ابزار وبمستر

« رباعيات الخيام بين الاصاله و الانتساب »
 « رباعيات الخيام بين الاصاله و الانتساب »

عبدالرحمن العلوي

 

  اشتهر عمر الخيام خارج ايران كشاعر اكثر من اشتهاره كعالم رياضيات و فلك و فيلسوف. في حين كان اهتمامه العلمي يفوق اهتماه الادبي و الشعري بشكل خاص، بل انه كان يلجأ الي الشعر – حسب بعض المصادر – حينما كان يشعر بالارهاق و العناء من شده الانهماك العلمي، فيتخذ منه وسيله للراحه و الهروب من جديه الحياه الي آفاق الخيال و رحاب الكلمه الحلوه و العباره النابضه بالجمال

عمر الخيام النيشابوري، حجه الحق الحكيم ابوالفتح (ابوحفص) عمر بن ابراهيم، فيلسوف و رياضي و منجم و شاعر ايراني في نهايه القرن الخامس الهجري و مطلع القرن السادس، و تعود شهرته الواسعه في العالم الي شعره الرباعي، اي انه اشتهر خارج ايران كشاعر اكثر من اشتهاره كعالم رياضيات و فلك و فيلسوف. في حين كان اهتمامه العلمي يفوق اهتمامه الادبي و الشعري بشكل خاص، بل انه كان يلجأ الي الشعر – حسب بعض المصادر – حينما كان يشعر بالارهاق و العناء من شده الانهماك العلمي. فيتخذ منه وسيله للراحه و الهروب من جديه الحياه الي آفاق الخيال و رحاب الكلمه الحلوه و العباره النابضه بالجمال، و الانفلات من قبضه الهموم اليوميه الي واحده الاسترخاء و احضان العاطفه، و قد خلف هذا العالم الشاعر مؤلفات علميه مهمه مثل: الجبر و المقابله الذي ترجم الي اللغه الانجليزيه عام 1851م، و رساله في شرح ما اشكال من مصادرات كتاب اقليدس، و رساله في الاحتيال لمعرفه مقداري الذهب و الفضه في جسم مركب منهما، و لوازم الامكنه، و غيرها.   الرباعيات في الثقافه الاجنبيه      و يعد عمر الخيام من اشهر شعراء ايران الذين اشتهروا خارج ايران، و ربما وجد الغربيون – بشكل خاص – في تلك الرباعيات التي انشدها هذا الشاعر ما ينسجم مع ذوقهم و عواطفهم، او ربما كان القالب الذي صبت فيه قالباً جديداً يستهوي في شكله و ايقاعه المهتمين بالشعر و النقاد الاوربيين. ففي عام 1859م ترجم الشاعر الانجليزي فيتزجرالد تلك الرباعيات بتصرف، كما ترجمت الي الفرنسيه عام 1867 علي يد القنصل الفرنسي في مدينه رشت الايرانيه، و قد ذاعت في الغرب و حظيت باهتمام الدارسين الغربيين بعد التنقيح الثاني للترجمه الانجليزيه و ذلك في عام 1868.      و ذكر المستشرق الروسي مينورسكي ان اول من تعامل هذه الرباعيات تعامل الناقد المحاكم هو الباحث جوركوفسكي من خلال طرحه لقضيه «الرباعيات التائهه» و ذلك في عام 1897. و هذه القضيه هي في الواقع ليست جديده علي صعيد دراسه الرباعيات الخياميه، اذ سبق ان اشارت اليها مصادر قديمه، الا انها اشاره لم تكن متبلوره، و قد بلوها جوركوفسكي و طرحها ضمن عنوان محدد. و تتلخص هذه القضيه في تشكيكه بصحه (82) رباعياً من رباعيات الخيام، و يقوم تشكيكه هذا علي دليل وجودها في دواوين شعراء آخرين غير الخيام. و في عام 1904 صدر في هايدلبرغ كتاب عنوانه «دراسه رباعيات الخيام» للباحث الدانماركي ارثور كريستن سان، و قد طرح قضيه