« تطور الاساليب النثريه في الادب الفارسي »
عبدالرحمن العلوي
يعود تاريخ النثر المكتوب في ايران الي زمن موغل في القدم. و تؤكد حركه الترجمه لكثير من الآثار العلميه و الفلسفيه الي اللغه البهلويه، أن النثر في ايران قد اجتاز مراحل كبيره من التطور. كان معروفاً لدي الادباء و البلغاء العرب ما كان للمتكلمين بالفارسيه من بلاغه و جزاله بيان و حكمه. و قد اعترف بهذه الحقيقه حتي المتعصبين من الكتاب العرب القدامي. فالجاحظ مثلاً يقول في البيان و التبيين (ج 2، ص 5): «و قد علمنا ان اخطب الناس الفرس، و اخطب الفرس اهل فارس، و اعذبهم كلاماً و اسهلهم مخرجاً و احسنهم ولاءً و اشدهم فيه تمكناً اهل مرو، و افصحهم بالفارسيه الدريه (الحديثه) و باللغه الفهلويه (القديمه) اهل قصبه الاهواز … و من احب ان يبلغ في صناعه البلاغه و يعرف الغريب و يتبحرّ في اللغه فليقرأ كتاب «كاروند»، و من احتاج الي العقل و الادب و العلم بالمراتب و العبر و المثلات و الالفاظ الكريمه و المعاني الشريفه فلينظر الي «سير الملوك». كما نراه يقول في موضوع آخر من الكتاب (ص 12): «انا لا نعرف الخطب الا للعرب و الفرس». و ينقل عن ايراني متبحر في اللغه و البلاغه جواباً علي سؤال عن معني البلاغه جاء فيه: «معرفه الفصل من الوصل». و هو ما يعبّر البون الشاسع الذي قطعوه علي صعيد البلاغه. كما اشار الجاحظ بشكل صريح (ص 13) الي انّ «في الفرس خطباء الا ان كل كلام للفرس و كل معني للعجم فانما هو عن طول فكره، و عن اجتهاد و قلوه، و عن مشاوره و معاونه». و أقرّ كثير من نقّاد الادب العربي المعاصرين بحقيقه تطور النثر الفارسي و مدي تأثيره علي الادب العربي و النثر في البلاد العربيه. فنجد الاستاذ محمد غنيمي هلال يشير في كتابه «الادب المقارن» (ص 246) الي هذه الحقيقه قائلاً: «و منذ القرن الثاني الهجري ترجمت الي العربيه كتب كثيره من التاريخ الايراني اثّرت ايما تأثير في جنس التاريخ الادبي عند العرب. و كان الايرانيون يعتمدون علي الكتابه لا علي الروايه الشفويه، و كانوا ينقلون عن وثائق مدونه. و كانت كتبهم التاريخيه متتابعه القصص غير مقطوعه باسانيد الروايه. و قد سار علي طريقتهم كثير ممن الفوا من التاريخ باللغه العربيه كالبلاذري و المسعودي و الدينوري». النثر الفارسي قبل الاسلام لقد اولي قدماء مؤرخي الفارسيه اهتمامهم للشعر، و انبروا لترجمه الشعراء، و ان كان ذلك الاهتمام لا يقوم علي اسس صحيحه و لا يعتمد اسلوباً منهجياً في التعامل مع الشاعر و آثاره الشعريه، بل ينصب غالبا علي نقل الروايات و الاخبار ذات الصله بالشاعر من هنا و هناك دون تمحيص و تروّ، فيما لم يولوا اهميه للنثر و لكتابه و لو علي سبيل الايجاز. و ينطبق هذا الامر علي الادب العربي ايضا، فقلما استعان الكتاب و المؤرخون العرب القدامي في نقد الكلام و تحقيقه بشواهد و ادله من الكلام المنثور …و لهذا كثرت الكتب العربيه آنذاك في نقد الشعر بينما لا نجد الاّ نزراً يسيراً من الكتب في نقد النثر العربي. و ربما كان وراء التعامل الذي مارسه يقطعه النثر، و لتأثيره الكبير علي الروح و الوجدان و العاطفه، ذلك التأثير الذي يعجز عنه النثر في كثير من الاحيان. و ربما ايضاً انطلاقاً من فهم سائد في ذلك العصر مفاده ان الشعر يكشف عن جمال الاسلوب و روعه التعبير لما فيه من خيال و صور ادبيه مستوحاه من العالم الشعري الذي يختلف تماماً عن عالم الكتابه