قصه ايرانيه معاصره. و هي قصه امتزج فيها العلم بالخيال و تدور احداثها علي جبل دماوند الشاهق عمليه تسلق فريده قام بها فريق علمي.

     و هناك من لا يعتبر هذا الكتاب قصه او روايه علي اساس ان اسلوبه يختلف عن اسلوب الروايه الحديثه، و انه ليس سوي كتاب رحله علي غرار كتب الرحلات و خواطر السياحه التي اشتهرت بها تلك البرهه.

     و يري هذا الفريق انّ المقالات الادبيه المتسلسله التي كان ينشرها علي اكبر دهخدا في صحيفه «صور اسرافيل» تحت عنوان «خزعبلات» كانت مقدمه علي صعيد كتابه القصه الايرانيه الحديثه.

     و لا شك انّ الروائيين الايرانيين المعاصرين قد بدأوا اعمالهم الادبيه بكتابه القصص التاريخيه و ان كانت اعمالاً بدائيه غير ناضجه. و ربما يعود الاهتمام بكتابه الروايه التاريخيه الي حركه الترجمه التي اهتمت باديء ذي بدء بترجمه الروايات العالميه الي الفارسيه مثل روايات الكساندر دوما و الروائي العربي جرجي زيدان، مما اوجد ذوقاً خاصاً عند كتاب الروايه و اقبالاً منقطع النظير علي قراءه الروايهْ التاريخيه.

     و من اوائل الروايات التاريخيه الفارسيه المعاصره روايه «شمس طغرا» لمحمد باقر ميرزا الخسروي و تدور احداثها في ايام الغزو المغولي لايران، و «الحب و السلطنه» للشيخ موسي الهمداني و تتحدث عن الملك الاخميني كوروش الذي حكم بلاد فارس (557 ـ 528 ق م)، و «بهلوان زند» لشين برتو و تستعترض الاحداث التي جرت في عهد لطف علي خان آخر ملك زندي و الذي قتل عام (1209 هـ‌) علي يد آقا محمد خان القاجاري.

     و هذه الروايات التاريخيه لا تعدّ من وجهه نظر البعض روايه بالمعني المصطلح عليه للروايه لخلوّها من العناصر التي يلزم توفرها في الروايه و لاسلوبها البسيط القريب من اسلوب جرائد تلك الفتره.

     و هناك ملاحظه عامه حول الروايات التاريخيه المكتوبه بالفارسيه. فكافه هذه الروايات ليست منطبقه كثيرا مع الحقائق التاريخيه، كما تلاحظ في بعضها اخطاء فاحشه لا تمت الي الوقائع التاريخيه بصله.

 

محمد علي جمال زاده

     اما القصه القصيره فقد ظهرت متأخره في ايران للتأخر في ترجمه مثل هذه الآثار عن اللغات الاوروبيه. و ربما ظهرت اوائل هذه القصص المترجمه في مجله «بهار» ثم في مجله «دانشكده» لا سيما عن كتاب القصه الفرنسيين.

     و تعدّ مجموعه محمد علي جمال زاده القصصيه و التي تحمل عنوان «كان يا ما كان» أول مجموعه قصصيه ايرانيه معاصره. و قد نشرت لاول مره عام 1922 م.

     و يري جمال زاده في مقدمه هذه المجموعه القصصيه ان القصه افضل مرآه تعكس اوضاع الامم و سجاياها و خصالها، كما انها تعمل علي ازدهار اللغه و توسيع نطاقها و الانطلاق بها الي التكامل.

     و تميز جمال زاده باسلوب خاص في كتابه القصه و اعتماده الحوار العامي و الطريقه التهكميه اللاذعه، مما اعتبره البعض رائداً علي هذا الصعيد و مؤسساً لمدرسه القصه القصيره المعاصره.

     و حاول جمال زاده في التعبير عن افكار الناس و خلجات نفوسهم، مستخدماً نفس الفاظهم و عباراتهم و طريقه تحدثهم اليوميه التي اعتاد الناس عليها دون ان يحاول التدخل فيها او تهذيبها او الارتقاء بمستواها. فهو يعتقد انّ ايه محاوله للارتقاء بمستوي كلمات الناس العاديين، تخرج الكاتب عن الصدق و الموضوعيه، تفقد قصته طابعها الاجتماعي الحقيقي، لانه سيبدو و كأنه يعيش في مجتمع خيالي آخر لا في هذا المجتمع الذي يتحدث عنه. فهو يعتقد انّ القصه او الروايه يجب ان تكون صوره طبق الاصل للواقع المعاش و هذا يستدعي التحدث بنفس مفردات رجل الشارع و السوقي و النجار و الحداد و طالب المدرسه و ربه البيت.

