مفهوم
ادب الاطفال
الكاتب
:یوسف
البرشوم
یحاول النقاد الآن، تمحیص أدب جدید على الأدب، هو أدب الأطفال، سواء فی طبیعته أو مصادره أو غایاته، مما یساهم فی وضع حدود لهذا الأدب الناهض، وتتنازع مسؤولیته المؤسسات والأفراد، ویتحمل أعباءه الأدباء والمربون ورجال الإعلام. وهو جزء من الأدب بشكل عام، وینطبق علیه ما ینطبق على الأدب من تعریفات، إلا أنه یتخصص فی مخاطبة فئة معینة من المجتمع، وهی فئة الأطفال، وقد یختلف أدب الأطفال عن أدب الكبار تبعاً لاختلاف العقول والإدراكات، ولاختلاف الخبرات نوعاً وكماَ. ولكن الذی لا خلاف فیه أن المادة الأدبیة لقصص الأطفال الفولكلوریة والتقلیدیة، والتی ظلت تحكى لأطفال شعب من الشعوب، على مر الأجیال من آلاف السنین فتستحوذ على عواطفهم وخیالاتهم، لم تكن منعزلة عن التیار العام للخیال والصور أو التفكیر فی هذا الشعب، بل كانت قصص الأطفال تعبیرات أدبیة خالصة صنعها الكبار. - مفهوم أدب الأطفال : لقد عرَّف بعضهم أدب الأطفال، بقوله: (إذا أردنا بأدب الأطفال كل ما یقال للأطفال بقصد توجیههم، فإنه قدیم قد التاریخ البشری، حیث یلتزم بضوابط نفسیة واجتماعیة وتربویة، ویستعین بوسائل الثقافة الحدیثة، فی الوصول إلى الأطفال، فإنه فی هذه الحالة ما یزال من أحدث الفنون الأدبیة) (1) ومع عمومیة هذا الرأی وانتشاره، ثمة تأكید على أن هذا الفن ابتدأ منظماً ومضبوطاً بقواعد وأصول، فی أوروبا عموماً، وفی فرنسا على الأخص، ومنها عمت بقیة دول العالم، حتى بات أدب الأطفال یشكل ظاهرة ثقافیة واجتماعیة واقتصادیة، من حیث تنوع موضوعاته وأحجامه وأصنافه، وعم تقریباً كل مكان فی العالم. (ولأدب الأطفال نوعان من الممارسة، الأول : منتوج أدب الأطفال، الذی یصنعه الكبار غالباً، وتقتصر مشاركة الأطفال فیه على التقلید، أو إبداء الإعجاب، والثانی: نشاط الطفل الأدبی والفنی، ویعتمد هذا المنتوج على إظهار الموهبة المبكرة، أو على ما یصنعه الأطفال خلال أداء المناشط الأدبیة)(1). وأدب الأطفال قدیم قدم قدرة الإنسان على التعبیر، وحدیث حداثة القصة أو الأغنیة التی تسمع الیوم فی برامج الأطفال بالإذاعة المسموعة والمرئیة، أو تخرج من أفواه المعلمین فی قاعات الدراسة، أو یحكیها الرواة فی النوادی، ینسجون أدباً یستمتع به الأطفال ویصلهم بالحیاة. وبذلك فإن أدب الأطفال لا یمكن أن یكون له تعریف مستقل، بل یندرج فی إطار الأدب العام، وهو مرتبط بالكتاب والقارئ، فالأدب یمكن أن یعرف بأنه تجربة القارئ حین یتفاعل مع النفس طبقاً لمعانیه الخاصة ومقاصده ودلالاته . أهمیة أدب الأطفال : إن الطفل بحاجة إلى أن یعرف ذاته ، ویعرف البیئة المادیة المحیطة به، والأدیب یساهم فی تهیئة الفرص اللازمة لتلك المعرفة، حیث یقدم مجموعة من الخبرات فیها حكمة الإنسان وآماله