البنائیة الأسطوریة عند السیاب
فی قصیدة
(سربروس فی بابل)
فی قصیدة
(سربروس فی بابل)
تقدم
لنا التصورات البنائیة بطابعها الأسطوری ابنیه تركیبیة تشیر الى عملیة
البناء الذی یتعلق بالكیفیة التركیبیة للنصوص الشعریة ، هذه الابنیة التی
تقوم بتصور الوقع الاسطوری بوظیفة ذهنیة بفرز نموذج یقیمه الفعل العقلی بعد
الفراغ من عملیات التشكیل المدروسة بتراتبیة بنائیة وهی توجد بالقوة
التصوریة ، وبفعل التمثیل بمعالمها حتى یصل بالمبحث الاسطوری الى الدراسة
المستفیظة والحالة المتتابعة للاحتمالات التی یتسع لها مصطلح البنائیة
الاسطوریة عند السیاب ، وان التصمیم الذی یتعلق بهیكلیة هذه المنظومة
الاسطوریة باعتبارها منظومة تتعلق بالكشف الحسی والادراك الظاهر للخصائص
المتمثلة فی العنصر التركیبی للصورة التجریبیة للاسطورة وهی تعتمد على رموز
عملیات التوصیل المتشكلة بالوقائع وان تعریف البنائیة الاسطوریة للشعر
بانها اٍحكام دقیق لعملیات التولید الذهنیة بوقائع تتمثل فی الوصف لبنیة
القصیدة عبر الاجابة على اسئلة تقتضی التمییز بین هذه التصورات المختلفة
للبنیة الاسطوریة وهو الاصطلاح الذی تحدده نتائج ذات طابع موضوعی یحتكم فیه
التولید والخلق الشعری الى اسس معرفیة . والسیاب اتخذ من هذه الوحدات
البنائیة للاسطورة المكون المتشكل وفق قوانین الصیاغة وعنصر التمییز بین
المنظومة الاسطوریة وطبیعة الوقائع التی تتصل بالظاهرة الصوتیة للقصیدة الى
جانب رمزها المتمثل بالقدرة على اثارة هذه التصورات الذهنیة من الناحیة
الدلالیة ، وعلیه فان العناصر التی تتعلق بالجانب الاتصالی الصوتی للمفردة
الشعریة الذی نسمیه العنصر الموضوعی لحركة الاسطرة ، وقصیدة السیاب (سربروس
فی بابل ) هی نسج اتصالی لحلقة مفقودة داخل هذه الوقائع فی العراق وان
اساسیاتها مرتبطة بحالة التشابه البنائیة من الناحیة الاسطوریة بین المدلول
الخارج للحدث ، والمدلول الداخلی لتركیبة البنیة السیاسیة فی العراق وهی
البنیة الموضوعیة التی تكشفت للوهلة الاولى بالسیطرة الاستعماریة على
العراق واقامة منظومات سیاسیة خاویة وخائبة قامت بتجریدها للاشیاء وفق حجة
(البنائیة السیاسیة الجدیدة) وقد تشكلت هذه البنائیة السیاسیة على مجموعة
من المنظومات السیاسیة ذات الدلالة الخارجیة وقد مثلت هذه المنظومات احكاما
اسطوریة شكلت فی حینها اتجاها ت تاریخیة وشخصیة اعطته رؤیة جدیدة لعالم
اسطوری تكمن فیه هذه الصورة البشعة المحكومة بالعلاقات المطلقة احیانا
والمباشرة من الناحیة الفوضویة فی بناء هذه المنظومات. والبنیة الاسطوریة
عند السیاب خاضت غمار هذه الصراعات متصلة بتركیب النص الشعری ونسجه اللغوی –
والصوتی الخفی الذی یظهر فی اسطورة ( سربروس فی بابل) وهو الكلب الذی یحرس
( مملكة الموت) فی الاساطیر الیونانیة القدیمة حیث یقوم عرش (برسفون) الهة
الربیع بعد ان اختطفها اله الموت وقد صور دانتی (فی الكومیدیا الالهیة )
حارسا ومعذبا للارواح الخاطئة( ).
