وحدة
القصیدة فی ( عیار الشعر ) - خلیل الموسى
یتضح لنا، من خلال مراجعتنا لكتاب "عیار الشعر" لابن طباطبا(1)، ومن خلال وقوفنا عند النصوص التی تدل من قریب أو بعید على رأیه فی "وحدة القصیدة"، أن لطبیعة الوحدة التی نادى بها هذا الناقد سمات، أهمها:
1 الوحدة المنطقیة:
تتمیز وحدة القصیدة، عند هذا الناقد الشاعر، بمنطقیة صارمة؛ فعلى القصیدة أن تتسلسل تسلسلاً سببیاً، ویكون المنطق حكماً فیها، فینسق الشاعر أبیاتها ویحكِّم الوعی المنطقی وحده فی ترتیبها، وهو یعول على المعنى فی كل ذلك، ویطبق هذا المعیار على أشطر الأبیات ذاتها، فقد یتطلب منه المعنى أن یغیر شطر بیت بآخر. یقول ابن طباطبا فی ذلك: "وینبغی للشاعر أن یتأمل تألیف شعره، وتنسیق أبیاته، ویقف على حسن تجاورها أو قبحه فیلائم بینها لتنتظم له معانیها، ویتصل كلامه فیها، ولا یجعل بین ما قد ابتدأ وصفه أو بین تمامه فصلاً من حشو لیس من جنس ماهو فیه، فینسى السامع المعنى الذی یسوق القول إلیه، كما أنه یحترز من ذلك فی كل بیت، فلا یباعد كلمة عن أختها ولا یحجز بینها وبین تمامها بحشو یشینها، ویتفقد كل مصراع، هل یشاكل ما قبله؟ فربما اتفق للشاعر بیتان یضع مصراع كل واحد منهما فی موضع الآخر فلا یتنبه على ذلك إلا من دق نظره ولطف فهمه"(2).
ویلاحظ على النص السابق اهتمام ابن طباطبا بالمستمع، وهذا ما دفعه إلى أن یهتم بالقصیدة، ولكن اهتمامه، هنا، ینحصر فی معناها وتتالی أفكارها وانبثاق كل فكرة من سابقتها، وهو، فی كل ذلك، یتفقد الشطور ویرتبها ترتیباً منطقیا أكثر مما هو شعری، وكأن السامع لا یتابع من القصیدة إلا معناها.
ورؤیة هذا الناقد المنطقیة تجعله یمیز أیضاً بین بناء قصیدة وأخرى، ومعیاره فی ذلك العقل وحده؛ فإذا كانت القصیدة محكمة البناء، متقنة، أنیقة الألفاظ، عجیبة التألیف، بحیث إذا نقضت وجعلت نثراً لم تبطل جودة معانیها، ولم تفقد جزالة ألفاظها، خلدت كالقصور المشیدة، والأبنیة الوثیقة الباقیة على مر الدهور، أما إذا كانت القصیدة مهلهلة البناء مموهة بالزخرف اللفظی، تروق الأسماع والأفهام إذا مرت صفحاً، فإذا حُصِّلت وانتقدت بهرجت معانیها، وزیفت ألفاظها، ومجت حلاوتها، ولم یصلح نقضها لبناء یستأنف منه، فإنها كالخیام الموتدة التی تزعزعها الریاح وتوهیها الأمطار، ویسرع إلیها البلى، ویخشى علیها التقوض(3)، واحتكامه للعقل وحده جعله یرى تسلسل المعانی معیاراً رئیسیاً فی بنیة القصیدة، لذلك جعل النثر نموذجاً، على الشعر أن یحتذیه، فخلود الشعر فی معناه، ومعیاره فی ذلك أن یكون المعنى صحیحاً معافى إذا ما نثرت أبیات القصیدة، وبهذا ابتعد ابن طباطبا ببنیة القصیدة عن إحساس المنطق الداخلی الذی قالت به المدرسة الرمزیة SYMBOLISME والذی یحكم العلاقات الداخلیة فی شرایین القصیدة، كما ابتعد بها عن البنیة العضویة والتسلسل العفوی والخیال الخلاق وعناصر التوتر وجنون النبض، وعن اللحظة المشرقة وصفاء الدیباجة التی نجدها عند البحتری وأترابه، وعن جنون العبقریة والتفرد والخصوصیة التی نجدها فی قصائد المتنبی مثلاً.
ولم یكتفِ ابن طباطبا برؤیته المنطقیة وامتثاله الشدید لآراء أرسطو أینما وقعت، وإنما راح یقید الشاعر بقیود لیست من طبیعة الشعر، استقاها من فنون نثریة أخرى كفنّی الخطابة والبلاغة وغیرهما، وهو یرى فی النثر نموذجاً صالحاً لأن یحتذیه الشعراء فی قصائدهم، فإذا قدمنا بیتاً على بیت فی القصیدة دخلها الخلل كما یدخل الرسائل والخطب إذا نقض تألیفها: "فإن الشعر إذا أسس تأسیس فصول الرسائل القائمة بأنفسها، وكلمات الحكمة المستقلة بذاتها، والأمثال السائرة الموسومة باختصارها لم یحسن نظمه، بل یجب أن تكون القصیدة كلها ككلمة واحدة فی اشتباه أولها بآخرها، نسجاً وحسناً وفصاحة وجزالة ألفاظ ودقة معان، وصواب تألیف، ویكون خروج الشاعر من كل معنى یصنعه إلى غیره من المعانی خروجاً لطیفاً.... حتى تخرج القصیدة كأنها مفرغة إفراغاً.... لا تناقض فی معانیها ولا وهی فی مبانیها، ولا تكلف فی نسجها، تقتضی كل كلمة ما بعدها، ویكون ما بعدها متعلقاً بها مفتقراً إلیها".(4).