وطموحاته وآلامه وأخطاؤه ورغباته وشكوكه، والأطفال یمیلون بصدق إلى أن یتذوقوا هذا السجل الحافل، ولا أدل على ذلك من شغفهم بالقصص التی تروی علیهم أو یقرؤونها، ومحاولتهم الجاهدة لفهم الكلمات المكتوبة الزاخرة بهذا السجل. وكتب الأدب للأطفال تقدم لهم الكثیر، عن أشیاء من بیئتهم المادیة. بما فیها من حیوان ونبات وشجر، ویزداد شوقهم للأدب كلما وضح لهم جانباً جدیداً من عالمهم بعید المدى والاتساع. والأدب بذلك یشغفهم، ویعدهم إعداداً صحیحاً للحیاة العملیة، بما یقدم لهم من معلومات ومعارف، تمكنهم من السیطرة على عالمهم بعد أن اتضحت لهم جوانب مجهولة منه، وهم تواقون أبداً للسیطرة على هذا العالم، وتزداد حاجة الأطفال للأدب فی عصر مثل عصرنا، تتكاثر فیه المسؤولیات، وتغیّر أنماط الحیاة الیومیة بسرعة فائقة. وهو یساعد على تحسین أداء الأطفال، ویزودهم بقدر كبیر من المعلومات التاریخیة والجغرافیة والدینیة والحقائق العلمیة، ولا سیما القصة. ویوسع الأدب خیال الأطفال ومداركهم، من خلال متابعتهم للشخصیات القصصیة، أو من خلال قراءتهم الشعریة، أو من خلال رؤیتهم للممثلین والصور المعبرة. كما أن الأدب یهذب وجدان الأطفال لما یثیر فیهم من العواطف الإنسانیة النبیلة، ومن خلال مواقف شخصیات القصة أو المسرحیة التی یقرؤها الطفل أو یسمعها أو یراها ممثلة، فیندمج مع شخصیاتها ویتفاعل معها. وإضافة إلى ذلك فالأدب یعوِّدُ الأطفال حسن الإصغاء، وتركیز الانتباه لما تفرض علیه القصة المسموعة من متابعة لأحداثها، تغریه بمعرفة الجرأة فی القول، ویهذب أذواقهم الأدبیة، كما أنه یمتعهم ویسلیهم ویجدد نشاطهم، ویتیح فرصاً لاكتشاف الموهوبین منهم، ویعزز غرس الروح العلمیة وحب الاكتشافات، وكذلك الروح الوطنیة، كما أنه یوجه الأطفال إلى نوع معین من التعلیم الذی تحتاجه الأمة فی تخطیطها كالتعلیم الزراعی، والصناعی، بإظهار مزایا هذا النوع من خلال سلوك محب لأصحاب هذه المهن (1). ـ الخصائص الأساسیة لأدب الأطفال : یمتاز أدب الأطفال بالخصائص التالیة : 1- یشكل فعالیة الأطفال إبداعیة قائمة بذاتها. 2- یتطلب موهبة حقیقیة، شأن أی إبداع أصیل، فهو جنس جدید فی الساحة العربیة، إن صح التعبیر. 3- یتبع من صلب العمل التربوی، الذی یهدف إلى تنمیة معارف الأطفال، وتقویة محاكماتهم العقلیة، وإغناء حسهم الجمالی والوجدانی. 4- یعتمد على اللغة الخاصة بالأطفال، سواء أكانت كلاماً أم كتابة أم صورة أم موسیقا أم تمثیلاً. 