ابزار وبمستر

تأثير الثورة الاسلامية على التيار الشعري »

« تأثير الثورة الاسلامية على التيار الشعري »

عبدالرحمن العلوي  


الثورة الاسلامية التي حدثت في ايران وتكللت بالانتصار في الحادي عشر من شباط عام 1979، لم تكن حدثاً مثل سائر الاحداث التي تحدث ثم تنتهي بعد فترة وجيزة، بل كانت حدثا تاريخيا عظيما لم يترك تأثيرا على ايران فحسب، بل على سائر ارجاء العالم، لاسيما العالم الاسلامي. ولم يكن هذا التأثير مقتصرا على صعيد دون آخر أو على البعد السياسي دون باقي الابعاد، وانما ترك بصماته الواضحة على جميع الاصعدة والابعاد. وليس من السهل تناول مثل هذا المستوى الواسع من التأثير، واذ ليس بمقدور مثل هذا المقال إنجاز مثل هذه المهمة. ونكتفي فيه بإلقاء نظرة سريعة على التأثير افرزته الثورة الاسلامية على الحقل الشعري باعتباره اكثر الالوان الادبية تأثيرا بالاحداث وأسرعها في التعبير عن هذا التأثير وقولبته في قالب القصيدة، سيما وان الناس اكثر تفاعلا مع الشعر وأشد التحامابه.     شعر ما قبل الثورة   لا يمكن ان نقول بايجاز ان الثورة الاسلامية ومن خلال التغيير الجذري الذي أحدثته على الاصعدة كافة، ومن خلال التفاعل الجماهيري الواسع، استطاعت أن تفتح آفاقا جديدة في الادب الاسلامي لا سيما الشعر وأن تفسح المجال للشاعر كي يعبر عن مشاعره وخلجات نفسه بحرية كاملة، بعد ان كان يعيش حالة الخوف والكبت في عهد ما قبل الثورة. كانت تعيش ما قبل الثورة فئة من الشعراء الذين ينطبق عليهم تعبير شعراء البلاط، فكانوا ينشدون الاشعار الرخيصة الهابطة إما في مدح النظام والتغني بأمجاده وانجازاته متجاهلين ما كان يمارسه من ظلم وإرهاب بحق أبناء الشعب، ومغلقين آذانهم عن سماع آهات المحرومين، وإما في الغزل الخليع الماجن الذي كانوا يحاولون من خلاله حجب الفضيلة والترويج للرذيلة، من أجل ان ينغمس الشعب - لاسيما الشباب - في الملذات والمفاسد متلهين بها عن رؤية جرائم الشاه وشلته. وأما تلك الفئة القليلة من الشعراء الاحرار، فكانوا يحاولون الا يصطدموا بالنظام بشكل مباشر لما كان يشكله ذلك من خطر على حياتهم، ولذلك كانوا سيتخدمون الرمز والاستعارة في بعض الاحيان للتعبير عن معاناة الشعب والظلم الذي كان يحيق به.     تغير القيم والموازين     في ظل الثورة الاسلامية وبعد إرساء قواعد الجمهورية الاسلامية، تغيرت القيم والموازين والرؤى والتطلعات، او بتعبير أصح عادت جميع هذه الامور الى مسارها الطبيعي، وهو المسار الاسلامي الاصيل، ولا بد على هذا الضوء من أن ينعكس  في النبرة الشعرية، ولابد أن تأخذ الكلمة الشعرية مسارا جديدا معبرا عن ذلك التغير الجوهري. ولم يقتصر التغير الذي طرأ على الشعر في عهد الثورة الاسلامية على التغير في المضمون والمحتوى، بل انعكس هذا التغير حتى على الايقاع والوزن والقالب، فبات المتذوقون للشعر يلاحظون حالة الحماس والفرح والتفاؤل في شعر الثورة الاسلامية، بعد ان كانت حالة اليأس والروتين والرتابة تشم من شعر العهد الطاغوتي، فضلا عما كان في ذلك الشعر من مجون وانحطاط اخلاقي وتملق مقزز.   