ویلاحظ أن ابن طباطبا لم یكتفِ بالتشدید على الوحدة المنطقیة من حیث المعنى الذی تتعرض له القصیدة، وإنما یشدد منطقیاً، على وحدة المبنى؛ فعلى القصیدة أن تتمیز ب"وحدة النسج"، وأن تكون ككلمة واحدة فی اشتباه أولها بآخرها نسجاً وحسناً وفصاحة، وهذا ما افتقده القدماء، مثلاً، فی قصائد أبی تمام التی اختلفت بعض أبیاتها مع بعض من حیث جودة النسج. وكان من الممكن لدى بعض النقاد السابقین لابن طباطبا أن یتخذوا بعض قواعد البلاغة الخطابیة مقاییس للشعر، أما ابن طباطبا فقد محا الفروق بین القصیدة والرسالة النثریة فی البناء والتدرج واتصال الأفكار، وهو یرى أن "للشعر فصولاً كفصول الرسائل فیحتاج الشاعر إلى أن یصل كلامه على تصرفه فی فنونه صلة لطیفة فیتخلص من الغزل إلى المدیح، ومن المدیح إلى الشكوى، ومن الشكوى إلى الاستماحة... بلا انفصال للمعنى الثانی عما قبله"(5). ومقطع القول الفصل أن "الشعر رسائل معقودة والرسائل شعر محلول"(6). ویظل ثمة فرق بین القصیدة والرسالة، فقد یجوز فی الرسالة أن یُبنى فیها كل فصل قائماً بنفسه، أما القصیدة فلا یجوز فیها ذلك، بل یجب أن تكون كلها "ككلمة واحدة"، نسجاً وحسناً وفصاحة، وهذا لیس فرقاً بین كل قصیدة وكل رسالة، وإنما هو فرق بین القصیدة ونوع معین من الرسائل التی لا تعتمد وحدة البناء. هذا بالإضافة إلى أن ابن طباطبا قد وضع معیاراً آخر للشعر المحكم المتقن، وذلك أنه إذا نقض بناؤه وجعل نثراً لم تبطل فیه جودة المعنى ولم تفقد جزالة اللفظ.
وهكذا نجد أن لوحدة القصیدة فی "عیار الشعر"، مفهوماً منطقیاً یرتكز على العقل وحده فی القیاس، والعقل، عند ابن طباطبا، الوحید القادر على أن یهب للقصائد الخلود؛ وذلك بشرط أن تتناسب القصیدة فی ذاتها تناسباً یقوم على تجانس عناصرها منطقیاً. ومأخذنا یتلخص فی أن هذا الناقد قد أهمل أولویة التجربة الشعریة وانحاز إلى العقل انحیازاً كلیاً مما جعل القصیدة صناعة خالصة.
2 الوحدة الصناعیة:
وإذا ما كان العقل مشرعاً ماهراً. فإن التشریع یحتاج إلى تنفیذ، ویتطلب التنفیذ الصناعة والإتقان، ولذلك یشترط ابن طباطبا أن تكون القصیدة "كالسبیكة المفرغة، والوشی المنمنم والعقد المنظم، واللباس الرائع فتسابق معانیه ألفاظه، فیلتذ الفهم بحسن معانیه كالتذاذ السمع بمونق لفظه، وتكون قوافیه كالقوالب لمعانیه، وتكون قواعد للبناء یتركب علیها ویعلو فوقها".(7).
ومما لاشك فیه أن صناعة الشعر عند ابن طباطبا هی الصناعة البدائیة، بمعنى أن الصناعة تشمل مراحل القصیدة كلها منذ أن تكون فكرة إلى أن تصبح حقیقة، وهی بذلك تختلف اختلافاً جذریاً عن الصناعة الشعریة التی نعرفها فی المدرسة الرمزیة، وبخاصة عند ادغار آلان بو وبودلیر ومالارمیه؛ فالصناعة، فی هذه المدرسة، مرحلة متأخرة من مراحل تكوین القصیدة؛ فقد كانت القصیدة، عندهم، تبدأ، أولاً، ضمن إحساس مجهول بنغم غریب مجنون یرتاد كیان الشاعر ویهزه، ویبقى هذا النغم مسیطراً على الحالة الشعریة ETAT POETIQUE حتى المراحل المتأخرة منها، وهذا ما حمل مالا رمیه على القول: "لیس بالأفكار تصنع القصائد، یادیغا، وإنما بالكلمات"(8).