النثريه الذي لا يحرج عن اطار العالم المحسوس، فضلاً عن انّ النثر ليس الا وسيله لبيان المعاني و المفاهيم. و يعود تاريخ النثر المكتوب في ايران الي زمن موغل في القدم. و تؤكد حركه الترجمه لكثير من الآثار العلميه و الفلسفيه و القصص من مختلف اللغات ـ سيما اليونانيه و الهنديه ـ الي اللغه البهلويه انّ النثر في ايران بهذه اللغه قد اجتاز مرحله كبيره من التطور. و قد كشفت عن ذلك التطور و الحركه الادبيه الآثار الكبيره المترجمه الي اللغه العربيه و التي قامت بها ـ في الغالب ـ سواعد الادباء العرب من اصل فارسي. ولم يصل الي ايدينا ـ و للأسف ـ من الآثار النثريه المكتوبه باللغه الفارسيه القديمه (البهلويه) الا النزر اليسير، و الذي تميّز النثر فيها بالبساطه و الارسال و وضوح الالفاظ، كما امتازت الجمل بايجاز مشفوع بالتكرار. و في المقاطع المنثوره من الكتاب المقدس لدي الزرادشتيه و المعروف بـ«الافستا»، يلاحظ تناسب الالفاظ و انسجامها، و خلو العبارات من الحشو و الكلام الزائد، و الايجاز في الكشف عن المعني، و الاتّساق في ربط الجمل. و الآثار القليله التي وصلتنا من النثر البهلوي، اغلبها في الشؤون الدينيه و الاخلاقيه و احياناً الملحميه و التاريخيه. و يمكن مشاهده بعض النماذج ذات الاسلوب الذي ينزع نحو النثر الفني و يخرج بعض الشيء عن حاله الارسال. و يؤكد كريستن سان في كتابه «ايران في العصر الساساني» ان الايرانيين كانوا يهتمون منذ القدم بتزيين ظواهر الكلام، و يستخدمون الاسلوب الفني و البديع في الرسائل و الكتب الديوانيه و غير الديوانيه .. فتبدو تلك الكتب علي شكل قطع ادبيه غايه في الجمال و الروعه. و كانوا يهتمون في الكتابه بالتناسب بين المتكلم و المخاطب و بين الكاتب و المكتوب اليه. و تبدو جلياً النزعه نحو الصناعه اللفظيه و البديع و التزويق اللفظي في الرسائل و الكتب المتبدله بين عمال الدوله و الاباطره الساسانيين، و بين هؤلاء الاباطره و ملوك البلدان المجاوره، و كذلك في الكتب الادبيه و خطب الملوك التي يلقونها عاده عند اعتلاء العرش. و من ميزات النثر البهلوي ايضاً الايجاز عند اقتضاء و الاطناب عند تعين الحاجه الي الاطناب، متبعين في ذلك مجموعه من القواعد المتعارف عليها. و هناك ادله اوردتها الكتب التاريخيه تؤكد علي وجود تلك القواعد منها ما نقله ابن قتيبه في عيون الاخبار (ج 1 ص 45) و ادب الكاتب (ص 16)، و ابن عبد ربه في العقد الفريد (ج 1 ص 284) و النويري في نهايه الارب (ج 7 ص 11) من انّ خسرو برويز قد وضع عده وصايا للكاتب الذي يريد لكتابته ان تكون صحيحه و فنيه جاء فيها: «اذا فكرّت فلا تعجل و اذا كتبت فلا تستعن بالفضول فانها علاوه علي الكفايه، و لا تقصرنّ عن التحقيق فانها هجنه في المقاله، و لا تكبسن كلاماً بكلام، و لا تباعدنّ معني عن معني، و اجمع الكثير مما تريد في القليل مما تقول .. اكرم كتابك عن ثلاث: خضوع يستخفّه، و انتشار يثبّجه، و معان تقعد به. و ليكن بسطه كتابك علي السوقه كبسطه ملك الملوك علي الملوك. و لا يكن ما تملك و ما تقول صغيراً. و اعلم انّ كلام الكاتب علي مقدار الملك، فاجعله عالياً كعلوه و فائقاً كفوته، و اعلم ان جماع الكلام كله خصال اربع: سؤالك الشيء و سؤالك عن الشيء. امرك بالشيء، و خبرك عن الشيء. فهذه الخلال دعائم المقالات ان التمس لها خامس لم يوجد، و ان نقص منها رابع لم يتم». و اورد محمد بن عبدوس الجهشياري (ت 