     و هناك تفاوت اساسي بين مدرسه القصه التي اسسها جمال زاده و بين مدرسه الروايه التاريخيه. فهدف المدرسه الثانيه خلق وعي شعبي و اعتداد وطني، فيما تميزت مدرسه جمال زاده بالسخريه و الانتقاد اللاذع، و لم تكن تتستر علي نقاط الضعف و لا تخفي النواقص و الاشكالات، بل تصرّ علي اظهارها.

 

صادق هدايت

     يعدّ صادق هدايت اكبر استاذ ايراني معاصر في كتابه القصه و من ابرز الناشرين الايرانيين في القرن العشرين، لما امتاز به من قابليه كتابيه عجيبه، و تنوع في كتاباته. و قد حقق تطوراً كبيراً في المدرسه القصصيه التي اسسها جمال زاده. و له عدد من المجموعات القصصيه و الروايات الطويله، فضلاً عن تصانيف اخري في الهجاء و النقد و الفولكلور، و مسرحيات و عدد من الكتب المترجمه.

     و تجلت روعه اسلوبه في مجموعاته القصصيه مثل «الموؤده» و «ثلاث قطرات دم» و «الظل المضيء» و «الكلب المتسكع». و تمتاز كل قصه من قصصه ببدايه و نهايه خاصه، لا يستطيع اي كاتب آخر ان يجاريه في هذا النمط من الاسلوب. و برع كثيراً في استخدام لغه الحوار العامي، وفاق في ذلك جمال زاده، فكان حواره اكثر بساطه منه و اشد متعه.

     و يعد هدايت بارعاً في رسم الاحداث و تصوير الناس بشكل عجيب. و ربما كانت شهرته خارج ايران تفوق شهره اي كاتب ايراني آخر. و ترجمت آثاره الي مختلف اللغات.

     و رغم هذا، فقد كان «هدايت» ضيّق الرؤيه، و قليل المعرفه بالتاريخ و متأثراً الي حد بعيد بالثقافه الغربيه و الشبهات التي يروجها الغرب حول الاسلام و التي تعذيها اياديه في الداخل. لهذا كان ينظر الي الفتح الاسلامي لايران نظره تتسم بالسلبيه و يعبرّ عنه بالاستيلاء العربي شأنه شأن بعض كتاب مرحله ما قبل الثوره الاسلاميه المباركه.

     و تميز «هدايت» بروح قلقه جائره و فكر مضطرب غامض، و انعكس ذلك القلق و الاضطراب و الغموض علي كتاباته، فنجد اكثر شخصيات قصصه اناساً شكاكين يسيئون الظن بالناس. و اشتهرت قصته المسماه «بوف كور» ـ اي البومه العمياء ـ في الادب الايراني بشكل عجيب حتي راح يعبر شعبياً عن حاله الحقد و سوء الظن بـ«البوفكوريه» نسبه الي قصته.

     و لم يكن هدايت في الخط الواقعي الاشتراكي الجودانيفي* بل كان مجدداً في الادب الفارسي و يمتاز باسلوبه الخاص الذي ترك بصماته علي الادب الفارسي الحديث.

     و قد خدع «هدايت» بالشيوعيين في اول الامر، لكنه سرعان ما ادرك مراميهم و افكارهم السقيمه، فانفجر غاصباً عليهم في مقدمه كتبها علي ترجمه كتاب «الفرقه المدانه» تأليف كافكا، و وجه اليهم عبر لغه الكنايه سلسله من الانتقادات اللاذعه، و عبّر عن خيبه امله بالحزب الشيوعي، و شك في قدره السراب الشيوعي علي انقاذ ايران من ايدي الساقطين.

 

بزرك علوي

     اقتفي هو الآخر اثر جمال زاده، لكنه تفوق عليه، و نشر في عام 1934 اول مجموعه قصصيه له بعنوان «الحقيبه» التي تتألف من 6 قصص قصيره. و كان مولعاً بمطالعه علم النفس و آخر النظريات علي هذا الصعيد، لهذا نجد انعكاساً واضحاً لتلك النظريات علي كتاباته القصصيه.

     سجن عام 1936 ثم اطلق سراحه عام 1941، حيث اصدر مجموعتين قصصيتين هما «قصاصات السجن» و «53 شخصاً». و المجموعه الاولي و تضم خمس قصص قصيره سجل فيها مذكراته داخل السجن و انطباعاته عنه و الممارسات التي كانت تمارس فيه. و قد كتب تلك المجموعه و هو داخل السجن علي لفافات السكر و اوراق السجائر و اكياس الفاكهه التي كان يؤتي اليه.

     و اصدر بعد ذلك «رسائل»، و هي مجموعه قصصيه ممتزجه بالدعايه للجناح اليساري، غير ان روايه «عيونها» تعد اول عمل كبير له ككاتب روائي.