أما مرحلة الوعی الصناعیة فهی مرحلة إحساسیة أیضاً، أو هی تقوم على تداعی المنطق الداخلی فی لغة الرمزیین، فقد كان مالارمیه یقتصد الكلمات فیضغطها مما یجعلها تنوء بأثقالها فتتدفق معانی وأنغاماً، وتتفجر هنا وهناك بإشعاعات مركزیة وبأسلوب فرید یطمح إلى رسم أثر الكلمات فی النفوس، ولم یكن همه البحث عن الكلمات النادرة ولا عن الكلمة الجدیدة:"همه الوحید اختصار الكلمات إلى حضورها الدال، بهدف واضح هو"رسم لا الشیء"، لكن الأثر الذی ینتجه. وإذاً لیست قصیدته رسماً لحقیقة ملموسة، ولكنها فن ساحر لمواقد التكثیف والإشعاع فیه حظ راجح"(9). وهذا هو ما فعله ازرا باوند فی قصیدة "الأرض الخراب" لإلیوت(10). أما الشعر عند ابن طباطبا فهو صناعة خالصة، أو هو مادة خارجیة لا علاقة للشاعر بها إلا من قبیل أنه یصنعها؛ فالشاعر: "كالنساج الحاذق الذی یُفوِّف وشیه بأحسن التفویف ویسدّیه وینیّره، ولا یهلهل شیئاً منه فیشینه، وكالنقّاش الرفیق الذی یضع الأصباغ فی أحسن تقاسیم نقشه، ویشبع كل صبغ منها حتى یتضاعف حسنه فی العیان، وكناظم الجوهر الذی یؤلف بین النفیس منها والثمین الرائق ولا یشین عقوده، بأن یفاوت بین جواهرها فی نظمها وتنسیقها"(11). هكذا لا یتعدى مفهوم الشاعر؛ عنده، أكثر من أن یكون نسَّاجاً حاذقاً، أو نقاشاً رفیقاً، أو ناظم جواهر، وهكذا یصبح الشعر صناعة خالصة، أو مادة شبیهة بالمواد الخام فی الصناعات الأخرى، وبخاصة حین یضع تصمیماً لكتابة القصائد، ومخططاً قبل الشروع فی صیاغتها: "فإذا أراد الشاعر بناء قصیدة مخض المعنى الذی یرید بناء الشعر علیه فی فكره نثراً، وأعد له ما یلبسه إیاه من الألفاظ التی تطابقه، والقوافی التی توافقه، والوزن الذی یسلس له القول علیه، فإذا اتفق له بیت یشاكل المعنى الذی یرومه أثبته، وأعمل فكره فی شغل القوافی بما تقتضیه من المعانی على غیر تنسیق للشعر، وترتیب لفنون القول فیه، بل یعلق كل بیت یتفق له نظمه على تفاوت ما بینه وبین ما قبله. فإذا أكملت له المعانی، وكثرت الأبیات وفّق بینها بأبیات تكون نظاماً لها وسلكاً جامعاً لما تشتت منها".(12).
ویلاحظ على هذه الفقرة أن للشعر مواد أولیة، منها المعنى والألفاظ والقوافی والأوزان، وتحضیر المواد مرحلة أولى فی تصمیم ابن طباطبا، أما المرحلة الثانیة فهی إثبات كل بیت على غیر تنسیق بل یسجل دون ترتیب، وتحتاج صناعة الشعر، عنده، إلى مرحلة ثالثة، وهی مرحلة تنسیق الأبیات بحسب المعانی والأغراض. ویلاحظ على هذه المراحل جمیعها إهمالها الإحساس الشعری والعبقریة المتوهجة والمنطق الخیالی الداخلی. ویلاحظ الطیب الشریف على هذا التصمیم الذی یقترحه ابن طباطبا للقصیدة، طابع الوصف الذاتی، ویعنی بذلك، أنه یصف منه منهجه الشخصی الذی یسلكه هو فی نظم الشعر(13). ومن ثم فهو یخلو من أی منهج تحلیلی موضوعی لطبیعة التجربة الإبداعیة، بوصفها جهداً فكریاً مركباً، ینزع إلى تحقیق نوع من الوحدة فی إطار أولی یعیشها الشاعر من الداخل. وتفرغ فیه الصور الملائمة لطبیعة المحتوى ینتظمه ذلك التخطیط الأولی، لأن كل جهد فكری یتضمن عدداً مشاهداً أو مضمراً من الصور التی تتدافع وتتزاحم بغیة الدخول فی تخطیط معین(14).
ویبدو لنا، أخیراً، أن الصورة الصناعیة لا تفارق مخیلة ابن طباطبا فی عمل الشعر؛ فالشاعر تارة كالنساج الحاذق، وتارة كالنقاش الرفیق، وتارة كناظم الجوهر. ثم إن تصور ابن طباطبا الوحدة فی العمل الفنی كالسبیكة المفرغة من جمیع أصناف المعادن، حتى تخرج القصیدة كأنها مفرغة إفراغاً "صنعة خالصة لا تنبعث فیها حركة من نمو ولا تمازجها حیاة عضویة، تلك هی صورة "الوحدة" عند هذا الناقد الذی لا یعرف التأنی العقلی الواعی فی التقدیر والرصف".(15).
