التقاء الساكنین فی اللغة العربیة
لا شكَّ أنَّ ظاهرةَ التقاء الساكنین تُحدِثُ تغییراً فی بناء الكلمات فی اللغة العربیة ونطقها وإعرابِها، وهی ظاهرةٌ تستحق الوقوف والدراسة لتَكرارها فی كلامنا الفصیح إعرابا ونطقا وضبطا.
فالتخلص من التقاء الساكنین قدیمٌ قِدمَ لغتنا العربیة، والشواهدُ علیه كثیرة من شعرنا الجاهلی والقرآن الكریم والحدیث الشریف وأقوال العرب، أما فی القرآن الكریم فقد أخذت ظاهرة التقاء الساكنین اهتماما عند الدارسین على مر العصور.
وخلاصة القاعدة فی اللغة العربیة تقول: إذا التقى ساكنان فیتم التخلص من أولهما؛ إما حذفا إذا كان معتلا، أو بتحریك أحدهما بالحركات إن كان الساكن صحیحا.
وفی أصل الكلمة الواحدة لا یجتمعُ ساكنان، وإنما الاجتماع یتم بتغییر الكلمة بسبب العوامل الداخلة علیها، أو عند وصلها بكلمة أخرى؛ فالأمرُ من (قَامَ) (قُمْ) ومن (وَفَى) (فِ) ومن (رَأى) (رَ) أو (رَهْ)، والمضارع المجزوم مِن (یقول) (لَمْ یَقُلْ) وهكذا.
مواضع التقاء الساكنین:
قیل: إنَّ العرب لا تبدأ بساكن ولا تقف على متحرك، ولكن عند تصریف بعض الأفعال یطرأ السكون على أوله فیتم التخلص منه بهمزة الوصل، ویغلِبُ ذلك فی أمر الثلاثی والخماسی والسداسی (ذَهَبَ یَذْهَبُ اذْهَبْ), (اسْتَعَانَ اسْتَعِنْ اسْتِعَانَة)، فالقاعدة تقول: یأتی الأمرُ من المضارعِ بعد حذف حرف المضارعة كما فی المثال السابق، وبما أنَّ فاء الفعل ساكنةٌ فلا بد من النطق بمتحرك، وتخلصا من هذه المشكلة جیء بهمزة الوصل للنطق بمتحرك بدایةً، وهذه الهمزة تسقط لفظا عند الوصل كما فی (وقال لهُ اذْهَبْ). وقول (إنَّ العرب لا تقف على ساكن) لیس على إطلاقه، وقد توسَّع علماء التجوید فی ذلك وأجازوا الوقوف على متحرك فی الروم أو الإشمام أو هاء السكت.
هل یلتقی ساكنان فی الكلمة الواحدة؟
لا یلتقی ساكنان خطّاً فی الكلمة الواحدة، وإنما الالتقاءُ یكون لفظا من أجل الوقوف العارض، ویكون ذلك فی وسط الكلمة أو فی نهایتها، ولا یكون فی بدایة الكلمة إطلاقا، ففی الوسط لا یكون إلا بعد مدٍّ مع التضعیف؛ كما فی (الصَّاخَّة)، (الحاقَّة)، وما شابههما، وفی الطرف إذا وَلِیَ المدَّ سكونٌ عارض مثل (رحیْمْ) (علیْمْ)، ویكون أیضًا مع حرفین صحیحین؛ الأول ساكن أصلی والثانی عارض من أجل الوقف كما فی والفجْرْ. ولیالٍ عشْرْ [الفجر: 1-2].
أما النوع الأول فیُتخلص منه بالمد، وأما الثانی الذی فیه الحرفان الصحیحان فالنطق به صعب؛ إذ تشم رائحة الحرف الأخیر شما؛ إذ یصعب نطق الساكن الأخیر إذا سبقه ساكن صحیح. ویسمى "رَوْمًا" قال السیوطی: "ولم یَجمعوا (یقصد العرب) بین ساكنین فی حشو الكلمة، ولا فی حشو بیت، ولا بین أربعة أحرف متحركة؛ لأنهم فی اجتماع الساكنین یبطئون، وفی كثرة الحروف المتحركة یستعجلون، والكثیرُ فی التقاء الساكنین یكون فی الوصل بین الكلمات كما فی قالت الأعراب آمنا [الحجرات: 14] ومثله كثیر فی القرآن وغیره من كلام العرب [1].
