"ابن
زیدون" بین الإبداع والطموح
(بمناسبة ذكرى وفاته: 1 من رجب 463هـ)
سمیر حلبی
فی بیئة غناء نشأ ابن زیدون
برع "ابن زیدون" فی الشعر كما برع فی فنون النثر، حتى صار من أبرز شعراء الأندلس المبدعین وأجملهم شعرًا وأدقهم وصفًا وأصفاهم خیالا، كما تمیزت كتاباته النثریة بالجودة والبلاغة، وتعد رسائله من عیون الأدب العربی.
المیلاد والنشأة
ولد الشاعر "أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أحمد بن غالب بن زید المخزومی" سنة [394هـ= 1003م] بالرصافة من ضواحی قرطبة، وهی الضاحیة التی أنشأها "عبد الرحمن الداخل" بقرطبة، واتخذها متنزهًا له ومقرًا لحكمه، ونقل إلیها النباتات والأشجار النادرة، وشق فیها الجداول البدیعة حتى صارت مضرب الأمثال فی الروعة والجمال، وتغنّى بها الكثیر من الشعراء.
وفی هذا الجو الرائع والطبیعة البدیعة الخلابة نشأ ابن زیدون؛ فتفتحت عیناه على تلك المناظر الساحرة والطبیعة الجمیلة، وتشربت روحه بذلك الجمال الساحر، وتفتحت مشاعره، ونمت ملكاته الشاعریة والأدبیة فی هذا الجو الرائع البدیع.
وینتمی "ابن زیدون" إلى قبیلة "بنی مخزوم" العربیة، التی كانت لها مكانة عظیمة فی الجاهلیة والإسلام، وعرفت بالفروسیة والشجاعة.
وكان والده من فقهاء "قرطبة" وأعلامها المعدودین، كما كان ضلیعًا فی علوم اللغة العربیة، بصیرًا بفنون الأدب، على قدر وافر من الثقافة والعلم.
أما جده لأمة "محمد بن محمد بن إبراهیم بن سعید القیسی" فكان من العلماء البارزین فی عصره، وكان شدید العنایة بالعلوم، وقد تولى القضاء بمدینة "سالم"، ثم تولى أحكام الشرطة فی "قرطبة".
كفالة الجد
وما كاد "ابن زیدون" یبلغ الحادیة عشرة من عمره حتى فقد أباه، فتولى جده تربیته، وكان ذا حزم وصرامة، وقد انعكس ذلك على أسلوب تربیته لحفیده، وهو ما جنبه مزالق الانحراف والسقوط التی قد یتعرض لها الأیتام من ذوی الثراء.
واهتم الجد بتربیة حفیده وتنشئته تنشئة صحیحة وتعلیمه العربیة والقرآن والنحو والشعر والأدب، إلى غیر ذلك من العلوم التی یدرسها عادةً الناشئة، ویقبل علیها الدارسون.
وتهیأت لابن زیدون -منذ الصغر- عوامل التفوق والنبوغ، فقد كان ینتمی إلى أسرة واسعة الثراء، ویتمتع بالرعایة الواعیة من جده وأصدقاء أبیه، ویعیش فی مستوى اجتماعی وثقافی رفیع، فضلا عما حباه الله به من ذكاء ونبوغ، وما فطره علیه من حب للعلم والشعر وفنون الأدب.
ابن زیدون متعلمًا
ومما لا شك فیه أن "ابن زیدون" تلقى ثقافته الواسعة وحصیلته اللغویة والأدبیة على عدد كبیر من علماء عصره وأعلام الفكر والأدب فی الأندلس، فی مقدمتهم أبوه وجده، ومنهم كذلك "أبو بكر مسلم بن أحمد بن أفلح" النحوی المتوفى سنة [433هـ=1042م] وكان رجلاً متدینًا، وافر الحظ من العلم والعقیدة، سالكًا فیها طریق أهل السنة، له باع كبیر فی العربیة وروایة الشعر.
كما اتصل "ابن زیدون" بكثیر من أعلام عصره وأدبائه المشاهیر، فتوطدت علاقته -فی سن مبكرة- بأبی الولید بن جَهْور الذی كان قد ولی العهد ثم صار حاكمًا، وكان حافظًا للقرآن الكریم مجیدًا للتلاوة، یهتم بسماع العلم من الشیوخ والروایة عنهم، وقد امتدت هذه الصداقة بینهما حتى جاوز الخمسین، وتوثقت علاقته كذلك بأبی بكر بن ذَكْوان الذی ولی منصب الوزارة، وعرف بالعلم والعفة والفضل، ثم تولى القضاء بقربة فكان مثالا للحزم والعدل، فأظهر الحق ونصر المظلوم، وردع الظالم.
.. وزیرًا
كان "ابن زیدون" من الصفوة المرموقة من شباب قرطبة؛ ومن ثم فقد كان من الطبیعی أن یشارك فی سیر الأحداث التی تمر بها.