یبدو لنا، مما تقدم، اهتمام ابن طباطبا بالصنعة مما أدى إلى إهماله التجربة الشعریة إهمالاً یكاد یكون كاملاً، وكأن تفرد الشاعر عن غیره یتلخص فی توفیر المواد الأولیة، أو ما یسمیه كولردج الخیال الأولی المعرفة الضروریة. علماً بأن الشعر یحتاج إلى الخیال الثانوی الذی یقدر الشاعر بوساطته على صهر المواد الأولیة فی أتون الذات والتجربة عملاً فنیاً موحداً ذا طعم واحد ونكهة واحدة؛ فالشعر تجربة قبل أن یكون أی شیء آخر، وشعرنا العربی القدیم زاخر بالتجربة الحیویة، وإن كان بعضه لا یعدو أن یكون رصفاً لغویاً باهتاً؛ فالقصیدة، مثلاً، عند امرئ القیس، تعبّر عن تجربة كیانیة حارة، سواء أكانت منظومة قبل یوم دمون حیث اللهو والخمرة والمجون أم بعد یوم دمون حیث المغامرة الصعبة والبحث عن الأب من خلال الثأر الذی لا یتحقق، مما أدى بالشاعر إلى أن یبقى جوالاً باحثاً عن أمر لا یراه یتحقق، عن المستحیل. والقصیدة، عند المتنبی، لا تقل تجربة حارة عن تجربة سلفه؛ فهو الشاعر الطموح الذی ما عرف السكون، إنه شاعر البحث عن المستحیل. ونحن، هنا، وإن رفضنا عقد مقارنة بین رؤیة ابن طباطبا النقدیة لبنیة القصیدة، ورؤیة المدرسة الرمزیة لها، مجبرون على أن نقارن بین نقده وما توصلت إلیه القصیدة العربیة حتى عصره، بدءاً من امرئ القیس حتى شباب ا لمتنبی (ابن طباطبا ت 322ه/ المتنبی ت 354ه). مروراً بالشعراء الكبار بشار بن برد وأبی نواس ودعبل بن علی الخزاعی وأبی تمام والبحتری وابن الرومی وغیرهم. وهكذا یبدو لنا أن الشعر بلا تجربة شعر بلا حركة، والحركة نمو وصراع وحیاة، ومن الحركة والنمو والصراع وحدة القصیدة النامیة، وقصیدة غیر عضویة نامیة أقرب إلى أن تكون جثة محنطة منها إلى أی شیء آخر.
3 الوحدة الالتصاقیة (التجاوزیة):
من خصائص وحدة القصیدة، عنده، أنها "التصاقیة"، ونرى أن سبب تلصیق أبیات القصیدة بعضها ببعض یعود إلى المفهوم الشعری عند هذا الناقد الناظم؛ فالشاعر، عنده، لیس بأكثر من ناظم أو هو صانع شعر. وانطلاقاً من هذا المفهوم أهمل ابن طباطبا الإحساس الجمالی لیهتم بالمنطق، وأهمل التجربة الشعریة لیهتم بالنحت والصناعة، ولذلك ظن أن الشعر الخالد یستطیع أن ینتجه كل من توافرت لدیه الأدوات والتصمیم والمهارة. وكنا قد رأینا أن مراحل تكوین القصیدة، عنده، ثلاث؛ مرحلة جمع الأدوات والتصمیم، ومرحلة تألیف بعض الأبیات وتثبیتها، ثم مرحلة ضم الأبیات بعضها إلى بعض.
ویمكننا أن نختصر هذه المراحل الثلاث فی مرحلتین: مرحلة تصنیعیة ومرحلة تلصیقیة (تجاوزیة). وهو، فی المرحلة التصنیعیة، لا ینسق أبیات القصیدة حین النظم، وإنما یصنِّع الأبیات بیتاً فبیتاً، ویحتفظ بكل بیت یتم صنعه، إلى أن تكتمل المعانی التی یریدها، وتنتهی القوافی التی جمعها، وتتراكم إلى جانبه الأبیات. ویبدأ، فی المرحلة الثانیة المرحلة الالتصاقیة التجاوریة بترتیب هذه الأبیات، وتنسیقها، وذلك حین یلصق بعضها ببعض، وهو فی ذلك، ینشد وحدة القصیدة، وإذا ما احتاج، فی مرحلته هذه، إلى بیت لاصق، نظمه حین الطلب، ثم عقد بینها وبین ما قبله وما بعده، فیكون لاصقاً لهذه الأبیات ونظاماً لها، وسلكاً جامعاً لما تشتت منها(16).
هكذا تظل وحدة البیت هدفاً فی المرحلة الأولى وتألیف القصیدة هدفاً فی المرحلة الثانیة، ویبدو لنا أن " تألیف القصیدة"، غیر "وحدة الحیاة"، التی عبّر عنها برغسون (17). وغیر الوحدة التی تحدث عنها أرسطو فی كتابه "فن الشعر"، وغیر الوحدة العضویة النامیة، وحدة الكائن الحی كما نعرفها جمیعاً فی الرومانتیكیة عند كولردج؛ لأن الكائن الحی لا یولد عضواً منفصلاً عن عضو. والكائن الحی لا یولد صناعیاً، سواء أكانت هذه الصناعة یدویة بدائیة أم آلیة متطورة، وإنما من خلال عوامل داخلیة طبیعیة ذاتیة، ویتحرك، فی نموه، داخلیاً تلقائیاً من خلال الحركة التی یؤدیها الكائن الحی فی ذاته.