     و يختلف اسلوب علوي الانشائي عن اسلوب هدايت، فلا نشاهد في قصصه تلك الاستعارات و الامثال و الاصطلاحات الجديده التي نشاهدها عند هدايت، و لا تتميز آثاره بذلك التنوع الذي تميزت به ‌آثار هدايت. و اسلوبه بشكل عام سهل و بسيط و بعيد كثيراً عن التكلف. و قد اوقعه هذا اللاتكلف الزائد في نوع من اللامبالاه و عدم الاهتمام بصياغه العبارات و تهذيب الجمل. و رغم هذا يعدّ ـ بعد هدايت ـ من الممثلين البارزين للمدرسه الادبيه الجديده.

     و كانت شخصيات قصصه شحصيات جديه و جذابه و محسوسه. غير ان البعض يعيب عليه انه لا توجد في آثاره ملامح الفن التقريري الذي تحفل به الآثار الفارسيه الجديده.

 

جلال آل احمد

     يعد جلال آل احمد من كتاب مدرسه جمال زاده ايضا. و كانت اول قصصه قصه «الزياره» التي نشرت في مجله «سخن» عام 1945، و وجد فيها النقاد استعداداً قصصياً و قابليه فنيه عاليه. و يعدّها البعض افضل نماذجه القصصيه.

     و اول مجموعه قصصيه صدرت له هي «التزاور» و تتألف من 12 قصه قصيره. و لا يعتبر البعض اياً من هذه القصص قصصاً واقعيه، و انما هي سرد لحوادث عاديه. غير انهم يتفقون علي روعه الجانب الفني فيها و براعه الكاتب في تصوير الاحداث.

     و آل احمد في اغلب هذه القصص يبتعد بشكل غريب عن الانحياز لشخصياته القصصيه و يحجم عن اظهار رأيه او التعبير عنه بشكل واضح كما اعتاد علي ذلك القصصيون، بل يدع للقاريء نفسه الاستنتاج و التقويم و يتركه حراً للانحياز نحو الشخصيه التي تؤثر عليه اكثر من غيرها، و هي بلاشك نفس الشخصيه التي اراد لها آل احمد ان تؤثر علي القاريء و لكن ليس عبر اسلوب الفرض او الدعايه الانشائيه.

     و يعدّ آل احمد من اكثر الكتّاب شعبيه في ايران، و برزت قابليته الكتابيه في كتابات الشطر الثاني من عمده القصير .. و كان متخصصاً في لغته الكتابيه، تلك اللغه التي امتازت بسرعه العباره و الايجاز و اقترابها من لغه الحوار. و من كتاباته القصصيه «الالم الذي نعاني منه»، و «الخيوط الثلاث»، و «مدير المدرسه» و «لعنه الارض». و له كتابات غير قصصيه مثل «التغرّب» و «المثقفون» الذي صادرته السلطه آنذاك.

     و هناك قصصيون آخرون اشتهروا في الاوساط الادبيه مثل محمد مسعود و محمد علي دشتي. فالاول تميز بنظره متشائمه الي المجتمع. و كان اسلوبه خليطاً بين المحاوره العاميه و لغه الصحف، رغم ان البعض يعده أحد ابرز كتاب العقد الثالث. و الثاني كان يتمتع بقريحه قصصيه متوسطه، و قد اوقف قصصه علي عالم المرأه لا سيما المتهورات و الساقطات.

     و هناك كاتب قصصي آخر هو سعيد نفيسي الذي بدأ حياته الادبيه كمترجم للروايات الفرنسيه. و اهم آثاره روايه «قمر نخشب» و هي روايه تاريخيه تناولت حياه بعض الشخصيات الايرانيه في صدر الاسلام. و له مؤلفات اخري مثل «فرنجيس» و هي قصه غراميه، و «النجوم السوداء».

     محمود اعتماد زاده: كاتب و مترجم و من انصار الواقعيه الاجتماعيه و تأثير بالادب الروسي. من قصصه «نحو الناس» و «بنت الفلاح».

     سيمين دانشور (زوجه آل احمد): رغم انها لم تنجح في اول مجموعه قصصيه لها اي «مدينه كالجنه» الاّ انها عدّت في طليعه كتاب القصه فيما بعد.

     الدكتور غلام حسين الساعدي (كوهر مراد): و يعد كاتباً موفقاً و مؤثراً و ذا باع طويل في كتابه القصه لما امتاز به من اسلوب رائع يكاد يغطي علي عيوب بعض قصصه التي تفتقر المضمون.

 

     * جودانيف: واضع الاصول الادبيه و الفنيه في الاتحاد السوفيتي السابق.

 

المصادر الفارسيه المعتمده

     1. آواها ايماها، الدكتور محمد علي اسلامي ندوشن.

     2. ادبيات نوين ايران، ترجمه و تدوين يعقوب آجند.

     3. مقاله الدكتور شفيعي كدكني المنقوله عن كتاب «ادبيات نوين ايران» و المترجمه عن الانجليزيه.

     4. هفتاد سخن، الجزء الرابع، الدكتور پرويز ناتل خانلري.

+درج شده توسط مترجم عربی - دکتر مهدي شاهرخ در یکشنبه ۲ اسفند ۱۳۸۸و ساعت 21:25|