ابزار وبمستر

« تكرار معجزه الفردوسي  سعدي الشاعر و الناثر الذي احيا الفارسيه »

  « تكرار معجزه الفردوسي سعدي الشاعر و الناثر الذي احيا الفارسيه »

عبد الرحمن العلوي 

   فيما كان سعدي في شيراز منهمكا في تاليف ديوانيه «غلستان» و «بوستان»، ‌ترامي الي اذنيه الغزو المغولي لبغداد،‌ عاصمه الدوله العباسيه آنذاك. و صعق سعدي مثل باقي المسلمين لذلك الخبر، و تاثر الي درجه كبيره سيما و قد عاش احلي سني عمره في هذه المدينه الجميله، و قطف من رياض علمها ازهار المعرفه و الحكمه و الادب. و اثارت تلك الحادثه الرهيبه التي هزت العالم الاسلامي قريحه سعدي الشعريه، فانشد قصيده طويله بالعربيه منها الابيات التاليه: حبست بجفني المدامع لا تجري      فلما طغي الماء استطال علي السكر نسيــم صبا بغـداد بعـد خرابها     تمنيت لو كانت تمــر عـلي قبري      لا تدين اللغه الفارسيه بعد الفردوسي لاحد كما تدين لسعدي، فهو استاذ هذه اللغه و نموذج البساطه و الايجاز و الفصاحه فيها. و اذا كان قد اطلق عليه لقب «افصح المتكلمين»، فذلك يعود الي تفننه في الكلام، ‌و فصاحته اللغويه التي فاقت اي فصاحه اخري،‌ و الي ما لعبه من دور علي صعيد احياء‌اللغه الفارسيه و اعاده الحيويه اليها بعد فتره مظلمه عاشتها متخبطه في ظل التكرار الممل، و التقليد المشين، و التعابير الهابطه علي يد شعراء‌ و كتاب حرفيين في التقليد.      و كان القدماء يطلقون علي الشعراء من الالقاب و العناوين بما يتناسب و مكانتهم الشعريه و ابداعاتهم علي صعيد الشعر و اللغه. و لهذا ليس غريبا ان تنسب فصاحه الكلام الي سعدي بعد ان نفخ في لغه الادب و الشعر الحياه و قدمها في صوره جميله رائه اخذت تجتذب الناس و تسحرهم علي شتي مستوياتهم، كما ليس غريبا ايضا ان يلقب الشاعر حافظ ب«لسان الغيب» و جامي ب«خاتم الشعراء»، و الفردوسي ب«الحكيم».      و اذا ما تجاوزنا هذا اللقلب الذي اضفاه الناقدون علي سعدي في ايام حياته، فان اي شيء آخر عن سعدي غير واضح تماما، و هناك ضباب كثيف و تناقضات عجيبه تلف حياته، بما فيها اسمه و كنيته و لقبه.      و رغم هذا فقد اعتمدت المصادر المتاخره آخر المطاف علي روايه ابن الفوطي الذي عاصر سعدي و كاتبه، حيث اورد ان اسمه مصلح الدين، و كنيته ابو محمد، ‌و لقبه مشرف الدين او شرف الدين،‌ و تخلصه سعدي.      و هناك اختلاف كبير ايضا في تاريخ ولادته،‌ فمنهم من يقول انه ولد في عام 606 ه، و منهم من يعتقد انه ولد في عام 585 ه، فضلا عن وجود تكهنات عديده اخري علي هذا الصعيد. و لا تتوفر شواهد و ادله معتبره تدلل علي العام الذي ولد فيه هذا الشاعر الكبير،‌ و كل ما هو موجود من الادله التي يطرحها المخمنون لا يتجاوز مجموعه من الحكايات و الاساطير التي لا يمكن الاعتماد عليها.      و يعتمد القائلون بانه ولد عام 606 ه علي ما يستنبطون من بعض ابياته الشعريه. كما ان القائلين بولادته قبل عام 600 ه يستندون في ذلك علي احدي القصص الوارده في الباب الخامس من ديوان سعدي المسمي «غلستان» او مزرعه الورد.      