وقد ساهم "ابن زیدون" بدور رئیسی فی إلغاء الخلافة الأمویة بقرطبة، كما شارك فی تأسیس حكومة جَهْوَرِیّة بزعامة "ابن جهور"، وإن كان لم یشارك فی ذلك بالسیف والقتال، وإنما كان له دور رئیسی فی توجیه السیاسة وتحریك الجماهیر، وذلك باعتباره شاعرًا ذائع الصیت، وأحد أعلام "قرطبة" ومن أبرز أدبائها المعروفین، فسخر جاهه وثراءه وبیانه فی التأثیر فی الجماهیر، وتوجیه الرأی العام وتحریك الناس نحو الوجهة التی یریدها.
وحظی "ابن زیدون" بمنصب الوزارة فی دولة "ابن جهور"، واعتمد علیه الحاكم الجدید فی السفارة بینه وبین الملوك المجاورین، إلا أن "ابن زیدون" لم یقنع بأن یكون ظلا للحاكم، واستغل أعداء الشاعر ومنافسوه هذا الغرور منه ومیله إلى التحرر والتهور فأوغروا علیه صدر صدیقه القدیم، ونجحوا فی الوقیعة بینهما، حتى انتهت العلاقة بین الشاعر والأمیر إلى مصیرها المحتوم.
ابن زیدون وولادة
كان ابن زیدون شاعرًا مبدعًا مرهف الإحساس، وقد حركت هذه الشاعریة فیه زهرة من زهرات البیت الأموی، وابنة أحد الخلفاء الأمویین، وهی "ولادة بنت المستكفی"، وكانت شاعرة أدیبة، جمیلة الشكل، شریفة الأصل، عریقة الحسب، وقد وصفت بأنها "نادرة زمانها ظرفًا وحسنًا وأدبًا".
وأثنى علیها كثیر من معاصریها من الأدباء والشعراء، وأجمعوا على فصاحتها ونباهتها، وسرعة بدیهتها، وموهبتها الشعریة الفائقة، فقال عنها "الصنبی": "إنها أدیبة شاعرة جزلة القول، مطبوعة الشعر، تساجل الأدباء، وتفوق البرعاء".
وبعد سقوط الخلافة الأمویة فی "الأندلس" فتحت ولادة أبواب قصرها للأدباء والشعراء والعظماء، وجعلت منه منتدیًا أدبیًا، وصالونًا ثقافیًا، فتهافت على ندوتها الشعراء والوزراء مأخوذین ببیانها الساحر وعلمها الغزیر.
وكان "ابن زیدون" واحدًا من أبرز الأدباء والشعراء الذین ارتادوا ندوتها، وتنافسوا فی التودد إلیها، ومنهم "أبو عبد الله بن القلاس"، و"أبو عامر بن عبدوس" اللذان كانا من أشد منافسی ابن زیدون فی حبها، وقد هجاهما "ابن زیدون" بقصائد لاذعة، فانسحب "ابن القلاسی"، ولكن "ابن عبدوس" غالى فی التودد إلیها، وأرسل لها برسالة یستمیلها إلیه، فلما علم "ابن زیدون" كتب إلیه رسالة على لسان "ولادة" وهی المعروفة بالرسالة الهزلیة، التی سخر منه فیها، وجعله أضحوكة على كل لسان، وهو ما أثار حفیظته على "ابن زیدون"؛ فصرف جهده إلى تألیب الأمیر علیه حتى سجنه، وأصبح الطریق خالیًا أمام "ابن عبدوس" لیسترد مودة "ولادة".
الفرار من السجن
وفشلت توسلات "ابن زیدون" ورسائله فی استعطاف الأمیر حتى تمكن من الفرار من سجنه إلى "إشبیلیة"، وكتب إلى ولادة بقصیدته النونیة الشهیرة التی مطلعها:
أضحى التنائی بدیلا من تدانینا
وناب عن طیب لقیانا تجافینا
وما لبث الأمیر أن عفا عنه، فعاد إلى "قرطبة" وبالغ فی التودد إلى "ولادة"، ولكن العلاقة بینهما لم تعد أبدًا إلى سالف ما كانت علیه من قبل، وإن ظل ابن زیدون یذكرها فی أشعاره، ویردد اسمها طوال حیاته فی قصائده.
ولم تمض بضعة أشهر حتى توفی الأمیر، وتولى ابنه "أبو الولید بن جمهور" صدیق الشاعر الحمیم، فبدأت صفحة جدیدة من حیاة الشاعر، ینعم فیها بالحریة والحظوة والمكانة الرفعیة.
ولكن خصوم الشاعر ومنافسیه لم یكفوا عن ملاحقته بالوشایات والفتن والدسائس حتى اضطر الشاعر ـ فی النهایة ـ إلى مغادرة "قرطبة" إلى "إشبیلیة" وأحسن "المعتضد بن عباد" إلیه وقربه، وجعله من خواصه وجلسائه، وأكرمه وغمره بحفاوته وبره.