4 الوحدة التناسبیة أو وحدة التكثر فی القصیدة:
ظلت القصیدة، عند ابن طباطبا، على ما هی علیه فی العصر الجاهلی من تعدد فی الموضوعات. وإذا ما كان هذا التعدد، فی القصیدة الجاهلیة، عفویاً وضروریاً وحقیقة فرضتها التجربة وطبیعة العصر؛ لأن الشاعر الجاهلی كان فی تجاربه یعیش على التعدد(مشهد الأطلال مشهد الرحلة مشهد الناقة....الخ).(18). فإن بقاءه فی القصیدة العباسیة(19)، بخاصة، أمر یحتاج إلى وقفة، وبخاصة إذا أدركنا أن كثیراً من الشعراء العباسیین رفضوا هذا التعدد فی قصائدهم، لأنه لا یتلاءم مع طبیعة عصرهم، فرفضوا بعض أجزاء القصیدة كمشهدی الطلل والناقة وغیرهما(20). وهذا هو ابن طباطبا یتحدث عن ربط هذه الموضوعات بعضها ببعض وكأنه یعتقد أنه، بفعله هذا، یستطیع أن یحصل على وحدة القصیدة، وإذا ما استهدف الشاعر هذه الوحدة، فما علیه إلا أن "یسلك منهاج أصحاب الرسائل فی بلاغاتهم، وتصرفهم فی مكاتباتهم، فإن للشعر فصولاً كفصول الرسائل، فیحتاج الشاعر إلى أن یصل كلامه على تصرفه فی فنونه صلة لطیفة، فیتخلص من الغزل إلى المدیح، ومن المدیح إلى الشكوى، ومن الشكوى إلى الاستماحة، ومن وصف الدیار والآثار إلى وصف الفیافی والنوق، ومن وصف الرعود والبروق إلى وصف الریاض والرواد، ومن وصف الظلمان والأعیار إلى وصف الخیل والأسلحة، ومن وصف المفاوز والفیافی إلى وصف الطرد والصید، ومن وصف اللیل والنجوم إلى وصف الموارد والمیاه، والهواجر والآل، والحرابی والجنادب، ومن الافتخار إلى اقتصاص مآثر الأسلاف، ومن الاستكانة والخضوع إلى الاستعتاب والاعتذار، ومن الاباء والاعتیاص إلى الإجابة و التسمح، بألطف تخلص وأحسن حكایة، بلا انفصال للمعنى الثانی عما قبله، بل یكون متصلاً به، وممتزجاً معه، فإذا استعصى المعنى وأحاطه بالمراد الذی یسوق القول بأیسر وصف وأخف لفظ لم یحتج إلى تطویله وتكریره"(21).
یكفی هذا النص الطویل لأن ندرك أن الوحدة، عند هذا الناقد، متعددة الموضوعات. هذا مما یثبت أن ابن طباطبا لم یأخذ بالوحدة التی جاءت فی كتاب "فن الشعر"، أو هو لم یفهمها تمام الفهم، أو أن الترجمة الركیكة لكتاب "فن الشعر"، قد أساءت فهمه، فالوحدة فی "فن الشعر" ترتكز، قبل كل شیء، على وحدة الموضوع على حین أن وحدة القصیدة فی "عیار الشعر"، تقوم على تعدد الموضوعات، وتلح على التناسب فیما بینها. ونخلص من خلال هذا النص، ومن خلال مابین أیدینا من شعر لابن طباطبا(22). إلى ملاحظة مفادها أن هذا الرجل، فی شعره، أقرب إلى الشعر العباسی المحدث فی لغته وبدیعه وتراكیبه ومعانیه، وفی هیكل القصیدة، ونحن لا نجد فی قصائده، حتى المدحیة منها، أی أثر لمشهد الطلل، أو مشهد الناقة، أو مشهد الصید، أو غیر ذلك، على حین یتحدث فی نقده، عن هذه المشاهد، وكأن ابن طباطبا الشاعر غیر ابن طباطبا الناقد، فهو یختلف فی نهجه الشعری عن تنظیره النقدی.
ویبدو لنا أخیراً، ومما تقدم، أن تعدد الموضوعات یسیء إلى وحدة القصیدة وتجربتها، وقد كان بإمكان ابن طباطبا أن یكون أكثر توفیقاً، فی هذه الظاهرة، لو كان أكثر معاصرة لزمانه. أعنی أنه لم یحالفه الحظ حین عاد إلى بنیة قصیدة المدیح فی الجاهلیة لیستنبط منها وحدة القصیدة بشكل عام، فعاد من قصیدة المدح هذه ببنیة القصیدة التقلیدیة وبمفهوم مشوه عن الوحدة إذا ما قسناه بالتطور الذی طرأ على بنیة القصیدة فی زمانه، ویبدو لنا أنه لو عاد إلى بعض القصائد الجیدة التی عاصرها، والتی تتوافر فیها بنیة نامیة، وخیال عضوی خلاق ووحدة موضوع لاستطاع أن یتوصل إلى نتائج أفضل. ویرى الدكتور إحسان عباس أن القصیدة، عند ابن طباطبا، قد تتعدد موضوعاتها، وأن الوحدة فیها قد تكون وحدة بناء وحسب، فتلك هی الغایة الكبرى من هذا التدقیق فی التوالی والتدرج وإقامة العلاقات بین الأجزاء(23). ولما نظر النقاد فی الموروث الشعری وجدوا القصیدة الطویلة معرضاً لتفنن الشاعر، فقد كانت تسمح بتعدد الموضوعات فی بنیتها، ولم یستطع النقاد أن یتنكروا للموروث، حتى لنجد بعضهم یجعل تعدد الموضوعات التی أجاد الشاعر عرضها فی قصیدته علة لاختیارها. ولهذا كان كل حدیث للنقاد عن الوحدة إنما یتم من خلال التكثر، أی كیف تمثل القصیدة وحدة رغم ذلك التكثر؟ فذهب ابن قتیبة إلى القول بالوحدة النفسیة عند المتلقی، أی قدرة الشاعر على جذب انتباه السامع أولاً، لیضعه فی جو نفسی قابل لتلقی ما یجیء بعد ذلك، ویرى الدكتور إحسان عباس أن هذا لا یثبت للقصیدة نفسها وحدة، إذ قد یكون الموضوعان فیها متباعدان حتى فی الجو النفسی العام لدى الشاعر. ثم كأن ابن طباطبا أدرك أن كل هذا الذی قاله ابن قتیبة لا یحقق الوحدة التی یرغب فیها، ولهذا ألح على مبدأین یكفلانها: أولهما مبدأ التناسب وهذا المبدأ یحقق للقصیدة المستوى المطلوب من الجمال والثانی هو التدرج المنطقی (وهو یحل محل الترابط المعنوی عند ابن قتیبة)؛ فالقصیدة أولاً كیان نثری ینسج شعراً فی تدرج صناعی خالص، كما ینسج الثوب، مع الحذف فی الربط عند الانتقال، فی داخل القصیدة، من موضوع إلى موضوع.(24).