إذًا یلتقی ساكنان فی كلام العرب ولكن طرفاً، وزاد بعضهم: أنه تلتقی ثلاث سواكن طرفا، واستشهدوا على ذلك بالكلمات المشددة طرفا التی تقع بعد مد كما فی (جانّ) (حاجّ) (صوافّ) (تتَّبعانّ) وكذلك فی (أراْیْتْ) و(أاْنْتْ) فی قراءة ورش بالإبدال.
كیف یتم التخلص من الساكنین؟
هناك طرق عدة للتخلص من الساكنین:
1- الحذف خطاً:
- یُحذف حرفُ العلة إذا وقع آخرَ الأمر (ادْعُ) (اجْرِ) (اسْعَ)، ویعود حرف العلة مفتوحا عند اتصال الفعل بنون التوكید: (اجرِیَنْ) (ادنُوَنَّ).
- یُحذف حرف العلة إذا وقع فی الفعل الأجوفَ وسكن آخرُه كما فی (قُلْ) (بِعْ) (نَمْ) (لا تنَمْ) (لم یقلْ). وإذا تحرك آخره عادت العین المحذوفة كما فی (قُولا), (نامُوا)، (خافِی) …. لعدم تتابع الساكنین، كما تحذف العین إذا اتصلت بالفعل ضمائر الرفع المتحركة نحو: (قُلتُ)، (بِعتُ)، (قُلنَ)، (هَبْنَ). فالأصل فی (قُلْتُ) (قَوَلْتُ)؛ تحركت الواوُ بعد فتحة فقلبت ألفاً فصارت (قَالْتُ)، فاجتمع ساكنان فحذفت الألف لاجتماع الساكنین. وكذا (بِعت) (بَیَعْتُ) (باعْتُ) (بعْتُ). أما (یقلنَ) (یقْوُلْنَ) (یَقُوْلْنَ) (یقُلْنَ)؛ نقلت حركة الواو إلى الحرف الصحیح الساكن لأنه أولى بتحمل الحركة، ثم حذفت لالتقاء الساكنین.
- یحذف حرف العلة من الاسم المنقوص إذا نون بالرفع أو الجر كما فی (قاضٍ)، وتبقى الیاء بعد تنوین الفتح؛ لأنَّ الیاء فتحت وتخلصت من التسكین.كما فی (رأیت قاضیاً).
- تحذف الألف المقصورة لفظا إذا نونت كما فی (قرًى) رفعا ونصبا وجرا؛ لأن التنوین ساكن ویأتی بعد ساكن وهو حرف العلة، فیحذف تخلصا من التقاء الساكنین.
- إذا لحقت الفعلَ الماضی المعتل واوُ الجماعة أو تاء التأنیث یحذف المعتل من الفعل ویعوض عنه بحركة من جنس المحذوف قبل الألف للدلالة على أنَّ المحذوف ألف (رأى + و = رأَوْا) (غَزَى + تْ = غَزَتْ)، أما إذا وَلِیَ واوَ الجماعة الساكنة سكونٌ فتضم الواو كما فی قوله تعالى اشتَرَوُا الضلالة [البقرة: 16]، فتم التخلص من سكون الواو بضمها؛ وذلك لمجیء الساكن بعدها. وإن كان أصل المعتل (لام الفعل) واوا فتحذف ویضم الحرف الذی قبلها لمناسبة الواو: (سَرُوا) بوزن (فَعُوا) فأصلها (سَرُوُوا)؛ تحركت الواو بالضمة لمناسبة واو الجماعة واستثقلت الضمة على الواو فحذفت، ثمَّ حذفت الواو نفسها دفعا لالتقاء الساكنین.