فی إشبیلیة
واستطاع "ابن زیدون" بما حباه الله من ذكاء ونبوغ أن یأخذ مكانة بارزة فی بلاط "المعتضد"، حتى أصبح المستشار الأول للأمیر، وعهد إلیه "المعتضد"، بالسفارة بینه وبین أمراء الطوائف فی الأمور الجلیلة والسفارات المهمة، ثم جعله كبیرًا لوزرائه، ولكن "ابن زیدون" كان یتطلع إلى أن یتقلد الكتابة وهی من أهم مناصب الدولة وأخطرها، وظل یسعى للفوز بهذا المنصب ولا یألو جهدًا فی إزاحة كل من یعترض طریقه إلیه حتى استطاع أن یظفر بهذا المنصب الجلیل، وأصبح بذلك یجمع فی یدیه أهم مناصب الدولة وأخطرها وأصبحت معظم مقالید الأمور فی یده.
وقضى "ابن زیدون" عشرین عامًا فی بلاط المعتضد، بلغ فیها أعلى مكانة، وجمع بین أهم المناصب وأخطرها.
فلما توفی "المعتضد" تولى الحكم من بعده ابنه "المعتمد بن عباد"، وكانت تربطه بابن زیدون أوثق صلات المودة والألفة والصداقة، وكان مفتونًا به متتلمذًا علیه طوال عشرین عامًا، وكان بینهما كثیر من المطارحات الشعریة العذبة التی تكشف عن ود غامر وصداقة وطیدة.
المؤامرة على الشاعر
وحاول أعداء الشاعر ومنافسیه أن یوقعوا بینه وبین الأمیر الجدید، وظنوا أن الفرصة قد سنحت لهم بعدما تولى "المعتمد" العرش خلفًا لأبیه، فدسوا إلیه قصائد یغرونه بالفتك بالشاعر، ویدعون أنه فرح بموت "المعتضد"، ولكن الأمیر أدرك المؤامرة، فزجرهم وعنفهم، ووقّع على الرقعة بأبیات جاء فیها:
كذبت مناكم، صرّحوا أو جمجموا
الدین أمتن، والمروءة أكرم
خنتم ورمتم أن أخون، وإنما
حاولتمو أن یستخف "یلملم"
وختمها بقوله محذرًا ومعتذرًا:
كفوا وإلا فارقبوا لی بطشةً
تلقی السفیه بمثلها فیحلم
وكان الشاعر عند ظن أمیره به، فبذل جهده فی خدمته، وأخلص له، فكان خیر عون له فی فتح "قرطبة"، ثم أرسله المعتمد إلى "إشبیلیة" على رأس جیشه لإخماد الفتنة التی ثارت بها، وكان "ابن زیدون" قد أصابه المرض وأوهنته الشیخوخة، فما لبث أن توفی بعد أن أتمّ مهمته فی [ أول رجب 463هـ= 4 من إبریل 1071م] عن عمر بلغ نحو ثمانیة وستین عامًا.
غزلیات ابن زیدون
یحتل شعر الغزل نحو ثلث دیوان "ابن زیدون"، وهو فی قصائد المدح یبدأ بمقدمات غزلیة دقیقة، ویتمیز غزله بالعذوبة والرقة والعاطفة الجیاشة القویة والمعانی المبتكرة والمشاعر الدافقة التی لا نكاد نجد لها مثیلا عند غیره من الشعراء إلا المنقطعین للغزل وحده من أمثال "عمر بن أبی ربیعة"، "وجمیل بن مَعْمَر"، و"العبّاس بن الأحنف".
ومن عیون شعره فی الغزل تلك القصیدة الرائعة الخالدة التی كتبها بعد فراره من سجنه بقرطبة إلى "إشبیلیة"، ولكن قلبه جذبه إلى محبوبته بقرطبة فأرسل إلیها بتلك الدرة الفریدة (النونیة) التی یقول فی مطلعها:
أضحى التنائی بدیلا من تدانینا
وناب عن طیب لقیانا تجافینا
الوصف عند ابن زیدون
انطبع شعر "ابن زیدون" بالجمال والدقة وانعكست آثار الطبیعة الخلابة فی شعره، فجاء وصفه للطبیعة ینضح بالخیال، ویفیض بالعاطفة المشبوبة والمشاعر الجیاشة، وامتزج سحر الطبیعة بلوعة الحب وذكریات الهوى، فكان وصفه مزیجًا عبقریًا من الصور الجمیلة والمشاعر الدافقة، ومن ذلك قوله:
إنی ذكرتك بالزهراء مشتاقًا
والأفق طلق، ومرأى الأرض قد راقا
وللنسیم اعتلال فی أصائله
كأنه رق لی فاعتل إشفاقًا
والروض عن مائة الفضی مبتسم
كما شققت عن اللبات أطواقًا
نلهو بما یستمیل العین من زهر
جال الندى فیه حتى مال أعناقًا
كأنه أعینه ـ إذ عاینت أرقی ـ
بكت لما بی، فجال الدمع رقراقا
ورد تألق فی ضاحی منابته
فازداد منه الضحى فی العین إشراقًا
سرى ینافحه نیلوفر عبق
وسنان نبه منه الصبح أحداقًا
الإخوانیات الشعریة عند ابن زیدون
كان "ابن زیدون" شاعرًا أصیلا متمكنا فی شتى ضروب الشعر ومختلف أغراضه، وكان شعره یتمیز بالصدق والحرارة والبعد عن التكلف، كما كان یمیل إلى التجدید فی المعانی، وابتكار الصور الجدیدة، والاعتماد على الخیال المجنح؛ ولذا فقد حظی فن الإخوانیات عنده بنصیب وافر من هذا التجدید وتلك العاطفة، ومن ذلك مناجاته الرقیقة لصدیقه الوفی "أبی القاسم":
یا أبا القاسم الذی كان ردائی
وظهیری من الزمان وذخری
هل لخالی زماننا من رجوع
أم لماضی زماننا من مكرِّ؟
أین أیامنا؟ وأین لیال
كریاض لبسن أفاق زهر؟
الفنون النثریة عند ابن زیدون
اتسم النثر عند "ابن زیدون" بجمال الصیاغة، وكثرة الصور والأخیلة، والاعتماد على الموسیقا، ودقة انتقاء الألفاظ حتى أشبه نثره شعره فی صیاغته وموسیقاه، وقد وصف "ابن بسام" رسائله بأنها "بالنظم الخطیر أشبه منها بالمنثور".