كما يقول آخرون ان سعدي كان له من العمر 70 سنه عندما الف ديوان ال«بوستان» او البستان، ‌اعتمادا علي بيت شعري له يقول: تعال يا من بلغ عمرك السبعين      فهل ضيعته بنومك      و يضيف هؤلاء: كما كان سعدي قد فرغ من تاليف هذا الكتاب عا 655 ه، فلابد ان يكون قد ولد في حدود عام 585 ه. و كان الباحث محيط الطباطبائي من بين من يقول بهذا الراي.      و الغريب ان اغلب المخمنين لسنه ميلاد سعدي، يعتمدون علي آثاره في تخميناتهم، الا انهم يصلون الي نتائج متفاوته و غير منسجمه.      و الحقيقه ان الشاعر ـ اي شاعر ـ لا يتحدث عن التاريخ و لا يؤرخ الاحداث في شعره،‌ فلربما تفرض عليه الظروف التي يعيشها ان يجد نفسه و كانه ابن السبعين بينما هو اقل من ذلك بكثير،‌ و قد يحدث العكس ايضا.      فالآثار الادبيه ـ و لا سيما الشعريه ـ ليست تقريرا لما يحدث من احداث في حياه الاديب او الظروف التي يمر بها، ‌و انما نجدها في غالب الاحوال انعكاسا لعواطفه و حالاته النفسيه، و تعبيرا عن الخيال اكثر مما هي تعبير عن الحقيقه. ففي الغرب استشف بعض الباحثين من آثار شكسبير،‌ انه سافر الي ايطاليا، و كان حقوقيا و جنديا و معلما و فلاحا! و رد عليهم منتقد آخر يدعي «الن تيري» قائلا: و يمكن ان نستشف من بعض آثاره انه كان امراه ايضا!      كما توصلت باحثه مهتمه بدراسه حياه الشاعر الانجليزي جيمز تامسون الي انه كان عاشقا و سباحا ماهرا و قنوعا للغايه، و ذلك اعتمادا علي آثار ايضا. لكن تبين فيما بعد ان تامسون لم يعرف الحب طوال حياته و لم يدخل الي الماء‌ البارد، ‌و كان شديد الاسراف و التبذير.      نريد من كل هذا ان نقول لا يمكن ان نستنبط من آثار سعدي ترجمه حقيقيه لحياته،‌ حتي في تلك الحالات التي تسمح بها صراحه التعبير. فكلمات سعدي توحي بانه الف ال«غلستان» خلاق اقل من ثلاثه اشهر، لكن هل يمكن ان تكون هذه هي الحقيقه؟‌ و هل بامكاننا ان نجزم علي هذا الاساس بذلك. ثم الا يمكن ان يكون قد كتب الكثير من تلك القصص و الحكايات خلال مراحل مختلفه،‌ ثم رتبها و نظمها خلال الاشهر الثلالثه التي اشار اليها. ثم ان اسماء الاماكن و المدن التي اوردها في هذا الكتاب،‌ الا يمكن ان يكون قد اوردها من باب شهرتها لا لانه سافر اليها كما توحي قصصه بذلك.      و السبب في كل تلك الغفله التي احاطت بسعدي، و عدم تصنيف كتب مهمه حوله من قبل قدماء‌ الباحثين و المؤرخين، يعود براي الكثير من النقاد الي اللغه الشريعه التي تميز بها. فقد كانت لغته من النوع السهل الممتنع،‌ و ادت هذه اللغه السهله الي تجاهله، لان القدماء‌ كانوا يولون اهميه للكلام المعقد الذي لا يفهم بسهوله، و كان حل الرموز و الاحاجي آنذاك نوعا من الفن و العبقريه. فاذا كان الشاعران الانوري و الخاقاني ـ علي سبيل المثال ـ قد حظيا بكل ذلك الاهتمام،‌ فلان الباحثين كان بامكانهم ان يكتبوا شروحا علي ديوان الانوري،‌ و يصنقوا التصانيف في حل معضلات اشعار الخاقاني!      و كذلك الامر بالنسبه للشاعر جلال الدين الرومي المعروف بالمولوي، فقد تميز الجزء الاعظم من شعره بالبساطه و السلاسه،‌ الا ان اغلب المهتمين بشعره تجاهلوا هذه الشعر رغم روعته و عذوبته، وركزوا اهتمامهم علي بعض ابياته المعقده العويصه حتي و ان كانت ضعيفه، فراحوا يدرسونها و يشرحونها و يقلبونها ذات اليمين و ذات الشمال.   