نمط شعري جديد   وقلما كان يلاحظ شعراء بحجم شعراء الثورة الاسلامية، لا سيما في إطار القالب الشعري الفارسي المعروف بـ »الغزل«. فقد ازداد شعراء الغزل في العهد الثوري وظهر نمط جديد من الغزل راح يعرف بـ »الغزل الحديث«، وتحول الى تيار مهم وقوي راح يستقطب الاهتمام، ويعبر عن طموحات الجماهير والثورة الاسلامية. ولم يكن التغيير الذي طرأ على قالب »الغزل« مقتصرا على الفكرة، والمضمون، والاتجاه، والهدف، بل بات يتميز بخصوصيات جديدة ايضا. فاذا كان الغزل السابق يعير أهمية للاستقلال المضموني لكل بيت من أبيات الغزل، فان الغزل الجديد أخذ يهتم كيثرا  بوحدة الشعر العمودية. شعراء الثورة الاسلامية ومعظمهم من الشباب، وجدوا في قالب الغزل، القالب الامثل للتعبير عن العواطف، ولمفاهيم المعنوية والعرفانية، وترجمة خلجات النفس، والامال التي تدغدغ القلوب في مستقبل مشرق في ظل الاسلام وقيمه وروحه الانسانية، لقدرة هذا القالب على توفير الاجواء الشعرية المناسبة، ومساعدة الشاعر على التحليق في تلك الاجواء التي تمتزج فيها الحقيقة بالخيال، وجمال الكلمة بصدق الفكرة، وسحر الايقاع بسمو الهدف.. التلاحم بين الشاعر والثورة الاسلامية، خلق استيعابات جديدة، وفتح افاقا  لم يكن بمقدور الغزل القديم ان يفتحها، وانتقل بالشعر نقلة نوعية الى الامام، وبالمهتمين بالشعر الى مرافئ جديدة يستشعرون عندها الامن، ويتنهدون تنهيده الارتياح، وتلمع في عيونهم امال عريضة ورائعة. ويمكن ملاحظة هذا الغزل الثوري الحديث في دواوين شعراء مثل قيصر أمين بور، وحسين الحسيني، وحسين الاسرافيلي، وعلي رضا قزوة، وفاطمة راكعي، وبرويز بيكي، وعزيزي. ورغم ظهور هذا النوع الجديد من الغزل، حاول بعض شعراء الثورة الاسلامية التوفيق بين الاسلوب القديم من الغزل والاسلوب الحديث، في محاولة منهم ربما لارضاء تلك الفئة من انصار الاسلوب القديم، او لانهم ارادوا من خلال ذلك عدم الانقطاع نهائياً عن الغزل القديم، ولان هذا الاسلوب من وجهة نظرهم اكثر تأثيرا على العواطف من غيره. ولم ينجح في هذا الاسلوب والذي بات يعرف بالغزل المطعم سوى الشاعر نصر الله المرواني، ولاسيما في ديوانه »ثورة النور«، و»رسالة دم الارض«، رغم وجود نماذج كثيرة من غزلياته تحكي عن التسامح في الالفاظ والمعاني، وغياب الفكرة، والتركيز على التطعيم بآية حكمية.   الشعر الحماسي   والحرب التي فرضت على الثورة الاسلامية وهي في بدايتها والتي استمرت على مدى ثمانية أعوام، تركت بدورها تأثيرا كبيرا على الشعر الثوري، فاخذت تطبعه بطابع الحماس، حتى تحول الشعر الحماسي الى تيار قوي فاعل في الميدان الشعري المعاصر. وأصبحت الثورة الاسلامية وبفعل الظروف التي مرت بها والتحديات الخطيرة التي واجهتها، المهد المناسب لظهور حركة شعرية حماسية كبرى، لا مثيل لها طوال تاريخ الشعر الفارسي، لا سيما في العصر الحديث. فلو كنا نسمع في الشعر القديم بعض الالحان الحماسية من شعراء مثل جلال الدين الرومي، غير ان الثورة الاسلامية وفرت المناخ الملائم جدا  لظهور شعراء حماسيين ودواوين شعر حماسي. فأخذ هؤلاء الشعراء الملتزمون يؤججون المشاعر، ويستنهضون  الهمم، ويحركون الضمائر، ويفجرون الثورة في نفوس الجماهير من أجل الثبات على القيم، والدفاع عن الاهداف التي رسمتها الثورة الاسلامية، والالتفاف المستمر حول قيادة الثورة الرشيدة. ورغم ما اتصف به الشعر الحماسي من حماسة تقتضيها طبيعته الا انه كان مفعما ايضا برقة الكلمة، وعذوبة الايقاع، وعاطفة المضمون.   