- یحذف حرف العلة من المضارع المعتل الآخر عند إسناده لواو الجماعة أو یاء المؤنثة المخاطبة كما فی (یرمِی)، (یدنُو)، (یسعَى) فعند الإسناد تصبح (یرمُون)، (لم یدنُوا)، (لتسعَوْا). و(ترمِین)، و(تَدنِین)، و(تَسعِین). ویحرك بالفتح ما قبل المحذوف إن كان ألفا (یسعَوْن) وبالضم إن كان المحذوف واوا (یغزُون) وبالكسر إن كان المحذوف یاء (تغزِین). ویُعامل فعلُ الأمر معاملةَ المضارع؛ لأنه مأخوذ منه فیحمل علیه، (اسعَوْا) و(اسعَیْ) و(اغزُوا) و(ارمِی).
- یحذف حرف العلة من اسم المفعول المعتل العین كـ(مَقْوُول) من (قال)، (مقُوْوْل) ثم (مقُول) بحذف الواو تخلصا من التقاء الساكنین وكذلك (مَبْیُوع) من (باع)، (مَبِیْوْع) ثم (مَبیِع) نقلت حركة العین إلى الساكن قبلها فالتقى ساكنان فحذفت واو المفعول.
- تحذف ألفُ المصدر من (إفعال) و(استفعال) إذا كان الفعل معتل العین مثل "أقام إقامة واستقام استقامة" فأصلهما: (إقوام) و(استقوام)، نقلت حركة العین - وهی الفتحة - إلى الساكن قبلها، فالتقى ساكنان: عین الكلمة والألف، فحذفت الألف لالتقاء الساكنین فصارتا "إِقَوْمَا" (بكسر ففتح فسكون) و"استِقَوْما" (بكسر التاء وفتح القاف وسكون الواو) فقلبت العین ألفا لتناسب الفتحة قبلها، فصارتا "إقاما واستقاما" ثم عوض المصدر من ألف الإفعال والاستفعال المحذوفة تاء التأنیث. واختصاراً عندما نقول (أكرم) فالمصدر (إكرام) على وزن (إفعال) وفی (أعان) (إعاان) (إفعْال) فالتقى ساكنان فیحذف عین الفعل (الألف الأولى من إعاان) ویعوض عنها بتاء التأنیث فتصبح على وزن (إفالة) وكذا فی (استعان).
- إذا لَحِقَ مضارعَ الأفعال الخمسة نونُ التوكید مثل (لیقولونّ) فتصبح (لیقولُنّ)؛ لأنَّ أصل الكلمة (لیقولونْنَّ) ففی هذه الكلمة ثلاث نونات؛ نون الرفع والنون الأولى الساكنة المدغمة والنون المشددة المفتوحة الآخر ثم حذفت نون الرفع لتوالی الأمثال، فالتقى ساكنان واوُ الجماعة والنونُ الأولى الساكنة من النون المشددة المفتوحة الآخر, فحُذِفت واو الجماعة تخلصاً من التقاء الساكنین، وبقیت الضمة على اللام للدلالة على المحذوف. وهكذا فیما یقاس علیه.
- تعود الفتحة إلى آخر المضارع المجزوم إذا اتصلت به نون التوكید الثقیلة أو الخفیفة مثل: (والله لتجتهدَنَّ)، ویعرب عندها فعلَ مضارع مبنیاً على الفتح لاتصاله بنون التوكید فی محل جزم؛ وذلك لأنَّ التنوین ساكن و(لتجتهدْ) مجزوم فیتم التخلص من السكون الأول ببنائه على الفتح.
2- وأما الحذف لفظاً فكثیر فی لغتنا العربیة وأهمه:
- تُحذف الألفُ المقصورة لفظا إذا نُوِّنت كما فی قُرًى وهُدًى رفعاً ونصباً وجرّاً؛ لأن التنوین ساكن أتى قبله ساكنٌ وهو حرف العلة فتحذف الألف تخلصا من التقاء الساكنین.
- تُحذف حروفُ العلة إذا وَلِیَها ساكنٌ كما فی (وفی السماء) و(على الأرض) ففی السماء تم حذف ثلاثة أحرف هی یاء (فی) وهمزة الوصل واللام الشمسیة من (السماء) التی عُوِّض عنها بتضعیف السین، أما (على الأرض) فحذف حرفان هما ألف (على) وهمزة الوصل من الأرض. وأمثلته كثیرة فی اللغة العربیة.