5- یشمل جمیع الجوانب المتعلقة بالأطفال، من الأشیاء الملموسة والمحسوسة، إلى القیم والمفاهیم المجردة. وتشیر هذه الخصائص إلى الأهمیة البارزة لأدب الأطفال، التی جعلت منه موضوعاً شغل العدید من الكتّاب والأدباء فی العالم، وقد أخذ على عاتقه مسایرة الركب الحضاری والتطور الأدبی بأشكاله وألوانه المختلفة، فقد آمن عدد كبیر من الكتَّاب والأدباء والمفكرین بأدب الأطفال، وضرورة التركیز علیه، وإظهاره بشكله وممیزاته، حتى یقف إلى جانب أدب الكبار، وحتى یسهم فی خدمة الجیل الصاعد، الذین هم أطفال الیوم ورجال الغد المرتقب، فهم بناة المستقبل المأمول ورجاله. - أدب الأطفال والمجتمع : إن مرحلة الطفولة لیست منفصلة عن الحیاة التی تقتضی العیش مع الجماعة، فللحیاة الاجتماعیة خصائصها ومقتضیاتها، وللمجتمع مطالبه الآنیة والمستقبلیة، التی لا یمكن إهمالها عند تقدیم مادة أدبیة للطفل أو إنتاجها. وإن ما بین الأدب والحیاة من علاقات لا تنفصم عراها، هو ما یمیز الأدب القادر على الاستمرار ذلك الذی لا یعیش سوى زمن قصیر، فأی أدب لا یمكن النظر إلیه منفصلاً عن الحیاة، وإنما ینبغی أن یزخر بما تزخر یه الحیاة من عادات وتقالید ونظم وفن وفلسفة، والأدب إحدى الوسائل التی ابتكرها الإنسان لتیسر له فهم الحیاة، ورسم أهداف مستقبلیة لها، والنهوض بها إلى مستویات أفضل، تلبی له بعضاً من طموحاته وأمنیاته. ومما ینبغی أن یكون علیه أدب الأطفال، عدم إقراره بعیداً عن فهم طبیعة الطفل، وخصائص نموه، ومطالب الحیاة الاجتماعیة. ولعل فیما یلی من شروط للمادة الأدبیة، یمكن أن تسهم فی بناء شخصیة الطفل، وفی إدماجها فی الحیاة الاجتماعیة: 1 ـ مراعاة المادة الأدبیة لطبیعة الطفل وخصوصیتها، وخصوصیة المراحل الفرعیة التی تتكون منها. 2 ـ مراعاة متطلبات الحیاة وأهداف المجتمع، فلا قیمة لأدب من دون رسالة، وأن یحقق التوازن المناسب بین الفرد والبیئة. 3 ـ أن تمتلك المادة الأدبیة عناصر الإثارة المناسبة، التی تستدعی استجابات إیجابیة من التلقی، ومقومات تجعله قادراً على تحریك دوافع الطفل وتوجیهاً سلیماً إیجابیاً. 4 ـ الكائن البشری – طفلاً كان أم راشداً – قادر على الاتصال والتفاعل مع البیئة بوجهیها المادی والاجتماعی، وباستطاعته مواجهة تحدیاتها التی لا تراعی أصلاً خصوصیة المراحل النمائیة للإنسان، من خلال قدرة الكائن على التكیف والتلاؤم. 5 ـ مراعاة ما تنطوی علیه حاجة حب الاطلاع عند الطفل كونه باحثاً عالماً مسكوناً بهواجس التنقیب والاكتشاف والفضول، ولا یتعب من طرح الأسئلة التی یتوالد بعضها من بعض وكأنها تفیض عن نبع لا تنضب میاهه (1). - وسائل تنمیة أدب الأطفال : إن الوصول إلى التنمیة المطلوبة فی أدب الأطفال، یقتضی أن نعمل على إنجاز ما یلی : 1 ـ الاتجاه إلى الأطفال كجیل جدید، علیه أن یتسلح بقیم عربیة أصیلة. 2 ـ إیمان المؤسسات الثقافیة والتربویة، بأدب مستقل للأطفال. 3 ـ جعل الوسائط الثقافیة والتربویة، تراعی خصائص النمو عند الأطفال، وتستجیب لحاجاتهم فی التعبیر والاطلاع والإبداع، وتتوافق مع طبیعتهم. 4 ـ ربط الثقافة العربیة المعاصرة المكرسة للأطفال بمناهج التعلیم. 