یتبین لنا أخیراً، أن مفهوم الوحدة عند ابن طباطبا مفهوم شكلی صرف، یتجلى فی ربط موضوعات عدیدة ثابتة ربطاً خارجیاً، فیتصل الموضوع بالموضوع اتصال التجاور لا اتصال التفاعل. وهذا الاتصال قریب من التناسب. والتناسب مفهوم خارجی جمالی قریب من مفهوم الوحدة، لكنه لیس الوحدة ذاتها. إنه وحدة النسیج أو تناسب الأعضاء بعضها مع بعض، أی وحدة الشكل. التناسب، إذاً، هو الوحدة التی تجمع عناصر ثابتة. الوحدة التی تجعل من القصیدة جسداً، لكنه لا ینمو ولا یتحرك. جسد جمیل، لكنه بلا دماء. وهذا نتیجة للصناعة التی آمن بها ابن طباطبا وإهماله التجربة التی تدفع الدماء الحارة فی جسد القصیدة. هذه الدماء التی تندفع فی الشرایین، فتكیف الشكل الجسدی مما یؤدی إلى نموه نمواً طبیعیاً ذاتیاً داخلیاً. أما أن نصل بین أطراف القصیدة وصلاً خارجیاً، ونربط موضوعاتها بعضها ببعض. فنحن أقرب إلى أن نكون فی غرف التشریح أو العملیات منا إلى أن نكون فی قصیدة تضج بالحیاة.
5 وحدة البیت:
لم یكن مفهوم وحدة القصیدة واضحاً تمام الوضوح لدى ابن طباطبا؛ فقد یختلط هذا المفهوم، فی "عیار الشعر"، بوحدة البیت نظریاً وتطبیقیاً. وقد مر معنا أن لصناعة الشعر لدیه مرحلتین؛ یهتم، فی المرحلة الأولى، بصناعة البیت، ویهتم، فی الثانیة، بصناعة القصیدة. وهو، فی الأولى، یعد أدواته الشعریة، ثم یبدأ فی صناعة كل بیت، على حدة، فیثبت ما یصنعه من الأبیات دون ترتیب، ویبدو لنا من ذلك أن الشاعر، عنده، یبدأ بنظم الأبیات نظماً تراكمیاً عشوائیاً؛ فالبیت لا یتناسل من الأبیات التی سبقته، ولیس له أیة علاقة بالأبیات التی تلیه سوى علاقة الوزن والقافیة والمعنى. وتبقى فكرة "البیت المفرد حتى فی المرحلة الثانیة التی لا تتعدى الربط بین الأبیات بسلك، فتكون أقرب إلى "عِقد" منها إلى قصیدة. ویظل ابن طباطبا یهتم بالبیت على الرغم من قوله بالتناسب والوحدة، والنماذج البیتیة التی اعتمدها فی تطبیقه تقطع بعجزه عن تصور الوحدة فی حدود أبعد من المقطع الجزئی المستقل بمعناه، والذی لا یكاد یتجاوز البیتین كثیراً. ولا یعدو أن یكون إدراكه للوحدة فی البیت المفرد ذاته، أحیاناً، نوعاً من التلاعب بالألفاظ، أو العلاقات اللفظیة على الأصح، فی شطرین ینتظمهما بیت یستمد وحدته من تقابل بین معنیین اقتضتهما ضرورة القافیة ومنطقها لیس غیر، فی مثل هذا الشاهد الذی التمسه فی شعر البحتری:
فإذا حاربوا أذلوا عزیزاً.