وبالرغم من جودة نثر "ابن زیدون" فإنه لم یصل إلینا من آثاره النثریة إلا بعض رسائله الأدبیة، ومنها:
· الرسالة الهزلیة: التی كتبها على لسان "ولادة بنت المستكفی" إلى "ابن عبدوس" وقد حمل علیه فیها، وأوجعه سخریة وتهكمًا، وتتسم هذه الرسالة بالنقد اللاذع والسخریة المریرة، وتعتمد على الأسلوب التهكمی المثیر للضحك، كما تحمل عاطفة قویة عنیفة من المشاعر المتبانیة: من الغیرة والبغض والحب، والحقد، وتدل على عمق ثقافة "ابن زیدون" وسعة اطلاعه.
وقد شرحها "جمال الدین بن نباتة المصری" فی كتابه: "سرح العیون"، كما شرحها "محمد بن البنا المصری" فی كتابه: "العیون".
الرسالة الجدیة: وقد كتبها الشاعر فی سجنه فی أخریات أیامه، یستعطف فیها الأمیر "أبا الحزم" ویستدر عفوه ورحمته، وهی أیضًا تشتمل على الكثیر من الاقتباسات والأحداث والأسماء.
ومع أن الغرض من رسالته كان استعطاف الأمیر إلا أن شخصیة "ابن زیدون" القویة المتعالیة تغلب علیه، فإذا به یدلّ على الأمیر بما یشبه المنّ علیه، ویأخذه العتب مبلغ الشطط فیهدد الأمیر باللجوء إلى خصومه.
ولكن الرسالة ـ مع ذلك ـ تنبض بالعاطفة القویة وتحرك المشاعر فی القلوب، وتثیر الأشجان فی النفوس.
وقد شرحها "صلاح الدین الصفدی" فی كتابه: "تمام المتون"، و"عبد القادر البغدادی" فی كتابه: "مختصر تمام المتون".
بالإضافة إلى هاتین الرسالتین فهناك رسالة الاستعطاف التی كتبها الشاعر بعد فراره من سجنه وعودته من "إشبیلیة" إلى "قرطبة" مستخفیًا ینشد الأمان، ویستشفع بأستاذه "أبی بكر مسلم بن أحمد" عند الأمیر.
وهذه الرسالة تعد أقوى رسائل "ابن زیدون" جمیعًا من الناحیة الفنیة، وتمثل نضجًا ملحوظًا وخبرة كبیرة ودرایة فائقة بأسالیب الكتابة، وبراعة وإتقان فی مجال الكتابة النثریة.
ولابن زیدون كتاب فی تاریخ بنی أمیة سماه "التبیین" وقد ضاع الكتاب، ولم تبق منه إلا مقطوعتان، حفظهما لنا "المقری" فی كتابه الكبیر: "نفح الطیب".
هوامش ومصادر:
ابن زیدون: علی عبد العظیم ـ دار الكتاب العربی للطباعة والنشر ـ القاهرة: [1387هـ=1967م] ـ ( أعلام العرب : 66).
دیوان ابن زیدون ورسائله: تحقیق / علی عبد العظیم ـ دار نهضة مصر للطبع والنشر ـ القاهرة: [ 1400 هـ= 1980م]
الذخیرة فی محاسن أهل الجزیرة: أبو الحسن علی بن بسام الشنترینی ـ تحقیق : د. إحسان عباس ـ دار الثقافة ـ بیروت [1399هـ=1979م].
سیر أعلام النبلاء: شمس الدین محمد بن أحمد بن عثمان الذهبی ـ (الجزء الثامن)ـ تحقیق: شعیب الأرنؤوط ـ مؤسسة الرسالةـ بیروت [1410هـ=1990م]كتاب جدید نفح الطیب من غصن الأندلس الرطیب: أحمد بن محمد المقری التلمسانی ـ تحقیق: یوسف الشیخ محمد البقاعی ـ دار الفكر للطباعة والنشر ـ بیروت [ 1406هـ= 1986م]
الوافی بالوفیات: صلاح الدین خلیل بن أیبك الصفدی ـ (الجزء السابع) ـ تحقیق: إحسان عباس ـ دار النشر فرنز شتانیر ـ شتوتغارت: [1411هـ=1991م].