الرباعيات بشكل آخر، اذ انه اكد علي اصاله (14) رباعياً فقط من رباعيات الخيام، و هذا يعني ان باقي الرباعيات المنسوبه للخيام ليست بالضروره له و قد تكون الشعراء آخرين. و دلل علي اصاله هذه الرباعيات بدليل ان (12) رباعياً منها قد ورد فيها اسم «الخيام» بشكل صريح، في حين ان الرباعيين الآخرين قد ذكر نجم ‌الدين الرزاي في كتابه «مرصاد العباد» انهما من انشاد عمر الخيام. و طرح هذا الباحث المهتم بالشؤون الايرانيه آراء اخري حول هذه الرباعيات تعد بمثابه تطوير لارائه السابقه و خلاصتها ان (121) رباعياً من رباعيات الخيام، هي للخيام و ليست لغيره. و وردت هذه الآراء الجديده في كتاب «دراسات نقديه لرباعيات الخيام» الذي صدر في كوبنهاغن عام 1927.      و ظلت آراء متضاربه حول مدي اصاله رباعيات الخيام، و عدد الرباعيات الاصيله، و الرباعيات المشتركه بينه و بين شعراء آخرين، و الطريقه الصحيحه للوصول الي تمييز الرباعيات الاصيله عن الرباعيات الدخيله او المنسوبه اليه. و في خلال ذروه ذلك التضارب، تم اكتشاف مخطوطه «مؤنس الاحرار في دقائق الاشعار» لمحمد بن بدر الجاجرمي و المدونه عام 741هـ، و قد حملت هذه النسخه بين طياتها (13) رباعياً للخيام و ذلك ضمن فصل مستقل باسمه. مما دفع بالباحثين الي اعتبار هذه الرباعيات الثلاثه عشر رباعيات خياميه اصيله لا يرقي اليها الشك، كما اتخذ باحثون آخرون و من بينهم فردريخ روجن من هذه الرباعيات الجديده و الرباعيين اللذين حملهما كتاب «مرصاد العباد»، رباعيات خياميه اساسيه او «مفتاحيه» يمكن بواسطتها فتح اقفال الرباعيات الاخري المنسوبه للخيام و اكتشاف اصالتها او عدم اصالتها.      و بهذه الدراسات الجديده التي تبلورت في الربع الاول من القرن العشرين، تكون رباعيات الخيام قد دخلت مرحله جديده، راح فيها النزاع يشتد بين جبهتين: جبهه تدافع عن الخيام بتعصب و تحاول ان تنسب كل الرباعيات المسجله باسمه اليه، و جبهه تحاول ان تتعامل من الرباعيات بموضوعيه و لا يهمها في هذا المجال حذف الكثير من الرباعيات المنسوبه اليه او المسجله باسمه اذا كانت هناك ادله موضوعيه قاطعه تشير الي انها من انشاد غيره. و انعكست اصداء الآراء الغربيه علي الاقلام الايرانيه بشكل واضح، و يمكن ان نلاحظ بوادر هذه الاصداء في «تعليقات» محمد القزويني علي «چهار مقاله» للنظامي العروضي السمرقندي، و قد تعدّ هذه التعليقات خلاصه لكتاب «تاريخ الايراني» لادوارد بروان.   بلوره الاصاله      غير ان الكاتب الايراني صادق هدايت (1902 – 1951)، يعد اول باحث ايراني اولي اهتماماً كبيراً لرباعيات الخيام، و ربما اول من وضع اسلوباً جديداً الي حد ما حول دراستها و تدوينها. و لم يكن هدايت يميل في كتاباته الي الخيام فحسب، و انما كان متحمساً و مدافعاً عنه و عن رباعياته بشكل خاص الي درجه لا يمكن ان تخفي علي القاريء ابداً. و كان قد اطلع خلال دراسته في فرنسا علي ما كتبه الباحثون الغربيون حول الخيام و آرائهم في رباعيه، و لهذا كان اكثر تماساً مع هذه الاراء و الدراسات من غيره من الباحثين