وقوله: فیقتضی هذا المصراع أن یكون تمامه: "وإذا سالموا أعزوا ذلیلاً"، وهو اقتضاء القافیة، وعلاقة التضاد بین كل من أذل وأعز، وعزیز وذلیل(25). ویعتقد الدكتور عز الدین اسماعیل أننا نفید، فی الحكم على وحدة القصیدة عند ابن طباطبا من النقد الأوروبی الحدیث فی التفریق بین مفهوم القصیدة الطویلة والقصیدة القصیرة؛ فالقصیدة القصیرة تتمثل فی الغنائیة، أی العاطفة الواحدة المحددة، أما القصیدة الطویلة فیلزمها إلى جانب العواطف المفردة المحددة الكثیرة الفكرة العامة التی تسیطر على الجمیع، وتوجهه. فعلى أساس هذا التفریق یرى عز الدین أننا نستطیع أن نتبین أن القصیدة العربیة كما صورها لنا ابن طباطبا تصویراً مفصلاً تمثل القصیدة القصیرة. وهو یقول بعد ذلك "إذا شئنا الدقة قلنا: إنها لا تمثل القصیدة القصیرة ولا الطویلة، وإنما الذی یمثل القصیدة القصیرة منها البیت المفرد: ففی هذا البیت تتمثل عادة العاطفة الواحدة المحددة المستقلة. وحینما لا نتمثل فی القصیدة وحدة البیت، تتمثل لنا هذه العاطفة فی بیتین أو بضعة أبیات، على أقصى تقدیر، ولكنها تظل عاطفة واحدة محددة".(26).
ونحن لا نسلم بهذه المقارنة غیر العادلة، فقد تصح المقارنة بین وحدة القصیدة عند أرسطو ومثیلتها عند ابن طباطبا، أما أن نستعیر مقیاسین حدیثین: مفهوم القصیدة القصیرة ومفهوم القصیدة الطویلة، من النقد الأوروبی المعاصر، ونحاول تطبیقهما على نقد ابن طباطبا العباسی فإننا نظلم الرجل ونغمطه حقه.
إن عز الدین أو غیره من النقاد یستطیع أن یصل إلى ثغرات واسعة فی نقد ابن طباطبا لوحدة القصیدة. أما المعیار الثانی "الغنائیة" فنعتقد أن عز الدین یطلب من ابن طباطبا أمراً مستحیلاً؛ فالغنائیة من طبیعة القصیدة العربیة منذ القدیم، وهذا أمر لا یعیبها من جهة، ولا یطلب من ابن طباطبا تجاوزه من جهة أخرى. صحیح أن ابن طباطبا كان باستطاعته أن یتجاوز نقاد عصره، فیستنبط من بعض الشعر الغنائی العربی الذی عاصره، وحدة فی الشعور والفكرة والموضوع، ولكن أن نطلب منه أن یجتاز غنائیة القصیدة العربیة، فذلك أمر مستحیل. من هنا نستطیع القول: أن بعض الخطأ الذی وقع فیه بعض نقادنا أنهم قارنوا مقارنة تامة بین وحدة القصیدة عند أرسطو ومثیلاتها عند بعض نقادنا القدامى، فطبیعة الشعر الیونانی فی "فن الشعر" تختلف عن طبیعة الشعر العربی، كما یختلف الإنسان الیونانی عن الإنسان العربی، وأرسطو نفسه قد نفى الشعر الغنائی من كتابه وألحقه بفن الموسیقى. ولكن یجب ألا یفهم من كل هذا القول أننا ننكر إمكانیة الاستفادة، فی وحدة القصیدة، من أرسطو، وإنما نرید أن نقول: إن بعض نقادنا لم یفهموا هذه الوحدة كما جاءت فی كتاب: "فن الشعر"، ولم یجیدوا تطبیقها على شعرنا العربی، وذلك لأنهم لم یحسنوا انتقاء النصوص التی تتوافر فیها هذه الوحدة، ووقع هؤلاء فی التجزیئیة حین اختاروا نصوصاً مجزأة الأوصال وقصائد متعددة الموضوعات، فشوهوا وحدة أرسطو، وأخفقوا فی دفع عجلة الشعر العربی إلى الأمام. ومن هؤلاء ابن طباطبا نفسه، ولابد من أن نقول أخیراً: أن وحدة القصیدة التی نادى بها ابن طباطبا تعثرت فی عروض كثیرة من نظریته وفی كثیر من النصوص التی استشهد بها، فبرزت لدیه وحدة البیت حین برزت عواطف كثیرة مسطحة فوضویة، ذات مستوى واحد وبُعد واحد، نتیجة إهماله التجربة واهتمامه الشدید بالصناعة الشعریة وشواهده المجزأة.
*هوامش:
(1) هو محمد بن أحمد أبو الحسن العلوی المعروف بابن طباطبا، شیخ من شیوخ الأدب، وشاعر مولده ووفاته بأصبهان. له كتب، منها: "عیار الشعر"، و"تهذیب الطبع"، و"العروض". وأكثر شعره فی الغزل والآداب العامة. توفی سنة 322ه.
ینظر فی ترجمته: المرزبانی، معجم الشعراء، تحقیق عبد الستار أحمد فراج مصر دار إحیاء الكتب العربیة 1960م ص 427، ویاقوت، معجم الأدباء مصر مطبعة دار المأمون 1937 م 17/ 143 144، والقفطی، المحمدون من الشعراء محمد عبد الستار خان أیم مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانیة بحیدر آباد الدكن الهند ط1 1966 م 1/11، والعباسی، معاهد التنصیص مصر المطبعة البهیة 1316ه 1/ 179، وبروكلمان، تاریخ الأدب العربی ترجمة د.عبد الحلیم نجار دار المعارف بمصر ط3 1974م 2/ 100.