والسیاب یمیز بین البنیة من ناحیة الاسلوب الاسطوری وهی تتصل بتركیبة النص والبنیة المتعلقة بالنسج اللغوی الاسطوری ، وفی الحالة الثانیة یتشكل النص الشعری عند السیاب حیث نرى البنیة تتصل بالحكایة ووظیفة الزمن والشخصیات وهیكل الاحداث الذی یشكل الخلیة اللغویة بمستویاتها الصوتیة وامكانیاتها البنائیة فی تاكید مهمة النص الشعری واهتمامه بفروع المعرفة الصوتیة المتخفیة والمضمرة داخل النص الشعری وهی تبحث عن الاسس النظریة لكی تجعل البحث النظری داخل هذه النصوص هی من الاهتمامات المتعمقة فی اشعار القاریء الجاد بان هناك معطیات عدیدة تقوم بعملیة التحلیل لهذا الاشعار الصوتی الخفی وهو یبلور نقطة عمیقة الجذور فی خلق هذا الكشف الدقیق للخصائص الاصیلة فی نظم الایقاع الصوتی الخفی، وقد یظهر هذا النظم عند السیاب وفق تراكیب عدیدة من الاختلافات ذات الدلالات العمیقة وهی القادرة بالمقابل على اضاءة حقائق قیمة ترتبط بالبنیة الاسطوریة وعقول تلك المجامیع البشریة التی تعین هذا الفهم من التطورات التی تحدث فی هذه التشكیلات ذات النظام الایقاعی الظاهر وفق اسس جذریة تتعلق بالدور التكوینی لاساسیات التوازن الاسطوری من الناحیة اللغویة الذی یقوم به التركیب الشعری وفق الصیغة الكیفیة من منظومة اللغة وتفاصیلها الصوتیة الخفیة التی تبلغ عنصر المبحث الشعری الذی یركز على المنظومة الایقاعیة التی تتناسب والمجال الطبیعی لحركة الاسطورة فی (سربروس فی بابل) وهنا یتشكل الفضاء الاسطوری عند السیاب بواسطة مركبات متعددة المستویات یطغی علیها الفعل الدلالی داخل اختلافیة للبنیة وفق قیمة دلالیة للمعنى بانكماش مجال التعدد للمعانی وازدیاد الاكتمال فی الفائدة التی تجعل ثراء المضمون من الناحیة الفنیة هو الجانب الامكانی فی الاستبعاد للمعانی المترهلة ،ونحن مع رای الجرجانی فی المعنى الذی (ینقسم الى قسمین)(قسم انت ترى احد الشاعرین فیه قد اتى بالمعنى غفلا ساذجا ، وترى الاخر قد اخرجه فی صورة تروق وتعجب)( ) المعنى الذی یاتی غفلا وفی الصورة الاخرى الذی یاتی مصنوعا ویكون ذلك اما لانه متاخرا قصر عن متقدم واما لانه هدى متاخرا لشیء لم یهتد الیه المتقدم. مثال ذلك:
قال البحتری:
لیل یصادفنی ومرهفة الحشا
ضدین اسهره لها وتنامه
وقول المتنبی :
وقیدت نفسی فی ذراك محبة
ومن وجد الاحسان قیدا تقیدا
وقول المتنبی:
وماثناك كلام الناس عن كرم
ومن یسد طریق العارض الهطل
وقول الكندی:
عزُّوا وعزَّ بعزهم من جاوروا
فهم الذرى وجماجم الهامات
فی هذه الابیات تتشكل الصور بعملیة اختلافیة ، وان البنائیة الشعریة التی تقول (ان المعنى فی هذا البیت هو المعنى فی ذلك ولاخلاف فی معنى عائد الیك فی البیت الثانی فی هیأته وصفته، وان الحكم فی البیتین كحكم الاسمین فی منظومة اللغة مثل (سربروس فی بابل) حسب ماتقوله الاسطورة الیونانیة ، ولكن السیاب جمع (سربروس) وهی كلمة یونانیة مع كلمة تخص حضارة بابل وسربروس كلب یحرس مملكة الموت فی الاساطیر الیونانیة – ولاعلاقة بین سربروس وبابل لان الكلمة الیونانیة لایجمعها جنس واحد مع بابل لان بینهما اختلاف كبیر فی تفاصیل المعنى ولكن هناك تطابق بین سربروس ووجوده الان فی العراق ، والسیاب كان یمیز بین هذه الاساطیر ومسمیاتها لانها تؤدی وظیفة تكاد تكون مطلقة من الناحیة الفنیة وهی تتمازج وتتداخل وتنسجم مع خواصها الاسطوریة برغم التصویر المتناقض فی نظر السیاب الذی انتج هذا التناقض فهو السبیل الى حالة الصیرورة الوجودیة واستمرار الحیاة برغم الاحتلال ورغم مایحدث من انتهاكات مریبة وهذا یذكرنا بقصیدة السیاب (وصیه من محتضر) حین یقول:
این العراق؟ واین شمس ضحاه تحملها سفینة
خیر البلاد سكنتموها بین خضراء وماء
هی جنة فحذار من افعى تدب على ثراها .