942 م) في كتاب «الوزراء و الكتاب» عن اي ملوك ايران كانوا يوصون كتابهم: لا تحملكم الرغبه في تحقيقي الكلام علي حذف معاينه و ترك ترتيبه و الابلاغ فيه و توهين حججه»، و هذا عين التعريف الذي عرّف به علماء البلاغه العرب الايجاز بعد الاسلام. و نقل محمد بن عبدالملك الثعالبي (350 ـ 429 هـ) في كتبه الثلاثه المعروفه: «الاعجاز و الايجاز» و «التمثيل و المحاضره» و «احاسن كلم النبي و الصحابه و التابعين» نماذج كثيره من كلمات القصار و الامثله و الحكم و التوقيعات لملوك ايران منذ فريدون و حتي يزدجر آخر ملك ساساني. و اورد ابوالحمد الحسن بن عبدالله العكسري في رسالته التفضيل بين بلاغي العرب و العجم» ان التوقيعات في كلام علماء العجم و وزرائهم اكثر من ان تعدّ كما اورد عن ابن دريد انّ في ديوان صالح بن عبدالقدوس الف مثل للعجم و الف مثل للعرب. لنثر الفارسي بعد الاسلام ليس هناك تاريخ دقيقي لبدء ظهور النثر باللغه الفارسيه الحديثه (الدريه)، غير ان اقدم النماذج المتوفره من هذا النثر تعود الي العصر الساماني (261 ـ 390 هـ / 874 ـ 999 م). و اقدم كتاب وصلنا بهذه اللغه كان في تفسير القرآن الكريم للمتكلم المعتزلي الشهير ابي علي الجبائي (235 ـ 303 هـ) كما تعد رساله الحكيم ابي القاسم السمرقندي (ت 343 هـ) في عقائد الحنفيه من اقدم الرسائل المكتوبه بهذه اللغه. و هناك كتب اخري وصلت الي ايدينا تقع في صدر الآثار الاولي المكتوبه باللغه الفارسيه الحديثه في العهد الاسلامي و منها مقدمه شاهنامه ابي منصوري و هي ما تبقي من الشاهنامه التي الفها ابو منصور محمد بن عبد الرزاق في 346 هـ و «تاريخ البلعمي» و هو الترجمه الفارسيه لـ«تاريخ الرسل و الملوك» لمحمد بن جرير الطبري، و كتاب «حدود العالم من المشرق الي المغرب» لمؤلف مجهول، و «الابنيه عن حقائق الادويه» لعلي الهروي، و «دانشنامه علائي» و «رگ شناسي» لابن سينا، و الترجمه الفارسيه لكتاب «التفهيم» لابي الريحان البيروني، و الكتب الثلاثه لناصر خسرو العلوي و هي: سفرنامه، و زاد المسافرين، و وجه دين. و لابد ان نؤكد هنا ان هذه الآثار لا يمكن ان تكون بدايات الكتابات بالفارسيه الجديده. فلا يعقل ان لا تكون لها اي آثار خلال ثلاثه قرون، و ليس من المنطقي ان تكون هذه الآثار قد ظهرت فجأه و بلا مقدمه في نهايه القرن الثالث الهجري، سيما و هي آثار ناضجه و ذات اسلوب نثري متطور ينبيء عن انها لا يمكن ان تكون قد بدأت من الصفر، و انما هي محصله مرحله ليست بالقصيره من التطور علي صعيد اللغه و الماده النثريه. و هنا لابد لنا من ان نؤشّر علي نقطه مهمه. و هي ان الامراء السامانيين لم يقتصروا علي تشجيع اللغه الفارسيه و احتضان ادبائها. فالعلاقه القائمه آنذاك بين بخاري و بغداد، و ارتباط البلاط الساماني بفقهاء العراق و خراسان، كانا يفرضان علي هؤلاء الامراء الاهتمام بلغه القرآن و الحديث الي جانب الاهتمام بالفارسيه. و لهذا يمكن ان نقول ان اللغه العربيه قد حظيت بنفس التشجيع الذي حظيت به الفارسيه في العصر الساماني، بل وفاقتها في بعض المجالات كالفقه و الحديث و الكلام، و ليس كما يدعي البعض من انّ امراء بخاري و سمرقند قد اهملوا اللغه العربيه و عملوا علي اضعافها و عدم افساح المجال لها. و من جمله الاسباب التي ادت الي تطور النثر الفارسي في هذه الفتره ايضا كثره المصنفات العربيه في علوم البلاغه و البيان و البديع، و انتشار الآثار