- تحذف همزات الوصل من (ابن) و(اسم) و(امرؤ) و(امرأة) وغیرها من الأسماء المبدوءة بهمزة وصل وكذلك المصادر والأفعال المبدوءة بهمزة وصل وأل التعریف إذا سبقت بساكن كما فی (یا ابن الأكرمین) وسبحِ اسْم ربك الأعلى [الأعلى: 1]، وقالوا اتخذ [البقرة: 116]، تحذف الواو فی (قالوا) وهمزة الوصل فی (اتخذوا) وهذا كثیر فی لغتنا العربیة.
- حذفت الهمزة من مضارع (رأى) لالتقاء الساكنین فأصل المضارع من رأى (یرْأَیُ) بوزن (یَفْعَلُ)، استثقلت الضمة على الیاء فحذفت، ثم قلبت الیاء ألفاً لمناسبة الفتحة، أو نقول: تحركت الیاء بعد فتحة فقلبت ألفاً، ونقلت حركة الهمزة إلى الحرف الصحیح الساكن قبلها، ثم حذفت لالتقاء الساكنین: الهمزة والألف فأصبح الفعل (یرى) [2].
3- حذف التنوین والنون:
یحذف التنوین من اسم العلم إذا وصف بـ(ابن) كـ"محمدُ بْنُ عبد الله"؛ لأن محمداً ینتهی بتنوین، والتنوین ساكن الآخر وجاء بعده الباء الساكنة من (بن) فالتقى ساكنان وللتخلص من هذه الظاهرة تمَّ حذف التنوین من (محمدٍ) ولا یحذف التنوین من آخر العلم إذا كان (ابنٌ) خبراً كجوابنا: (محمدٌ ابنُ عبد الله) لمن یسأل (منْ محمد؟) فأثبتت همزة الوصل فی (ابن) لأنها وقعت خبراً لا صفة، والواجب الوقف عند نهایة العلم الأول إن كان مصروفا ولفظ همزة (ابن) بالحركة. وعلى هذا یقرأ من یقرأ قل هو الله أحدُ اللهُ الصمد [الإخلاص: 1-2] ترك التنوین من (أحد) وأما من یقرأ فی التوبة وقالت الیهود عزیرٌ ابن الله [التوبة: 30] بالتنوین فإنه ینون لأنه خبر ولیس وصفا، وقد ذهب بعضهم إلى أنَّ التنوین إنما سقط لالتقاء الساكنین [3].
4- التخلص بالحركات:
ویكون التخلص من التقاء الساكنین بالحركات والمقصود بالحركة هنا: تحرك الحرف بأحد الحركات الثلاثة (الفتح، الضم، الكسر) وأشهرها:
- الكسر وهو الأصل فی التخلص من التقاء الساكنین بالحركات وقاعدتُه إذا وَلِیَ الساكنَ حرفٌ صحیح ساكن یحرَّك الأول بالكسر كما فی قالتِ الأعراب [الحجرات: 14] قلِ الله [النساء: 127] (لا تهملِ الواجب) وكذلك فی قوله تعالى: فنعِمَّا هی [البقرة: 271] وأصله (فنِعْمَ ما) فأدغمت (نعم) بـ(ما) فلزم تسكین المیم الأولى فالتقت مع العین الساكنة وللتخلص من سكونها تمَّ كسر العین، وهناك من قرأ بإبقاء الساكنین فی العین والمیم وهی قراءة متواترة قرأ بها قالون عن نافع وأبو عمرو البصری وشعبة عن عاصم بخلاف وأبو جعفر بلا خلاف. وكذلك هی مرسومة متصلة للإدغام وكذلك تَعْدُّوا یَهْدِّى اسْطَّاعوا.
- ذكر ابن هشام فی مغنی اللبیب من أن (ذلك) أصلها ساكنة اللام مثل (تلك) فالتقى ساكنان (الألف واللام) فحركت الثانیة بالكسر.
- تكسر واو (أوْ) إذا ولیها ساكن كما فی أوِ اخْرجوا [النساء: 66] أوِ انْقُص [المزمل: 3].