(بمناسبة ذكرى وفاته: 1 من رجب 463هـ)
سمیر حلبی
فی بیئة غناء نشأ ابن زیدون
برع "ابن زیدون" فی الشعر كما برع فی فنون النثر، حتى صار من أبرز شعراء الأندلس المبدعین وأجملهم شعرًا وأدقهم وصفًا وأصفاهم خیالا، كما تمیزت كتاباته النثریة بالجودة والبلاغة، وتعد رسائله من عیون الأدب العربی.
المیلاد والنشأة
ولد الشاعر "أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أحمد بن غالب بن زید المخزومی" سنة [394هـ= 1003م] بالرصافة من ضواحی قرطبة، وهی الضاحیة التی أنشأها "عبد الرحمن الداخل" بقرطبة، واتخذها متنزهًا له ومقرًا لحكمه، ونقل إلیها النباتات والأشجار النادرة، وشق فیها الجداول البدیعة حتى صارت مضرب الأمثال فی الروعة والجمال، وتغنّى بها الكثیر من الشعراء.
وفی هذا الجو الرائع والطبیعة البدیعة الخلابة نشأ ابن زیدون؛ فتفتحت عیناه على تلك المناظر الساحرة والطبیعة الجمیلة، وتشربت روحه بذلك الجمال الساحر، وتفتحت مشاعره، ونمت ملكاته الشاعریة والأدبیة فی هذا الجو الرائع البدیع.
وینتمی "ابن زیدون" إلى قبیلة "بنی مخزوم" العربیة، التی كانت لها مكانة عظیمة فی الجاهلیة والإسلام، وعرفت بالفروسیة والشجاعة.
وكان والده من فقهاء "قرطبة" وأعلامها المعدودین، كما كان ضلیعًا فی علوم اللغة العربیة، بصیرًا بفنون الأدب، على قدر وافر من الثقافة والعلم.
أما جده لأمة "محمد بن محمد بن إبراهیم بن سعید القیسی" فكان من العلماء البارزین فی عصره، وكان شدید العنایة بالعلوم، وقد تولى القضاء بمدینة "سالم"، ثم تولى أحكام الشرطة فی "قرطبة".
كفالة الجد
وما كاد "ابن زیدون" یبلغ الحادیة عشرة من عمره حتى فقد أباه، فتولى جده تربیته، وكان ذا حزم وصرامة، وقد انعكس ذلك على أسلوب تربیته لحفیده، وهو ما جنبه مزالق الانحراف والسقوط التی قد یتعرض لها الأیتام من ذوی الثراء.
واهتم الجد بتربیة حفیده وتنشئته تنشئة صحیحة وتعلیمه العربیة والقرآن والنحو والشعر والأدب، إلى غیر ذلك من العلوم التی یدرسها عادةً الناشئة، ویقبل علیها الدارسون.
وتهیأت لابن زیدون -منذ الصغر- عوامل التفوق والنبوغ، فقد كان ینتمی إلى أسرة واسعة الثراء، ویتمتع بالرعایة الواعیة من جده وأصدقاء أبیه، ویعیش فی مستوى اجتماعی وثقافی رفیع، فضلا عما حباه الله به من ذكاء ونبوغ، وما فطره علیه من حب للعلم والشعر وفنون الأدب.
ابن زیدون متعلمًا
ومما لا شك فیه أن "ابن زیدون" تلقى ثقافته الواسعة وحصیلته اللغویة والأدبیة على عدد كبیر من علماء عصره وأعلام الفكر والأدب فی الأندلس، فی مقدمتهم أبوه وجده، ومنهم كذلك "أبو بكر مسلم بن أحمد بن أفلح" النحوی المتوفى سنة [433هـ=1042م] وكان رجلاً متدینًا، وافر الحظ من العلم والعقیدة، سالكًا فیها طریق أهل السنة، له باع كبیر فی العربیة وروایة الشعر.
كما اتصل "ابن زیدون" بكثیر من أعلام عصره وأدبائه المشاهیر، فتوطدت علاقته -فی سن مبكرة- بأبی الولید بن جَهْور الذی كان قد ولی العهد ثم صار حاكمًا، وكان حافظًا للقرآن الكریم مجیدًا للتلاوة، یهتم بسماع العلم من الشیوخ والروایة عنهم، وقد امتدت هذه الصداقة بینهما حتى جاوز الخمسین، وتوثقت علاقته كذلك بأبی بكر بن ذَكْوان الذی ولی منصب الوزارة، وعرف بالعلم والعفة والفضل، ثم تولى القضاء بقربة فكان مثالا للحزم والعدل، فأظهر الحق ونصر المظلوم، وردع الظالم.
.. وزیرًا
كان "ابن زیدون" من الصفوة المرموقة من شباب قرطبة؛ ومن ثم فقد كان من الطبیعی أن یشارك فی سیر الأحداث التی تمر بها.
وقد ساهم "ابن زیدون" بدور رئیسی فی إلغاء الخلافة الأمویة بقرطبة، كما شارك فی تأسیس حكومة جَهْوَرِیّة بزعامة "ابن جهور"، وإن كان لم یشارك فی ذلك بالسیف والقتال، وإنما كان له دور رئیسی فی توجیه السیاسة وتحریك الجماهیر، وذلك باعتباره شاعرًا ذائع الصیت، وأحد أعلام "قرطبة" ومن أبرز أدبائها المعروفین، فسخر جاهه وثراءه وبیانه فی التأثیر فی الجماهیر، وتوجیه الرأی العام وتحریك الناس نحو الوجهة التی یریدها.
