معروف الرصافی
(1294-1364هـ/1877-1945م)
معروف بن عبد الغنی البغدادی الرصافی، شاعر العراق فی عصره، ولد ونشأ فی بغداد فی أسرة فقیرة تتألف من أب كردی هو عبد الغنی محمود وأمٍّ عربیة تدعى فاطمة بنت جاسم من قبیلة شمر العربیة، وكان والده شرطیاً یتغیّب عن المنزل بحكم وظیفته، فتعلّق الطفل بأمّه وارتبط بها.
بدأ معروف دراسته فی أحد الكتاتیب، ثم انتقل إلى المدرسة الابتدائیة، فقضى فیها ثلاث سنوات التحق بعدها بالمدرسة الرشیدیة العسكریة، ولما رسب فی الصفّ الرابع منها غادرها واتجه نحو العلوم الدینیة والأدبیة، فالتحق بالعلاّمة محمود شكری الآلوسی، ولازمه اثنی عشر عاماً، وهو الذی أطلق علیه لقب «الرصافی» نسبة إلى الرصافة فی بغداد.
اضطر الرصافی للعمل فی سلك التعلیم، وكان یرتدی العمامة والجبّة ویرسل لحیته، وینشر قصائده، ولكنّه تغیّر دفعة واحدة حین أقام فی اصطنبول، ثم بدأ العمل فی الصحافة، وبإلقاء المحاضرات فی المدرسة الملكیة العلیا فی اللغة العربیة، واتسمت قصائده فی هذه المرحلة بجرأة واضحة، فذاع اسمه فی كلّ مكان، صدر أول دیوان له فی بیروت سنة 1910، فقوبل بالاستحسان والتقریظ، ثمّ اختیر نائباً عن مجلس المبعوثان العثمانی سنة 1912، ولما احتلّ الإنكلیز وطنه العراق بعد انتهاء الحرب العالمیة الأولى توجه إلى دمشق فالقدس، ودرّس فی مدرسة المعلمین فیها، ثم انتقل إلى بیروت سنة 1922، وعاد بعد ذلك إلى بغداد، فعیّنه الملك فیصل مفتّشاً للغة العربیة فی أواخر عام 1923، لكنّه ظل یهاجم الحكومات التی یصنعها الانتداب بجرأة نادرة فی قصائده، كـ«غادة الانتداب» و«حكومة الانتداب» و«كیف نحن فی العراق؟»، واتسمت هذه القصائد وأمثالها بالصدق والمباشرة والتوبیخ والأسلوب الساخر، فذاعت، وما تزال، على كلّ لسان، ومن شعره السیاسی:
أنا بالسیاسة والحكومة أعرف
أَأُلام فی تفنیــدها وأُعنـَّف
علـم ودستور ومجلس أمـة
كل عن المعنى الصحیح محرَّفُ
أسماء لیس لنا سوى ألفاظـها
أمـا معانیـها فلیست تُعـرف
نجح الرصافی فی انتخابات مجلس النواب فی عام 1928 وعام 1930، ثمّ حُلّ المجلس وخرج الرصافی بلا عمل ولا مورد رزق، فاستضافه أحد معارفه فی مدینة الفلوجة، وظلّ فیها إلى أن دخلها الإنكلیز بعد أن أخفقت ثورة العراق بقیادة رشید الكیلانی، فعاد إلى بغداد سنة 1941، وسكن ضاحیة الأعظمیة حتى وفاته بذات الرئة.
كان الرصافی ذا بنیة جسمیة متینة، قلیل الاهتمام بملبسه ومسكنه ومأكله، ولكنّه كان شدید الحرص على كرامته وحریة وطنه، بعیداً عن الكذب والرذیلة، وهو حامل لواء تجدید الشعر فی العراق من دون منازع، لكنه عاش أواخر أیامه فی فاقة كبیرة.