- إذا نون الظرف (إذْ) كما فی (یومئذٍ) و(حینئذٍ) و(عندئذٍ) فإن (إذ) ظرف مبنی على السكون دخل علیه التنوین (تنوین عوض عن جملة) فالتقى ساكنان: الذال والنون الساكنة (التنوین) فحركت الذال بالكسرة للتخلص من التقاء الساكنین فأصلهما (یومئذِنْ) - (حینئذِنْ) - (عندئذِنْ).
ویحرك بالفتح إذا كان المضارع المجزوم مشددا فنقول لم یشدَّ والأصل لم یشدْدْ فتوالى ساكنان فحرك الثانی بالفتح، والفتحة لخفتها، أو بالكسرة لأنها الأصل، وإذا كانت عین الفعل مضمومة جاز التحریك بالضم أو الكسر إتباعاً للعین فنقول: لم یَعُدَّ، لم یَعُدِّ، لم یَعُدُّ.
ویتخلص من السكون فی مثل (كانتْ) إذا أضیف لها ألف كما فی (كانتا) و(خانتاهما) فإن تاء التأنیث حرف مبنی على السكون فدخلت علیها ألف التثنیة وهی ساكنة ففتحت التاء للتخلص من التقاء الساكنین ولا یكون قبل الألف من الحركات إلا الفتح.
وكذلك مثل (ذالكما – تلكما) مما دخل فیه ألف التثنیة على میم الجمع الساكنة فتحركت المیم بالفتح تخلصاً من الساكنین. وكذلك كل فعل أمر مبنی على السكون (آخره حرف صحیح) دخلت علیه ألف التثنیة كما فی (انطلقْ) – (اركبْ)، فصارا: (انطلقَا) – (اركبَا).
ویحرك بالفتح أیضاً نون (مِنْ) الجارة فالأصل فی نون (من) الجارة أن تكون ساكنة إذا ولیها متحرك كما فی (منْ قبلك) أما إذا ولیها (أل) التعریف فتحرك بالفتح كما فی قوله ومِنَ الناس من یقول [البقرة: 8].
ویحرك بالضم میم الجمع الساكنة: وهی میم زائدة عن بنیة الكلمة الدالة على جمع المذكر حقیقة أو مجازا، ولا یكون الساكن بعد میم الجمع فی القرآن إلا همزة وصل فإذا ولیها متحرك تبقى ساكنة كما فی قوله تعالى: سواء علیهمْ أأنذرتهمْ أمْ لمْ تنذرهمْ لا یؤمنون [البقرة: 6].
وإذا ولیها ساكن كما فی قوله تعالى: فأخذتكمُ الصاعقة [البقرة: 55]، أنفسكمُ اسْتكبرتم [البقرة: 78]، وتقطعت بهمُ الأسباب [البقرة: 166].
ویحرك بالضم واو الجماعة كما فی وعصَوُا الرسول [النساء: 43] فتمنوُا الموت [البقرة: 94]؛ للتخلص من التقاء الساكنین، ولو ولیها متحرك لبقیت ساكنة مثل: واخشَوْا یوما [لقمان: 33]، لبَغَوْا فی الأرض [الشورى: 27]؛ لانتفاء السبب.
5- النبرة:
النبر عند العرب ارتفاع الصوت یقال نبر الرجل نبرة إذا تكلم بكلمة فیها علو وأنشدوا:
إنی لأسمع نبرة من قولها فأكاد أن یغشى علی سرورا
والنبر صیحة الفزع، ونبرة المغنی رفع صوته عن خفض، ونبر الغلام ترعرع، والنبرة وسط النقرة، وكل شیء ارتفع من شیء نبرة لانتباره [4]. ویقصد بالنبرة قرع الحرف حتى یظهر صوته دون غیره، والنبرة علامة لحذف الحرف المعتل إذا ولیه ساكن وكان هذا المحذوف یخل بتركیب الجملة أو یحصل التباس بینه وبین غیره؛ فتقول للمفرد (كتب الواجب) ولا یفرق بینه وبین المثنى (كتبا الواجب) باللفظ إلا إذا نبرت اللام فی الواجب للدلالة على حذف ألف كتبا.