هذا یعنی ان الرمز الاسطوری عند السیاب كان رمزا ستراتیجیا فی بابل ولو كان الناقد المبدع عبالجبار عباس حیا لغیر رایه فی مفهوم الاسطورة عند السیاب لجعلها مفهوما ستراتیجیا ولیس كنایة بلاغیة ولیس فرصة للتلذذ باكتشاف الحقائق او الاختفاء وراء هذه الرموز ، وان الوظیفة الاسطوریة لاتنتهی بمجرد الانكشاف للقاریء لتشكیلة هذه الرموز وان سربروس هو لیس رمزا للطاغیة قاسم فقط انما هو رمز لاكبر احتلال عسكری (امیركی بریطانی للعراق) فی العصر الحدیث وفی هذا السیاق اتذكر قال لی الناقد الانطباعی المبدع عبدالجبار عباس ( انی كتبت كتاب السیاب بشكل سریع) ثم یستدرك الناقد الراحل فی الصفحة (196) من كتابه السیاب قائلا ( ان السیاب عمد الى الاكثار من الاساطیر لحاجة تنكریة) ویقول ( ان الاساطیر فی شعره لیست حلیة جمالیة تضاف الى قصائده ویمكن الاستغناء عنها ، بل امست ضرورة فنیة واسلوبا راسخا یبنی به قصیدته حتى لو لم یكن ثمة حرج من مضمون القصیدة بدلیل انه عمد الى هذه الاساطیر فی هجائه للشیوعیین فی قصیدة ( رؤیا 1956) وهذا اعتراف من الناقد المبدع عبالجبار عباس بان الاساطیر تؤدی وظیفة تنكریة قد یصح فی قصیدة ( سربروس فی بابل )( ) وهو رمز اسطوری عبر عن خیبة امل سیاسیة لم تحقق الحلم المنشود فی العراق .
یقول السیاب :
لیعوِ سربروس فی ا لدروب
فی بابل الحزینة المهدمة
ویملأ الفضاء زمزمة ،
یمزق الصغار بالنیوب ، یقضم العظام
ویشرب القلوب
عیناه نیزكان فی الظلام
وشدقه الرهیب موجتان من مُدى
تخبیء الردى .
و العلاقة التی تربط الاسطورة باللغة تكون من خلال ابراز الصورة ومظاهر التكوین فی التشكیلة المرئیة للصورة الشعریة وهی تقتضی رسالة لغویة تحدث داخل مجموعة من الاشیاء وهی تنتقل الى السیاق الاسطوری فی اللغة ، لانها تتخلل اللحظة الحرجة فی التصور داخل مكون لغوی اسطوری یتمتع بالمعنى الدلالی للاسطورة وهو مقتضى جدید لانطولوجیا الاسطورة عند السیاب حیث تعود هذه الجذور الى مفهوم الحاضر الوجودی فی فلسفة الاسطورة وفی اللحظة الراهنة عند السیاب وهو یكتب النص الشعری لانه أقتضاء یتعلق ببیان هذا العنصر الوجودی للاسطورة وملامحه الحاضرة فی مسار التذكیر الواقعی فی (سربروس فی بابل) وهو ایضا الزامی فی تبیان الموجود فی الحاضر ، والامر یتعلق فی مسار الكلب الذی یحرس مملكة الموت فی الاساطیر الیونانیة باعتباره لحظة خطابیة راهنة تتعلق بالحدث التاریخی للاسطورة لانه الكشف عن القیمة الاسطوریة فی ثنایا وجودها الذی تمیز بالتحدیث فی اطارها الفلسفی وهو تساؤل عن اللحظة ودلالتها اللغویة ومدى الامكانیة التی توفرها الاسطورة فی تدشین التحدیث كمسار یتمحور داخل منظومة التاریخ التی ارست الاشكالیة التقنیة كما تفسرها النصوص الاسطوریه ، وهی قیمة تقع فی مركزیة حركة التاریخ لانها اثبتت خصوصیة هذا التحدیث الاسطوری داخل نصوص السیاب الشعریة ، والسیاب اسس هذا التوازن الاسطوری فی فلسفة التحدیث وعمد على نقله خطابیا داخل شروط امكانیه ومعرفیة وهی تتحرك بملاحظة جد تحدیثیة وفق مقتضیات الحالة الراهنة ، فالكلب (سربروس ) هو نفس الكلب الذی یجوب العراق من شماله الى جنوبه حالیا وهو نفس العراق المهدم وسربروس الذی یمزق اطفاله( بالنیوب ویقضم العظام) وینشر الخراب والمكان هو العراق ولبنان وفلسطین الحقول التجریبیة فیما یتعلق بتحلیل النص الشعری بانطولوجیا الحاضر، ویرى السیاب ان التشخیص الدقیق لفلسفة الاختیار الاسطوری فی اللحظة الراهنة هو الشكل الممتد داخل اسس منهجیة تندرج داخل النص الشعری ،هذا المنهج اللاسطوری هو الذی شكل حفریات المعرفة منذ البدایة لدى السیاب وهو التجسید الحقیقی لما یحدث باختیار یمتد عبر التاریخ . والسیاب حول هذا الرصد للوحدات الاسطوریة بتجذیر یتعلق بالمقولات الواعیة التی تولدت بلغة اتصالیة عالیة الوقع بعد ان قوض مفهوم الوظیفة التنكریة للاسطورة التی اشتملت الحس التاریخی الذی یلوذ به السیاب كما یتهمه البعض من النقاد هنا وهناك فی كتب النقد ، فالسیاب لابس التاریخ بالاسطورة وبشكل تحدیثی باعتبارها تحول فی الانساق وتباین فی الانشطار الذی اصبح یطبع مسار النص الشعری للسیاب .
اشداقه الرهیبة الثلاثة احتراق
یؤج فی العراق-
لیعِو سربروس فی الدروب
وینبش التراب عن الهنا الدفین
تموزنا الطعین،
یاكله : یمص عینیه الى القرار ،
فی هذه الابیات یشكل المنظور اللغوی بانساق فلسفة الاسطورة واقعا جدلیا یستطلع اشكالیة التاریخ ، اننا نستطیع ان نفكك هذا التشكیل فی اللغة الاسطوریة وفق انموذج بنائی یعكس دعامة الوجود الصوتی الخفی للنص وفق مركزیة الماضی والحاضر ووفق رؤیة ارسطیة تفترض التاسیس اللغوی باقتراب یصور تدرج هذه العملیات وفق زمنیة لغویة تتقدمها المصدریة السیكولوجیة وفق منظومة تعتمد الثنائیة ( السیكولوجیة) الذهنیة فی استعمال یجذر التعیین بنظریة اللغة وذهنیة القدرة التطبیقیة للاسطورة واعادة تشكیل الوعی باستدعاء حركیة التاویل لنمطیة التفكیك الارسطی لهذه الوحدات التی تشكلت بنواة النظریة البنائیة فی اللغة ، فالسیاب افصح عن الابنیة النصیة باحتیاطی وفره ببناء سابق فی حلقة القص الاسطوری ورهافة فی النسج الشعری حیث طور هذه التكوینیة الاسطوریة بمشاهدة وسماع (العواء لسربروس) فی الدروب وفق منطق اجرائی انتجه السیاق الفلسفی للنص وفق انتقائیة تاملیة ماخوذة من تجربة الیباب لالیوت وعملیة النبش فی التراب والبحث الدقیق فی ثنایا التركیب للاسطورة فی (تموزنا الطعین) والسیاب واصل تتبع الواقعة المحسوسة سسیولوجیا انه الفعل العملی لتجمیع الحدود الفلسفیة للاسطورة داخل بوتقة التفكیك التعاقبی الذی شكله الصوت فی (یاكله یمص عینیه الى القرار) وهذا تحول فی المنظور الرؤیوی عند السیاب فی فلسفة اللغة الاسطوریة من وجهة النظر المركزیة للابنیة النصیة وهی تقوم بتاهیل الوعی الاسطوری من وجهة نظر دالة وشروح تمرر هذا الارث الفلسفی للاسطورة عند السیاب .
یقصم صلبه القوی، یحطم الجراء
بین یدیه ، ینثر الورود والشقیق .
اواه لو یُفیق
الهنا الفتیُ، لویبرعم الحقول ،
لو ینثر البیادر النضارفی السهول،
لو ینتضی الحسام ، لویفجر الرعود والبروق والمطر
ویطلق السیول من یدیه. اه لو یؤوب !