وحظی "ابن زیدون" بمنصب الوزارة فی دولة "ابن جهور"، واعتمد علیه الحاكم الجدید فی السفارة بینه وبین الملوك المجاورین، إلا أن "ابن زیدون" لم یقنع بأن یكون ظلا للحاكم، واستغل أعداء الشاعر ومنافسوه هذا الغرور منه ومیله إلى التحرر والتهور فأوغروا علیه صدر صدیقه القدیم، ونجحوا فی الوقیعة بینهما، حتى انتهت العلاقة بین الشاعر والأمیر إلى مصیرها المحتوم.
ابن زیدون وولادة
كان ابن زیدون شاعرًا مبدعًا مرهف الإحساس، وقد حركت هذه الشاعریة فیه زهرة من زهرات البیت الأموی، وابنة أحد الخلفاء الأمویین، وهی "ولادة بنت المستكفی"، وكانت شاعرة أدیبة، جمیلة الشكل، شریفة الأصل، عریقة الحسب، وقد وصفت بأنها "نادرة زمانها ظرفًا وحسنًا وأدبًا".
وأثنى علیها كثیر من معاصریها من الأدباء والشعراء، وأجمعوا على فصاحتها ونباهتها، وسرعة بدیهتها، وموهبتها الشعریة الفائقة، فقال عنها "الصنبی": "إنها أدیبة شاعرة جزلة القول، مطبوعة الشعر، تساجل الأدباء، وتفوق البرعاء".
وبعد سقوط الخلافة الأمویة فی "الأندلس" فتحت ولادة أبواب قصرها للأدباء والشعراء والعظماء، وجعلت منه منتدیًا أدبیًا، وصالونًا ثقافیًا، فتهافت على ندوتها الشعراء والوزراء مأخوذین ببیانها الساحر وعلمها الغزیر.
وكان "ابن زیدون" واحدًا من أبرز الأدباء والشعراء الذین ارتادوا ندوتها، وتنافسوا فی التودد إلیها، ومنهم "أبو عبد الله بن القلاس"، و"أبو عامر بن عبدوس" اللذان كانا من أشد منافسی ابن زیدون فی حبها، وقد هجاهما "ابن زیدون" بقصائد لاذعة، فانسحب "ابن القلاسی"، ولكن "ابن عبدوس" غالى فی التودد إلیها، وأرسل لها برسالة یستمیلها إلیه، فلما علم "ابن زیدون" كتب إلیه رسالة على لسان "ولادة" وهی المعروفة بالرسالة الهزلیة، التی سخر منه فیها، وجعله أضحوكة على كل لسان، وهو ما أثار حفیظته على "ابن زیدون"؛ فصرف جهده إلى تألیب الأمیر علیه حتى سجنه، وأصبح الطریق خالیًا أمام "ابن عبدوس" لیسترد مودة "ولادة".
الفرار من السجن
وفشلت توسلات "ابن زیدون" ورسائله فی استعطاف الأمیر حتى تمكن من الفرار من سجنه إلى "إشبیلیة"، وكتب إلى ولادة بقصیدته النونیة الشهیرة التی مطلعها:
أضحى التنائی بدیلا من تدانینا
وناب عن طیب لقیانا تجافینا
وما لبث الأمیر أن عفا عنه، فعاد إلى "قرطبة" وبالغ فی التودد إلى "ولادة"، ولكن العلاقة بینهما لم تعد أبدًا إلى سالف ما كانت علیه من قبل، وإن ظل ابن زیدون یذكرها فی أشعاره، ویردد اسمها طوال حیاته فی قصائده.
ولم تمض بضعة أشهر حتى توفی الأمیر، وتولى ابنه "أبو الولید بن جمهور" صدیق الشاعر الحمیم، فبدأت صفحة جدیدة من حیاة الشاعر، ینعم فیها بالحریة والحظوة والمكانة الرفعیة.
ولكن خصوم الشاعر ومنافسیه لم یكفوا عن ملاحقته بالوشایات والفتن والدسائس حتى اضطر الشاعر ـ فی النهایة ـ إلى مغادرة "قرطبة" إلى "إشبیلیة" وأحسن "المعتضد بن عباد" إلیه وقربه، وجعله من خواصه وجلسائه، وأكرمه وغمره بحفاوته وبره.
فی إشبیلیة
واستطاع "ابن زیدون" بما حباه الله من ذكاء ونبوغ أن یأخذ مكانة بارزة فی بلاط "المعتضد"، حتى أصبح المستشار الأول للأمیر، وعهد إلیه "المعتضد"، بالسفارة بینه وبین أمراء الطوائف فی الأمور الجلیلة والسفارات المهمة، ثم جعله كبیرًا لوزرائه، ولكن "ابن زیدون" كان یتطلع إلى أن یتقلد الكتابة وهی من أهم مناصب الدولة وأخطرها، وظل یسعى للفوز بهذا المنصب ولا یألو جهدًا فی إزاحة كل من یعترض طریقه إلیه حتى استطاع أن یظفر بهذا المنصب الجلیل، وأصبح بذلك یجمع فی یدیه أهم مناصب الدولة وأخطرها وأصبحت معظم مقالید الأمور فی یده.