ومثله: وقالا الحمد [النمل: 15] تحذف ألف التثنیة فی (قالا) حال الوصل للساكنین وینبر باللام من (الحمد) للدلالة على حذف الألف الأصلیة لا الفتحة حتى لا یلتبس (قالَ الحمد) و(قالا الحمد).
6- المد:
المد هو إطالة الصوت بحرف من حروف المد الثلاثة عند ملاقاة همز أو سكون كما قال علماء التجوید، فالسكون ظاهر العلة، وأما الهمز فربما لأنه من أقوى الحروف فعند لفظه كأننا نلفظ حرفاً مضعفا أی حرفین ساكنا ومتحركا أو مقلقلا فأخذ حكم المد للتخلص من التقاء الساكنین، كما فی (الملائكة)، (بما أنزل) ….. إلخ "ووجه المد هو أن حرف المد ضعیف والهمز قوی فزید فی المد تقویة للضعیف عند مجاراة القوی. وقیل للتمكن من النطق بالهمز لأنه مهجور" [5]
والمتمعن فی هذا التعریف یرى أن سبب المد هو التخلص من التقاء الساكنین فالهمزة عند لفظها وسطا وآخرا تتكون من صوتین الصوت الأول ساكن والثانی متحرك یخرج من أقصى الحلق، متمیزا بنبرته عن باقی الحروف. فالمد یقوم مقام الحركة وذلك أن الحرف یزید صوتا بحركاته كما یزید الألف بإشباع مده.
أما المد الذی یلیه سكون أصلی فیكون لازم المد ویكون بعد تضعیف وهو الأكثر كما فی (الضالَّین) و(الحاقَّة) و(دابَّة) وهو ما سماه علماء التجوید كلمیا مثقلا وأما الكلمی المخفف فملحق به لأنه قلیل ویخلو من التضعیف ومواطنه قلیلة وهی (ءالآن) فی موضعین بسورة یونس. ویلحق به المد الحرفی أیضا بنوعیه المخفف والمثقل كما فی (ألـمـ).
7- المد العارض للسكون:
عرَّف علماء التجوید المد العارض للسكون بأنه مد لأجل السكون العارض إذا سبقه حرف مد، فالمد زیادة فی صوت حرف المد بمقدار أربع حركات أو خمس أو ستٍ، وعند المد یتم التخلص من توالی الساكنین وهما حرف المد والساكن الذی یلیه لفظا، وكل مد ساكن، ولكن إذا مد فإنه یشبه المتحرك كما فی الرحیمْ الدین ویلحق به مد اللین كما فی (الصیف) و(خوف) وكل مثنى مجرور أو منصوب عینین النجدین …… إلخ.
وهكذا نجد أنَّ العرب تتخلص من التقاء الساكنین إما بالحذف أو تحریك أحد الصحیحین أو بالمد أو بالنبرة وذلك لأن توالی الساكنین ولا سیما فی وسط الكلمة ضعف فی اللغة وبما أن العربیة من أقوى وأجمل اللغات فإنها تنساب من متحرك إلى متحرك أو من متحرك إلى ساكن ثم تنطلق إلى متحرك وهذه الحركة المتناغمة تضفی علیها رونقا لا یشعر به إلا أصحاب الذوق السلیم.
حواشی
[1] السیوطی، الأشباه والنظائر فی النحو، تحقیق عبد الإله نبهان مطبوعات مجمع اللغة العربیة بدمشق 1985 ج1/ص172.
[2] عاصم البیطار، النحو والصرف، جامعة دمشق 1988م.
[3] السیوطی، الأشباه والنظائر فی النحو، تحقیق عبد الإله نبهان مطبوعات مجمع اللغة العربیة بدمشق 1985 ج1/ص2.
[4] لسان العرب ج5/ص189.
[5] البرهان فی تجوید القرآن، محمد صادق القمحاوی.
+درج شده توسط مترجم عربی - دکتر مهدي شاهرخ در چهارشنبه ۱۱ فروردین ۱۳۸۹و ساعت 18:59|