العربيه المنثوره و المنظومه باساليبها المتنوعه، فضلاً عن التأثر باسلوب القرآن الكريم الذي كان مصدر البلاغه العربيه و من ثم الفارسيه. و قد ادت هذه العوامل بمجملها الي احداث ثغره في السد القائم بين اللغتين الفارسيه و العربيه و فسح المجال امام ادباء الفارسيه و العربيه و فسح المجال امام ادباء الفارسيه ـ لا سيما في الفتره اللاحقه ـ للاقتباس من العربيه و استعمال مفرداتها و مصطلحاتها. و كان النثر خلال العهد الساماني بسيطاً سلساً خالياً من التكلف و الصناعه اللفظيه و التعقيدات المعنويه. و كان وسيله فقط لبيان المقصود، و ليس للتباهي او التفاخر او اظهار الكفاءه الادبيه من خلال تعقيد الكلام. و يعد العهد السلجوقي و ما تلاه عهد تألّق اللغه الفارسيه و الادب الفارسي، فقد ظهر كتاب و شعراء كبار و خرجت الي الوجود آثار قيمه في العرفان و الادب و العلوم و التاريخ. و ادي تأسيس المدارس النظاميه في هذه المرحله في بغداد و بلخ و نيشابور بأمر الوزير السلجوقي الخواجه نظام الملك الطوسي (1018 ـ 1092 م)، و جعل الالمام بالعربيه شرطاً اساسياً من شروط القبول في هذه المدارس، و قوه نفوذ اساتذه و طلبه هذه المدارس، الي بروز اهتمام اكبر بالادب العربي و ظهور ما عرف بـ«ثقافه اهل المدرسه» تلك التي تبلورت في ادب الكتاب و المستوفيين و الوزراء منذ اواسط العهد السلجوقي. و تميزت بنثر فارسي ذي اسلوب عرف بالاسلوب العراقي ـ كما هو الحال في الشعر ـ يقوم علي التلميح الي المعاني و استخدام تعابير و مصطلحات الادب العربي، و التمثّل و الاستشهاد، بالامثال العربيه و الشعر العربي. و قد مثلت هذه الفتره احسن تمثيل الناثر الفارسي الشهر النظامي العروضي (ت 1174) مصنّف «چهار مقاله» اي «المقالات الاربع»، و هي مقالات في الشعراء و المنجمين و الاطباء. و كان يؤكد علي التبحر في اللغه العربيه. و رغم ما ذكرنا من هيمنه الاسلوب العراقي علي شعر و نثر هذه المرحله، لكن ظل النثر في اغلب آثار الاجزاء الشرقيه من ايران ـ مهد اللغه الدريه ـ متميزاً باسلوبه الخاص الذي عرف بالاسلوب الخراساني، و هو نثر مرسل يحكمه عدد من القواعد و يولي اهميه للمعاني قبل الالفاظ. و خلال الغزو المغولي لايران عام 616 هـ (1219 م) و الذي حمل معه الدمار و الخراب و ألحق افدح الاضرار بالبلاد علي شتي الاصعده بما فيها الصعيد العلمي و الادبي، قتل عدد كبير من العلماء و الادباء. و رغم ذلك فان الادب ليس بناء من الزجاج كي يتحطم دفعه واحده، بل ظل شامخاً يتألق رغم كل ما فعله المغول نظراً لمدي ما وصل اليه من قوه و لجذوره الممتده في الاعماق. ليس هذا فحسب، بل يد النقاد و اللغويون ان آثار القرنين السابع و الثامن الهجريين من اعظم الآثار الادبيه في اللغه الفارسيه و التي حظيت بشهره عالميه مثل «گلستان» و «بوستان» سعدي الشيرازي، و «مثنوي» جلال الدين الرومي، و ديوان حافظ الشيرازي. و فضلاً عن الشعر، فقد برز علي صعيد النثر في هذه المرحله ادباء و عرفاء كبار كالخواجه نصير الدين الطوسي الذي الف في الحكمه و الرياضيات و الكلام و الادب، و رشيد الدين فضل الله الهمداني مؤلّف «جامع التواريخ» و «المكاتيب» و تسع عشره رساله في الكلام و العرفان، و عطا ملك الجويني صاحب «تاريخ جهانگشاي» في تاريخ المغول، و قطب الدين الشيرازي مؤلف «دره التاج» و «نهايه الادراك»، و نجم الدين الرازي مصنف «مرصاد العباد». و افضل الدين الكاشاني