مفهوم الشهادة   ومن المفردات التي أدخلتها الثورة الاسلامية الى قاموس الشعر، هي مفردة »الشهادة«، فقد انتصرت الثورة الاسلامية بالشهادة وقطفت ثمرة النصر على أكتاف الشهداء، وانطلقت لتحقيق اهدافها الالهية على ظهر بارجة الشهادة. ولذلك كان للشهادة موقع مهم في دواوين شعراء الثورة الاسلامية، فانطلق جيل الشعراء الجدد للتغني بهذه الكلمة المقدسة والترنم بأنشودة الشهادة، والتغزل بالشهيد، هذا الموجود المقدس الذي أراق دمه في محراب الفداء من اجل ان يبقى الاسلام صوتا مدويا في سماء الكون.. الشهادة في الواقع، كانت ولازالت من أعظم قيم الثورة الاسلامية، ومن المفاهيم التي زرعتها في قلوب الجماهير وأفئدتهم، لانها تمثل وقود الثورة ورصيدها الذي يضمن لها الاستمرار والديمومة. فاصبح الشهيد رمزا للعزة والكرامة والمجد. تحدث الشاعر قيصر امين بور عن الشهيد قائلا: أعطى هذا الاخضر بسخاء كل ما لديه للشمس عدا ذلك الثوب الاخضر وصورة ذلك الكلام الالهي لان زاد طريق الشهيد ليس سوى ثوب وكلام وصورة للامام وتخاطب الشاعرة طاهرة صفار زادة الشهيد قائلة: في اكثر انواع الهجران عشقا كانت عروقنا تنتفخ من الجذور تمتد اليك الى الارض وليس هذا جاذبية أرضية فأنت في آخر الامر اتصال بالغيب وفي نهاية المطاف حنان يعايشنا انت الذي أمسكت بايدينا وسحبتها اليك وعبر الشاعر نصرالله مرواني عن رمز خلود الشهيد قائلا: أبيها الشهيد المتلون كفنه بدمه صدرك خندق ايمان تزين بالدم لا يمحى احمرار دمك من التراب قلبك مرآة الناظر في حقائق الامور اتصلت بالله في آفاق الشهادة وهذا هو رمز الخلود   الشهيد صانع الانتصار   والحقيقة هي ان الشهيد يرمز الى الفكر الاسلامي النقي، والى القيم الاسلامية الناصعة، ويعبر عن اتجاه الامة نحو الدين بعد ان كان النظام الطاغوتي يحاول بمختلف الوسائل والسبل، جرها الى كل ما ليس له صلة بدينها وعقيدتها، هذا  الدين الذي وجدت فيه كرامتها وحياتها ومستقبلها. وطالما تحدث شعراء الثورة الاسلامية عن الدور الذي لعبه الشهداء في تحطيم الاغلال الطاغوتية والاصفاد الفرعونية وتحرير العقول والارواح والاجسام من كل ما يعيق انطلاقها نحو غد مشرق جميل. يقول الشاعر حسين الاسرافيلي: أطل الصبح وحطم قلعة الليل شهاب سيف الابطال تحررت أقدام المحكوم عليهم بالاعدام من السلاسل وتحطم الليل عند هجوم غضب الابطال كان شعاع السحر يحمل علامة من كربلاء كانت رائحة السحر، رائحة التحرير رائحة دم الشهداء أطل الصبح وأنشرت الغابة لحنا أخضر وبدأ ينهمر المطر في الحقل ويرتفع صوت القرآن في الازقة وضمن هذا الاطار يتحدث الشاعر علي المعلم عن فترة ما قبل الاستشهاد والانتصار، عن تلك الايام التي كان يجثم فيها الطاغوت على صور الامة، قبل ان يكتسح إعصار الشهادة قصور الطغاة: كان معيارنا في العلم عبادة التخريب وكانت عبادتنا، عبادة ايران! لقد ابتزوا كوروش ودارا المسكين فأبقوا لنا مأساتنا واخذوا التخت والتاج أدهشونا بكأس العبث واحتسوا على مائدتنا دماءنا أطفأوا مصباح العرفان وأسدلوا ستار النسيان على الايمان لم يبق من الشعب الا الظل كنا في بيتنا، لكننا لم نكن

+درج شده توسط مترجم عربی - دکتر مهدي شاهرخ در یکشنبه ۲ اسفند ۱۳۸۸و ساعت 21:30|