تبلور شخصيه الادبيه      تشير الادله التاريخيه ان ايران لم تمر بمرحله اسوا من المرحله التي كان يعيش فيها سعدي. فقد عاش سعدي في ايام الغزو المغولي لايران، و شهد عن كثب ما كان يرتكبه هؤلاء من اعمال قتل و مجارز و تخريب للمدن و احراق للبوت و المكتبات،‌ و اشاعه الرعب و الهلع بين الناس.      امضي سعدي طفولته و صباه في ايام الاتابك سعد بن زنكي، و كان حاكما علي فارس حتي نهايه عمره، اي حتي عام 623 ه. و سافر سعدي قبل وفاته الي بغداد طلبا للعلم نظرا لما كانت تتمتع به من مكانه علميه و ما يقيم فيها من علماء و مفكرين كبار. و دخل الي المدرسه النظاميه ببغداد التي كانت جامعتها العلميه و الفكريه، فتبلورت شخصيته فيها علي كافه الاصعده بما فيها الصعيد الادبي و لا سيما الشعري.      و النظاميه كما هو معروف تنسب الي الخواجه نظام الملك الطوسي، الذي كان وزيرا للامبراطوريه السلجوقيه مده 30 عاما. و قام هذا الوزير بانشاء 12 مدرسه في 12 مدينه كبيره في العالم الاسلامي اطلق اسم «المدرسه النظاميه» علي كل منها. و كانت كل مدرسه بمثابه جامعه لتدريس العلوم العليا. و كانت مدرسه بغداد النظاميه قد انشئت عام 459 ه، اي قبل قرن و نصف من قدوم سعدي الي بغداد. و كانت هذه المدارس مفتوحه للطلبه ليل نهار، و تتحمل الدوله كافه نفقاتها، بما فيها نفقات الطلبه، حتي قيل ان نظام الملك قد خصص عشر ميزانيه الحكومه لهذه المدارس.         و كان يدرس فيها بشكل عام الصرف، و النحو، و القرآن، و الفقه، و الحديث، و الاصول،  فضلا عن الطب و الفلسفه و النجوم. كما كان يطلق عليها ايضا اسم «دار الحديث» و «دار الفقه».   تاثره بالغزالي      و اذا اردنا ان نحدد مسلك سعدي من خلال آثاره، لوجدناه اقرب الي حجه الاسلام ابي حامد الغزالي (450 ـ 505 ه)، رغم بعض القضايا الاساسيه التي كان يختلف فيها معه. فقد كان يري ان المدرسه و التدريس و تعليم الآخرين افضل من الجلوس في «الخانقاه» او الصومعه،‌ و الانشغال بتهذيب النفس فقط دون الاهتمام بالآخرين. و كان الغزالي هو الآخر علي هذا الراي ايضا طيله وجوده كاستاذ في المدرسه النظاميه، الا انه و بعد اربع سنوات من التدريس انصرف فجاه عن هذا الاسلوب، و انزوي مده عشره اعوام نازعا نحو التصوف و العرفان و التريض، ‌الا انه عاد ثانيه الي اسلوبه الاول، ‌و هو التبليغ و الارشاد.      و الاختلاف الاساسي بين سعدي و الغزالي ـ عدا الفن الشعري الذي امتاز به سعدي ـ عدم وقوع سعدي في شراك السياسه و الجاه و المقام. فيري البعض ان قبول الغزالي التدريس في النظاميه ثم انصرافه عنه ثم عودته اليه، كان متاثرا ببعض الاعتبارات السياسيه، فكان يظهر في الساحه ثم يختفي عنها طبقا لما تمليه عليه السياسه.      اما سعدي فكان بمناي عن تلك التاثيرات السياسيه، فضلا عن انه لم يكن لديه افراط الغزالي في التصوف.      و لم تكن افكار الغزالي هي المؤثر الوحيد علي بلوره الخطوط العريضه للنهج الفكري و السلوكي لسعدي، ‌بل تضاف اليها مجاورته في «خانقاه» الشيخ ابي عبدالله بن خفيف، ‌و ذلك عند عودته من بغداد الي شيراز، حيث تاثر بافكار هذا الشيخ و نزعته الصوفيه، رغم ان هناك من يرفض تاثر سعدي به.      