و الناقدين الذين كانوا يعيشون في ايران. و علي هذا الاساس اندفع في عام 1924 لكتابه مؤلفه البكر حول الخيام و كان عنوانه «مقدمه علي رباعيات، و التي كانت في الواقع خلاصه لاراء ادوارد براون التي وردت في كتاب «تاريخ الادب ايراني» و سائر الدراسات الغربيه علي هذا الصعيد. و يمكن ان نقول انه لم يات بشيء جديد و انما عكس الاراء الغربيه دون ان يشير الي ذلك، كما اورد في كتابه هذا (195) رباعياً مرتباً علي اساس القافيه.      و بعد مرور عشر سنوات علي صدور ذلك الكتاب، اعاد هدايت نشره، لكن بعنوان جديد و محتوي جديد الي حد ما و تغييرات اساسيه. فقد ظهر الكتاب السابق هذه المره باسم «ترانه‌هاي خيام» (اغاني خيام)، و في مقدمه و ثلاثه ابواب: الباب الاول «الخيام الفيلسوف»، و الباب الثاني «الخيام الشاعر»، و الباب الثالث «رباعيات الخيام». حيث اورد هذه المره (143) رباعياً قال انها من شعر الخيام او رباعيات اصيله، موزعه علي ثمانيه عناوين رئيسه.      و اشار هدايت في المقدمه الي ان الرباعيات المشتهره باسم الخيام تربو علي (1200) رباعي، و هي في مجموعها فاقده للانسجام المعنوي و التركيبي. و يري ان هذا الحجم العظيم من الرباعيات المنسوبه للخيام عباره عن كشكول من الآراء المتناقضه و المتضاربه. و لو قدر لاحد ان يعمر مائه عام و يغير في كل يوم دينه و آراءه، لما كان بامكانه ان ياتي بهذا النوع من الاراءه، لما كان بامكانه اني ياتي بهذا النوع من الاراء المتضاربه. كما يعتقد ان هذا الاضطراب يمكن مشاهدته ايضاً حتي في اقدم مجموعه رباعيات منسوبه للخيام اي الرباعيات الموجوده في مكتبه بادليان باوكسفورد و التي تحمل تاريخ 865هـ.      غير ان هدايت كان مصراً علي ان بين هذه الرباعيات، رباعيات اصيله و من شعر الخيام و لابد من الوصول الي طريقه لانتزاعها و تقديمها الي القاريء.. و من اجل ان يقدم صوره اوضح عن الخيام، اقبل علي المصادر الفارسيه و العربيه القديمه التي اشارت اليها دراسات الباحثين الغربيين مثل «چهار مقاله» للنظامي العروضي، و «تتمه صوان الحكمه» لابي الحسن البيهقي، و «خريده القصر» لعماد الدين كاتب، و «مرصاد العباد» لنجم الدين الرازي، و «مؤنس الاحرار» لمحمد بن بدر الجاجرمي.   (الرباعيات المفتاح)      و اختار هدايت 14 رباعياً ورد في «مرصاد العباد» و «مؤنس الاحرار» و اعتبرها رباعيات اصيله او اساسيه. و عزا ذلك الي ان نجم الدين الرازي – مؤلف مرصاد العباد – يعد علي معرفه اكبر بالخيام و افكاره و آثاره لقربه من عصر الخيام. كما ان رباعيات «مؤنس الاحرار» تتميز بالقدم التاريخي و الانسجام مع روح الخيام و فلسفته واسلوب كتابته. و هذه الرباعيات الاربعه عشر لم تدع لدي هدايت اي شك في ان قائلها يتميز بفلسفه مستقله و نمط فكري معين و اسلوب محدد. و بناءً علي هذه القناعه الشخصيه انبري قائلاً: «يمكن ان نقول بثقه ان هذه الرباعيات للشاعر نفسه!»