(2) عیار الشعر تحقیق د.طه الحاجری، ود.محمد زغلول سلام مصر شركة فن الطباعة 1956م ص 124.
(3) ینظر فی ذلك المصدر السابق ص 7.
(4) المصدر السابق ص 126 127.
(5) المصدر السابق ص 6.
(6) المصدر السابق ص 78.
(7) المصدر السابق ص 4 5.
(8) Leumers , Daniel - Préface - Poésies de Mallarmé - le livre de poche - librairiegénérale hrancaise - Paris - 1977. PV.
(9) Ibid...P.VI
(10) یجب أن نشیر هنا إلى أننا لا نقیم مقارنة بین المدرسة الرمزیة، وإلیوت من جهة، وابن طباطبا من جهة ثانیة، فهذا، إن حصل، إجحاف شدید بحق ابن طباطبا الذی له عصره وبیئته المختلفان عن عصر الرمزیة البیئة التی مهدت لنشوئها، فهی ابنة البورجوازیة الأوروبیة التی أخفقت، علىصعید الواقعین الاجتماعی والسیاسی، فی تحقیق طموحاتها، فاتجهت إلى الأدب للتعویض.
(11) عیار الشعر ص 5 6.
(12) المصدر السابق ص 5.
(13) من المعروف أن ابن طباطبا شاعر مثلما هو ناقد، ولذلك سنعود إلى قصیدة من قصائده الطویلة، فی دراسة لاحقة، لنبین، من خلالها، ملامح وحدة القصیدة التی نادى بها، وهل استطاع ابن طباطبا الشاعر أن یكون حریصاً على مفهوم "وحدة القصیدة"، كما جاء فی "عیار الشعر" عند ابن طباطبا
(14) ینظر فی ذلك مقاله: "ابن طباطبا ووحدة القصیدة العضویة" الآداب س 9 ع 2 شباط 1961م، ص 79.
(15) عباس، د.إحسان تاریخ النقد الأدبی عند العرب مطابع دار القلم بیروت ط1 1971م ص 138.
(16) ینظر فی ذلك: عیار الشعر ص 5.
(17) هنری برغسون (1859 1941). فیلسوف فرنسی معاصر دافع عن الروحانیة ضد هجمات الوضعیة والمادیة، له: "المحاولة فی درس أوضاع الوجدان". و"المادة والذاكرة"، و"التطور الخلاق"، وغیر ذلك.
(18) سنعود، فی دراسة مستقلة قادمة، إلى قصیدة جاهلیة نتبین فیها ملامح البنیة وصفاتها فیها.
(19) سنبین، فی دراسة قادمة، كیف استطاع بعض الفحول من الشعراء العباسیین أن یتقدموا بالشعر على النقد المعاصر لهم أشواطاً بعیدة.
(20) كثرت هذه الظاهرة فی دیوان أبی نواس، تحقیق أحمد عبد المجید الغزالی بیروت دار الكتاب العربی 1953م یقول:
دع الأطلال تسفیها الجنوب وتبلی عهد جدتها الخطوب
وخل لراكب الوجناء أرضاً تخب بها النجیبة والنجیب.
ص11
ویقول:
حاشا لدرة أن تبنى الخیام لها وأن تروح علیها الإبل والشاء
ص7
ویقول:
أحسن من سیر على ناقة سیر على اللذة مقصور
ص15
ویقول:
بكیت وما أبكی على دمن قفر وما بی من عشق فأبكی من الهجر
ص36
ویقول:
عاج الشقی على رسم یسائله وعجت أسأل عن خمّارة البلد
ص46
ویقول:
دع الربع، ما للربع فیك نصیب وما إن سبتنی زینب وكعوب
ص110
ویقول:
قل لمن یبكی على رسم درس واقفاً ما ضر لو كان جلس
ص134
ولیكون معلوماً لدینا أن هذا الشاعر وأمثاله ممن ثاروا على منهج القصیدة لم یثوروا على عناصر ذلك المنهج فی القصیدة الجاهلیة، وإنما یثورون على استمرار بعض أجزاء هذا المنهج فی القصیدة العباسیة على الرغم من أن الحیاة المعاصرة ما عادت بحاجة إلى تلك الأجزاء.
(21) عیار الشعر ص 6 7.
(22) سنعود إلى دراسة تائیته التی قالها فی مدح أبی الحسین محمد بن أحمد بن یحیى بن أبی البغل، وهو من أعیان عصره، وأحد أصدقاء الشاعر، وهی فی "معجم الأدباء"، 17/ 146 149، ومطلعها:
یا سیداً دانت له السادات وتتابعت فی فعله الحسنات
(23) ینظر فی ذلك: تاریخ النقد الأدبی عند العرب ص 138.
(24) ینظر فی ذلك: المرجع السابق ص 32 33.
(25) ینظر فی ذلك: الشریف، الطیب ابن طباطبا وحدة القصیدة العضویة الآداب ص 78.
(26) الأسس الجمالیة فی النقد العربی بمصر مطبعة الاعتماد ط1 1955م ص 366.
+درج شده توسط مترجم عربی - دکتر مهدي شاهرخ در چهارشنبه ۱۱ فروردین ۱۳۸۹و ساعت 16:52|