وقضى "ابن زیدون" عشرین عامًا فی بلاط المعتضد، بلغ فیها أعلى مكانة، وجمع بین أهم المناصب وأخطرها.
فلما توفی "المعتضد" تولى الحكم من بعده ابنه "المعتمد بن عباد"، وكانت تربطه بابن زیدون أوثق صلات المودة والألفة والصداقة، وكان مفتونًا به متتلمذًا علیه طوال عشرین عامًا، وكان بینهما كثیر من المطارحات الشعریة العذبة التی تكشف عن ود غامر وصداقة وطیدة.
المؤامرة على الشاعر
وحاول أعداء الشاعر ومنافسیه أن یوقعوا بینه وبین الأمیر الجدید، وظنوا أن الفرصة قد سنحت لهم بعدما تولى "المعتمد" العرش خلفًا لأبیه، فدسوا إلیه قصائد یغرونه بالفتك بالشاعر، ویدعون أنه فرح بموت "المعتضد"، ولكن الأمیر أدرك المؤامرة، فزجرهم وعنفهم، ووقّع على الرقعة بأبیات جاء فیها:
كذبت مناكم، صرّحوا أو جمجموا
الدین أمتن، والمروءة أكرم
خنتم ورمتم أن أخون، وإنما
حاولتمو أن یستخف "یلملم"
وختمها بقوله محذرًا ومعتذرًا:
كفوا وإلا فارقبوا لی بطشةً
تلقی السفیه بمثلها فیحلم
وكان الشاعر عند ظن أمیره به، فبذل جهده فی خدمته، وأخلص له، فكان خیر عون له فی فتح "قرطبة"، ثم أرسله المعتمد إلى "إشبیلیة" على رأس جیشه لإخماد الفتنة التی ثارت بها، وكان "ابن زیدون" قد أصابه المرض وأوهنته الشیخوخة، فما لبث أن توفی بعد أن أتمّ مهمته فی [ أول رجب 463هـ= 4 من إبریل 1071م] عن عمر بلغ نحو ثمانیة وستین عامًا.
غزلیات ابن زیدون
یحتل شعر الغزل نحو ثلث دیوان "ابن زیدون"، وهو فی قصائد المدح یبدأ بمقدمات غزلیة دقیقة، ویتمیز غزله بالعذوبة والرقة والعاطفة الجیاشة القویة والمعانی المبتكرة والمشاعر الدافقة التی لا نكاد نجد لها مثیلا عند غیره من الشعراء إلا المنقطعین للغزل وحده من أمثال "عمر بن أبی ربیعة"، "وجمیل بن مَعْمَر"، و"العبّاس بن الأحنف".
ومن عیون شعره فی الغزل تلك القصیدة الرائعة الخالدة التی كتبها بعد فراره من سجنه بقرطبة إلى "إشبیلیة"، ولكن قلبه جذبه إلى محبوبته بقرطبة فأرسل إلیها بتلك الدرة الفریدة (النونیة) التی یقول فی مطلعها:
أضحى التنائی بدیلا من تدانینا
وناب عن طیب لقیانا تجافینا
الوصف عند ابن زیدون
انطبع شعر "ابن زیدون" بالجمال والدقة وانعكست آثار الطبیعة الخلابة فی شعره، فجاء وصفه للطبیعة ینضح بالخیال، ویفیض بالعاطفة المشبوبة والمشاعر الجیاشة، وامتزج سحر الطبیعة بلوعة الحب وذكریات الهوى، فكان وصفه مزیجًا عبقریًا من الصور الجمیلة والمشاعر الدافقة، ومن ذلك قوله:
إنی ذكرتك بالزهراء مشتاقًا
والأفق طلق، ومرأى الأرض قد راقا
وللنسیم اعتلال فی أصائله
كأنه رق لی فاعتل إشفاقًا
والروض عن مائة الفضی مبتسم
كما شققت عن اللبات أطواقًا
نلهو بما یستمیل العین من زهر
جال الندى فیه حتى مال أعناقًا
كأنه أعینه ـ إذ عاینت أرقی ـ
بكت لما بی، فجال الدمع رقراقا
ورد تألق فی ضاحی منابته
فازداد منه الضحى فی العین إشراقًا
سرى ینافحه نیلوفر عبق
وسنان نبه منه الصبح أحداقًا
الإخوانیات الشعریة عند ابن زیدون
كان "ابن زیدون" شاعرًا أصیلا متمكنا فی شتى ضروب الشعر ومختلف أغراضه، وكان شعره یتمیز بالصدق والحرارة والبعد عن التكلف، كما كان یمیل إلى التجدید فی المعانی، وابتكار الصور الجدیدة، والاعتماد على الخیال المجنح؛ ولذا فقد حظی فن الإخوانیات عنده بنصیب وافر من هذا التجدید وتلك العاطفة، ومن ذلك مناجاته الرقیقة لصدیقه الوفی "أبی القاسم":
یا أبا القاسم الذی كان ردائی
وظهیری من الزمان وذخری
هل لخالی زماننا من رجوع
أم لماضی زماننا من مكرِّ؟
أین أیامنا؟ وأین لیال
كریاض لبسن أفاق زهر؟
الفنون النثریة عند ابن زیدون
اتسم النثر عند "ابن زیدون" بجمال الصیاغة، وكثرة الصور والأخیلة، والاعتماد على الموسیقا، ودقة انتقاء الألفاظ حتى أشبه نثره شعره فی صیاغته وموسیقاه، وقد وصف "ابن بسام" رسائله بأنها "بالنظم الخطیر أشبه منها بالمنثور".