ترك الرصافی أعمالاً مطبوعة ومخطوطة كثیرة، ومنها:
ـ دواوینه الشعریة، وقد طبعت مرات، ولكنّها لا تضمّ كلّ ما نظمه، ولاسیما ما كان منها فی المجون والأدب الإباحی. «الرؤیا» روایة للأدیب التركی نامق كمال ترجمها إلى العربیة، ونشرت عام 1909 فی بغداد.
ـ الأناشید المدرسیة، مجموعة من الأناشید نظمها فی القدس، ونشرت هناك عام 1920.
ـ «رسائل التعلیقات»، وهی كتاب یحتوی على ثلاث رسائل طبع فی بغداد سنة 1944. «على باب سجن أبی العلاء»، وهو كتاب طبع فی بغداد سنة 1946، بعد وفاة الشاعر.
كان الرصافی شاعراً غزیر الإنتاج، رفیع الأسلوب، ولا تعرف المجاملة طریقها إلى شعره، وقد نادى منذ بدایاته بحریة الفكر، وسعى إلى النهضة العربیة الشاملة. وشعره بعید عن التنمیق والزخرفة، وهو یتمتع بالسلاسة والمتانة والترابط، وقد تغنّى بأعمال بعض الشخصیات التاریخیة، ولكنه أولى الموضوعات العصریة جُلَّ اهتمامه، فكانت قصائده الاجتماعیة صدى لأفكار الشیخ الإمام محمد عبده[ر] وقاسم أمین[ر] وشبلی شمیّل[ر] وسواهم من رجالات النهضة، فدعا إلى بناء المستقبل العربی لیكون ردیفاً للماضی فی قصیدته «نحن والماضی»، وحارب الجهل والعادات السیئة فی قصیدته «العادات». وكان دائم الدعوة إلى ضرورة العلم وافتتاح المدارس، وهو من أوائل الشعراء الذین دعوا إلى أن یكون التعلیم شاملاً جمیع الاختصاصات نظریّاً وتطبیقیّاً فی قصیدته «المدارس ونهجها»، أما قضایا المرأة فقد كان الرصافی الشاعر السبّاق والمجلی فیها، وقد اشتهرت قصائده فی هذا المجال، فدافع عن الإسلام فی قضیة تخلّف المرأة العربیة، ودعا إلى مساواتها بالرجل، وناقش فی قسم «النسائیات» فی دیوانه ضرورة تعلیم المرأة وحریتها فی اختیار الزوج، كما ناقش قضایا المهر والطلاق والحجاب والسفور والعمل، وخلاصة رأیه فی هذا الموضوع أن الشرق لا یتقدّم خطوة واحدة إلى الأمام والمرأة ما تزال فیه مكبّلة بالقیود، وهی نصف المجتمع بل هی النصف الأهمّ من وجهه نظره.
والتحرر موضوع آخر فی شعر الرصافی، فقد دعا إلى التحرّر الوطنی والقومی من العادات السیئة والجهل والاستعمار الخارجی، وكان حرباً على الوزارات التی یصنعها الإنكلیز فی العراق، وله قصائد ذات موضوعات قومیة ومشاركات فی هذه المناسبات، وفی دیوانه قسم للإنجازات العصریة، كوصف القطار والسیارة والكهرباء والساعة والتلغراف، وفی شعره عدد من القصائد القصصیة، ومنها «أبو دلامة والمستقبل» و«الیتیم فی العید» و«الفقر والسقام»، ویتمیز شعره بالسلاسة والسهولة والتجدید فی الأنظمة الإیقاعیة ووحدة الموضوع.
المراجع:
ـ قاسم الخطاط وزمیلاه، معروف الرصافی شاعر العرب الكبیر (القاهرة 1971).
ـ إیلیا الحاوی، معروف الرصافی (الثائر والشاعر)، (بیروت 1981 ).
ـ إبراهیم الكیلانی، معروف الرصافی (دمشق 1978).