علي اي حال فان سعدي لم يقتصر في دراسته علي ما كان يتلقاه من دروس و محاضرات في المدرسه النظاميه، و انما كان يحضر حلقات بعض الاساتذه و الشيوخ خارج هذه المدرسه،‌ مثل الاشيخ شهاب الدين ابي حفص السهروردي،‌ العارف الشهير و صاحب «عوارف المعارف»، و الذي عبر عنه سعدي بالمرشد في اشعاره.      كما اشار سعدي الي شخص آخر يدعي ابا الفرج ابن الجوزي،‌ و يحتمل ان يكون احد اساتذته ايضا.      و بعد ان انهي دراسته التي لا يعرف امدها، قيل انه سافر الي عدد من البلدان كالحجاز، و الشام، و لبنان، و بلاد الروم.   رثاؤه لبغداد      و في حوالي عام 655 ه، عاد الي شيراز في عهد الاتابك ابي بكر بن سعد بن زنكي، و الذي انقذ فارس من التدمير علي يد المغول، بعد قبوله بدفع خراج سنوي لهم قدره 30 الف دينار.      و في هذا الزمن بالذات تبلورت الموهبه الشعريه عند سعدي، و ذاع صيته كشاعر معروف و مجدد، و حظي باهتمام الناس و احترام النظام الحاكم في فارس.      و فيما كان سعدي في شيراز منهمكا في تاليف ديوانيه «غلستان» و «بوستان»، ترامي الي اذنيه الغزو المغولي لبغداد، عاصمه الدوله العباسيه آنذاك و احتلالها في الرابع من صفر عام 656 ه، و مقتل الخليفه العباسي المستعصم بالله، و ارتكاب المغول لمجزره رهيبه راح ضحيتها ما يقرب من مليون مسلم من سكان بغداد.      و صعق سعدي مثل باقي المسلمين لذلك الخبر، ‌و تاثر الي درجه كبيره سيما و قد عاش احلي سني عمره في هذه المدينه الجميله، و قطف من رياض علمها ازهار المعرفه و الحكمه و الادب. و اثارت تلك الحادثه الرهيبه التي هزت العالم الاسلامي قريحه سعدي الشعريه، فانشد قصيده طويله بالعربيه منها الابيات التاليه: حبست بجفني المدامح لا تجري      فلما طغي الماء استطال علي السكر نسيم صبا بغداد بعد خرابها      تمنيت لو كانت تمر علي قبري لان هلاك النفس عند اولي النهي      احب له من عيش منقبض الصدر زجرت طبيبا جس نبضي مداويا      اليك فما شكواي من مرض تبري لزمت اصطبارا حيث كنت مفارقا      و هذا فراق لا يعالج بالصبر      الي ان يقول: هنيئا لهم كاس المنيه مترعا      و ما فيه عند الله من عظم الاجر عليهم سلام الله في كل ليله      بمقتل زوراء الي مطلع الفجر كان شياطين القيود تفلتت      فسال علي بغداد عين من القطر اذا شمت الواشي بموتي فقل له      رويدك ما عاش امرؤ ابد الدهر و مالك مفتاح الكنوز جميعها      لدي الموت لم تخرج يداه سوي صفر اذا كان عند الموت لا فرق بيننا      فلا تنظروا للناس بالنظر الشزر      و له قصيده بالفارسيه ايضا يعبر فيها عن مدي حزنه و تاثره للك المصيبه التي المت بالعالم الاسلامي علي يد المغول. كما ينحي فيها بالائمه علي الاتابك ابي بكر بن سعد، لما ابداه من سياسه تساوميه ازاء‌ المغول. و الحقيقه ان ابابكر ـ و حسب روايه جامع التواريخ ـ قد بعث جيشا بقياده ابن اخيه لدعم هولاكو في احتلاله لبغداد، كما ارسل ابنه سعد لتهنئته باحتلالها فيما بعد.

+درج شده توسط مترجم عربی - دکتر مهدي شاهرخ در یکشنبه ۲ اسفند ۱۳۸۸و ساعت 21:32|