وبالرغم من جودة نثر "ابن زیدون" فإنه لم یصل إلینا من آثاره النثریة إلا بعض رسائله الأدبیة، ومنها:
· الرسالة الهزلیة: التی كتبها على لسان "ولادة بنت المستكفی" إلى "ابن عبدوس" وقد حمل علیه فیها، وأوجعه سخریة وتهكمًا، وتتسم هذه الرسالة بالنقد اللاذع والسخریة المریرة، وتعتمد على الأسلوب التهكمی المثیر للضحك، كما تحمل عاطفة قویة عنیفة من المشاعر المتبانیة: من الغیرة والبغض والحب، والحقد، وتدل على عمق ثقافة "ابن زیدون" وسعة اطلاعه.
وقد شرحها "جمال الدین بن نباتة المصری" فی كتابه: "سرح العیون"، كما شرحها "محمد بن البنا المصری" فی كتابه: "العیون".
الرسالة الجدیة: وقد كتبها الشاعر فی سجنه فی أخریات أیامه، یستعطف فیها الأمیر "أبا الحزم" ویستدر عفوه ورحمته، وهی أیضًا تشتمل على الكثیر من الاقتباسات والأحداث والأسماء.
ومع أن الغرض من رسالته كان استعطاف الأمیر إلا أن شخصیة "ابن زیدون" القویة المتعالیة تغلب علیه، فإذا به یدلّ على الأمیر بما یشبه المنّ علیه، ویأخذه العتب مبلغ الشطط فیهدد الأمیر باللجوء إلى خصومه.
ولكن الرسالة ـ مع ذلك ـ تنبض بالعاطفة القویة وتحرك المشاعر فی القلوب، وتثیر الأشجان فی النفوس.
وقد شرحها "صلاح الدین الصفدی" فی كتابه: "تمام المتون"، و"عبد القادر البغدادی" فی كتابه: "مختصر تمام المتون".
بالإضافة إلى هاتین الرسالتین فهناك رسالة الاستعطاف التی كتبها الشاعر بعد فراره من سجنه وعودته من "إشبیلیة" إلى "قرطبة" مستخفیًا ینشد الأمان، ویستشفع بأستاذه "أبی بكر مسلم بن أحمد" عند الأمیر.
وهذه الرسالة تعد أقوى رسائل "ابن زیدون" جمیعًا من الناحیة الفنیة، وتمثل نضجًا ملحوظًا وخبرة كبیرة ودرایة فائقة بأسالیب الكتابة، وبراعة وإتقان فی مجال الكتابة النثریة.
ولابن زیدون كتاب فی تاریخ بنی أمیة سماه "التبیین" وقد ضاع الكتاب، ولم تبق منه إلا مقطوعتان، حفظهما لنا "المقری" فی كتابه الكبیر: "نفح الطیب".
هوامش ومصادر:
ابن زیدون: علی عبد العظیم ـ دار الكتاب العربی للطباعة والنشر ـ القاهرة: [1387هـ=1967م] ـ ( أعلام العرب : 66).
دیوان ابن زیدون ورسائله: تحقیق / علی عبد العظیم ـ دار نهضة مصر للطبع والنشر ـ القاهرة: [ 1400 هـ= 1980م]
الذخیرة فی محاسن أهل الجزیرة: أبو الحسن علی بن بسام الشنترینی ـ تحقیق : د. إحسان عباس ـ دار الثقافة ـ بیروت [1399هـ=1979م].
سیر أعلام النبلاء: شمس الدین محمد بن أحمد بن عثمان الذهبی ـ (الجزء الثامن)ـ تحقیق: شعیب الأرنؤوط ـ مؤسسة الرسالةـ بیروت [1410هـ=1990م]كتاب جدید نفح الطیب من غصن الأندلس الرطیب: أحمد بن محمد المقری التلمسانی ـ تحقیق: یوسف الشیخ محمد البقاعی ـ دار الفكر للطباعة والنشر ـ بیروت [ 1406هـ= 1986م]
الوافی بالوفیات: صلاح الدین خلیل بن أیبك الصفدی ـ (الجزء السابع) ـ تحقیق: إحسان عباس ـ دار النشر فرنز شتانیر ـ شتوتغارت: [1411هـ=1991م].
+درج شده توسط مترجم عربی - دکتر مهدي شاهرخ در چهارشنبه ۱۱ فروردین ۱۳۸۹و ساعت 17:46|