، و علي ضوء هذا الاستنتاج، طرح فكره « الرباعيات المفتاح»، و هي الفكره التي سبق ان طرحها باحثون غربيون، و تبناها و تحمس لها، و التي يمكن علي اساسها – حسب رأيه – تشخيص كافه الرباعيات الاخري بهذه الرباعيات المفتاح: قبول ما ينسجم مع المفتاح و رفض ما لا ينسجم. اي انه باختصار اعتمد علي هذه الرباعيات الاربعه عشر في رفض كل رباعي ذي صبغه صوفيه حتي من خلال كلمه يحتل انها ذات رائحه صوفيه، معتمداً كل الاعتماد في ذلك علي فهمه و ذوقه. و رغم ان هذه الفكره قد طرحت – كما اشرنا – لاول مره من قبل الباحث الالماني روجن، الا ان هدايت لم يشر و هو يقدم هذه الفكره الي روجن ابداً و لم يقل انه اخذها عن احد، بل كان يطرحها و كانه هو صاحب الفكره و العامل بها. رغم ان روجن نفسه لم يكن قد طبق هذه الفكره علي رباعيات الخيام و انما قدمها كفكره مجرده و اقتراح لم يكن يصر عليه.      و حظيت هذه الفكره التي ذاعت علي يد هدايت باستحسان باحثين ايرانيين آخرين مثل محمد علي فروغي، فاندفع للبحث عن مصادر اخري لتعزيزها ذات صراحه اكبر و دلاله اوضح. فعثر علي مجموعه رباعيات جديده تحت عنوان «نزهه المجالس» وردت في مخطوطه مستنسخه عام 1933م اكتشفها هيلموت ريتر عام 1933م. و ضمت هذه المجموعه الجديده (31) رباعياً للخيام. كما عثر في كشكولين مخطوطين في القرن الثامن الهجري علي عدد الرباعيات المنسوبه للخيام. و قد بلغ عدد الرباعيات الجديده و القديمه و المسجله باسم الخيام (66) رباعياً، فاتخذ فروغي منها «مفتاحاً» او «كشافاً» للكشف به عن رباعيات الخيام الاخري من بين الحجم الكبير من الرباعيات المنسوبه اليه و استطاع وفق مفتاحه الجديد ان يكتشف (113) رباعياً، و نشر هذه الرباعيات تحت عنوان «رباعيات الخيام» و ذلك في عام 1941م.      و حذا حذو فروغي باحثون آخرون مثل علي دشتي، و رشيد ياسمي، و محسن فرزانه، و حسن دانشفر، و محمد روشن، و كان هناك معارضون ايضاً لهذا الاسلوب في الانتقاء و الحذف القائم علي المزاجيه و منهم جلال الدين همائي الذي وجه في المقدمه التي كت بها علي «طرب خانه» نقداً لاذعا و قال انه لا ينكر وجود رباعيات لعمر الخيام بين الرباعيات السته و الستين التي اتخذ منها فروغي مفتاحاً، و لكن من المؤكد ان بينها رباعيات لغيره و رباعيات اخري يشك في انتسابها اليه.      و صفوه الكلام انه يمكن عن طريق الرباعيات المفتاح كشف مجموعه من الرباعيات ذات المنحي الخيامي، لكن لا يمكن علي اساسها ان نقطع باصاله هذه الرباعيات و لا يمكن ان نميز بين رباعيات الخيامي، لكن لا يمكن علي اساسها ان نقطع باصاله هذه الرباعيات و لا يمكن ان نميز بين رباعيات الخيام و الرباعيات الشبيهه. و لهذا السبب لا يمكن اعتماد هذا الاسلوب لوحده او بشكل منفصل و لابد من وجود اساليب اخري الي جانب هذه الاسلوب كي تكون النتائج المتمخضه اقرب للواقع. و من هذه الاساليب الاضافيه مراجعه المصادر القديمه المعتبره و استخراج الرباعيات المشابهه التي نسبت بمرور الزمن الي الخيام بسبب الكثير من العوامل و منها تساهل النساخ و عدم دقتهم، و تحديد قائليها الحقيقيين.
+درج شده توسط مترجم عربی - دکتر مهدي شاهرخ در یکشنبه ۲ اسفند ۱۳۸۸و ساعت 21:35|