5 ـ الاهتمام بالثقافة العربیة، التی تتبع أسالیب تهز وجدان الطفل، وتؤكد على روح الجماعة والتعاون مع الآخرین، وتعنى بتربیة العقل والید معاً. 6 ـ إیقاف الأدب على وعی الفساد والتخلف فیما حولهم وإحلال القیم المتمثلة بالصدق، والأمانة، والإخلاص، والوفاء، والتضحیة، والروح الإنسانیة. 7 ـ مساعدة الأطفال على وعی الفساد والتخلف فیما حولهم وإحلال القیم المتمثلة بالصدق، والأمانة، والإخلاص، والوفاء، والتضحیة، والروح الإنسانیة. 8 ـ البحث عن أدوات إیصال ثقافیة جدیدة تغری الأطفال وتجذبهم. ـ إیجاد وسائل فعالیة لقیم أدب الأطفال الجید. 10 ـ الاعتماد على الأصیل من التراث، وتجسیده لربط الحاضر بالماضی، والانطلاق به إلى مستقبل أفضل. 11 ـ التأكید على تقدیم نوعیة متمیزة فی الشكل والمضمون، أی فی الكیف لا فی الكم (1). 12 ـ إنشاء حوافز معنویة ومادیة، تحث المعنیین من الأدباء والكتاب والرسامین والمثقفین على التفرغ لأدب الأطفال. إن وسائل تنمیة أدب الأطفال، التی ذكرتها، ما هی إلا صورة طموحة رسمتها من خلال الواقع، وعبر تطلعنا إلى أدب خاص بطفلنا، ویقوم بفعالیة مدروسة ومشتركة من خلال دعم الثقافة النظریة بالعمل والممارسة، لكثیر من الأنشطة العلمیة والعملیة وغیر ذلك من الأنشطة التی تتم داخل المدرسة وخارجها. وأخیراً، ینبغی أن نشیر إلى الأسس التی تدل على مكامن التجربة الإبداعیة فی أدب الأطفال : - التعریف بالقاموس المشترك للطفل فی هذه المرحلة العمریة أو تلك، وأن یستتبع ذلك إنجاز دلیل للإنسان اللغویة والتعبیریة فی مخاطبة الأطفال (المفردات، التراكیب، الصور، المجازات، الصفات، الأطفال، الألوان .. .. الخ). - التعریف بفنون أدب الأطفال، من منظور الاستراتیجیة التربویة العربیة طبیعة العلاقة بین الإبداع والجمهور، وتناغم العناصر الداخلیة للعمل مع المغزى، وتنشیط منطق العمل نحو عقلنة الخیال الشعبی وانتشاره واستخدامه، تشجیع الحوار حول سبل ترشید أدب الأطفال .. .. الخ. - التعریف بما یخالط أدب الأطفال، من مؤسسات تربویة أخرى، كالمدرسة، ووسائل الإعلام، وبحث مكانة أدب الأطفال، إزاء هذه المؤسسات جمیعها. - التعریف بمجموعة الأنماط الثقافیة، التی تكوِّن المناخ الثقافی والتربوی للطفل، فی الحكایات والأساطیر والمأثورات والتاریخ والتقالید الشفویة وسوى ذلك، وفرز ما یدخل فی مصادر أدب الأطفال، أو مؤشراته سلباً أو إیجاباً، وعلامة ذلك كله بالتغیر الاجتماعی والنهوض التربوی. - التعریف بوسائط الأطفال إلى أدبهم عبر الإجابة النوعیة على مشكلاتها بادیة للعیان فی هذا الوسیط أو ذاك، وبخاصة بعد تعدد هذه الوسائط، وانتشارها السریع إلى أوسع قواعد جماهیر الأطفال (1).
+درج شده توسط مترجم عربی - دکتر مهدي شاهرخ در چهارشنبه ۱۱ فروردین ۱۳۸۹و ساعت 17:58|