المعروف بـ«بابا افضل» صاحب المؤلفات الكثيره مثل «مدارج الكمال» و «ره انجام نامه» و «مكتوبات». و شهدت نهايه العهد المغولي هبوطاً في مستوي النثر الفارسي بتأثير الضربات الموجعه التي وجهها المغول، و انقراض جيل ادباء و كتاب المرحله السابقه، و انحطاط مستوي الدراسه في المدارس التي كانت في السابق مركزاً لتخريج الادباء و الفضلاء. فوقع النثر في ايدي من لاخبره له و لا كفاءه، و دخل الكثير من المفردات المغوليه والتركيه اليه، مما اضفي عليه طابع التعقيد، و صعوبه الفهم، و الحشو الممل، و التكلف في الالفاظ، سيما و انّ الاعمال السياسيه و غيرها كانت تتم خلال هذه الفتره بلغه السيف لا بلغه القلم، و لم تكن للديون من مهمه سوي كتابه رسائل التهديد الي العصاه و الخارجين علي طاعه الدوله. و في اعقاب العهد الصفوي نزع بعض الشعراء و الكتاب الي تقليد القدماء في محاوله للخروج من المأزق الذي وصل اليه الادب الفارسي، و اعاده الشعر و النثر الي سابق ما كانا عليه من ازدهار. فقلد ـ علي سبيل المثال ـ ميرزا مهدي خان و عبد الرزاق الدنبلي اسلوب كتابي «تاريخ وصاف» و «تاريخ جهانگشاي»، و قلد قائم مقام فراهاني و نادر ميرزا اسلوب «كليه» و «تاريخ بيهقي». و وجد هؤلاء المقلدون ان الاسلوب الادبي خلال القرنين السادس و السابع هو الاسلوب الافضل و المناسب للعشر و النثر فأوجبوا انتهاج هذا الاسلوب علي الادباء. و قد عرفت هذه الحركه التصحيحيه بـ«العوده». و ظهر في هذه الفتره كتاب نالوا شهره علي الصعيد الادبي كأبي القاسم الفراهاني، و ميرزا تقي خان المعروف بـ«امير كبير» و الشيخ احمد روحي، و امير نظام غروسي، و ميرزا محمد تقي سبهر، و ميرزا ملك خان. و قد اخرج هؤلاء النثر الفارسي من شرانق التعقيدات اللفظيه و المعنويه. غير ان هذا الاتجاه نحو احياء النثر الفارسي قد ازداد قوه في عصر المشروطه (الثوره الدستوريه) (1324 هـ / 1906 م)، مما سجّل تألقاً في النثر الفارسي. و قد ساعد علي ذلك انتشار الصحف و ترجمه الكتب الاجنبيه و توسع المعاهد العلميه و الادبيه. و يمكن ان نقول ان النثر الفارسي قد اكتسب هويه جديده جمعت بين الاصاله و التجدد، ساعد علي بلورتها ذلك التحول السياسي و الفكري و الاجتماعي الذي احدثته الثوره المشروطه. و استمر هذا التطور حتي يومنا هذا، لا سيما بعد الانتصار العظيم الذي حققته الثوره الاسلاميه المباركه علي يد زعيمها الراحل الامام الخميني (قدس سره) و تأسيس نظام اسلامي علي انقاض حكم عميل للاستكبار العالمي. و قد انعكست التحولات الجذريه التي احدثها هذه الثوره علي الادب الفارسي بشطريه النثر و الشعر، فطبعته بملامح اسلاميه واضحه و رسمت له طريقاً يفضي به الي الازدهار بعد ان اتت علي كل الادغال و العواسج التي كانت تعترض تطوره. النثر الفارسي المعاصر لا مثيل له طوال الفترات السابقه، و قد جمعت فيه كافه خصائص الجمال و الروعه و سلاسه الاسلوب و سلامه الذوق و وضوح الهدف. بل يمكن ان نعّد المرحله الراهنه في الادب الفارسي مرحله النثر. و نريد من هذا ان ايران لم تشهد ازدهاراً نثرياً علي سعيدي المضمون و الاسلوب كهذه المرحله بالذات. و ربما وفقنا الله تعالي لتناول النثر الفارسي المعاصر في مقال مستقل. المصادر الفارسيه 1) فن نثر در ادب فارسي د. حسين خطيبي. 2) بر سمند سخن د. نادر وزين پور. 3) نقش بر آب د. عبدالحسين زرين كوب. 4) هفتاد سخن د. برويز ناتل خانلري.