ان المباشرة بتمثیل العودة لحقیقة بعث الحیاة من جدید لانها العنصر الوسیط الذی یربط بین لغة التمثیل هذه من الناحیة (السیمیولوجیة) لانها تفعل فعل التجاوز لحدود اللغة العادیة ای لغة الاداة الى لغة الاسطورة الفلسفیة وهذا موضوع یعكس المبحث (السیمیولوجی) فی وحداته الدالة الكبرى لان المنحى اللغوی الذی ینتهجه السیاب فی هذه الاشكالیة هو منحى الرسائل المشفرة التی تتواصل مع العام الاسطوری لفلسفة اللغة وفق دراسة بنائیة تتموضع داخل الوظیفة الشعریة لانها الاهمیة الدقیقة فی اقتضاء الضرورة لان السیاب یقوم بایقاف الانماط التقلیدیة للغة ذلك بانتقاله الى العمق لینشر البیادر النضار فی السهول ، فهو یربط التفاوت الاختلافی فی اللغة وفق سیمیولوجیا تاسیسیة لرموز اسطوریة یستخدمها السیاب كرسائل مشفرة یحاول ان یتواصل مع الرمزیة التقلیدیة للغة وبالمحاور اللغویة الاوسع فی ظل سیمیولوجیة التواصل (الانثروبولوجی للغة) (لو ینتضی الحسام ، لویفجر الرعود والبروق والمطر ) ویطلق السیول من یدیه . اه لو یؤوب !) وهذه حالة التصنیف للابنیة اللغویة وفق تلك المعاییر المشفرة عند السیاب من الناحیة الاسطوریة . والسیاب اعتمد علاقة التجاور الحسی فی اللغة، فالاشارة عنده ترتبط (بالدال والمدلول) وهی تتجاوز المنحى الواقعی الى مشهد الواقع الاسطوری ، وهناك علاقة ایقونیة تتمركز فی الدال والمدلول فهی ترتبط بالمشاركات الشكلیة وتظهر اثناء القراءة او فی التصویر اللغوی للمشهد فی حقیقته الاسطوریة ( الهنا الفتی لو یبرعم الحقول). لقد اتخذ السیاب فی بنائه الاسطوری دلالة تحدیثیة قائمة بین ماحدث فی العراق فی المرحلة الماضیة ای فی العام 1959 وبین ما یحدث الان من اشكالیات وتجاوز فی ظل الاحتلال العسكری الامیركی البریطانی للعراق ، ففعل التشابه قائم بین المرحلتین التاریخیتین قبل العام 1958 وامتداداتهما فیما بعد وما حصل من نزاعات سیاسیة ، هذه التركیبة او المعادلة الرمزیة فهی تؤكد الدال والمدلول فی الرابطة الفعلیة بین الداخل والخارج والحالة الرمزیة التی لم تنفصل لانها تمثل مرجعیات رمزیة واسطوریة مختلفة ، واننا نلاحظ هذا التنوع التدریجی القائم على الانتقال داخل الحدث التاریخی من مرتبة تحدیثیة فی النص الى مرتبة تحدیثیة اخرى وهی تتشكل من الناحیة اللغویة على اساس تقلیدی فی عملیة تفصیل الحدث كما قلنا فی بدایة هذا البحث ، الا ان الوظیفة الاسطوریة هی التی تخضع هذه المستویات من البنیة اللغویة الى الحالة الضروریه فی تكوین الصیرورة ، وهو مظهر اشاری مشفر عند السیاب لانه یكتسب اهمیة (سیمیولوجیة) من ناحیة انتاج الرمز الاشاری لیتفاعل مع العناصر الایقونیة التی تتمثل فی الدوائر اللغویة المشفرة مع الاخذ بعین الاعتبار الرموز اللغویة الاداتیة التی تنبنی بالتقابل مع هذه المفاصل الرمزیة المحددة بالسیمیولوجیا الثقافیة وهی تضفی على النص عدة من الدلالات والاعتبارات السسیولوجیة العامة .
یقول السیاب:
لحافنا التراب ، فوقه من القمر
دم ، ومن نهود نسوة العراق طین .
ونحن اذ نبض من مغاور السنین
نرى العراق ، یسال الصغار فی قراره :
(ما القمح ؟ ماالثمر ؟ )
ماالماء ؟ ماالمهود ؟ ماالاله ؟ ماالبشر ؟
فالتقسیم الذی تمحور فی العلاقة السیمیولوجیة الخاصة بین (سربروس الامیركی فی العراق) وهی الاشارة التی تتضمن العلاقة بین الدال والمدلول وفق منظومة (داخلیة وخارجیة) وهی ترتبط باشارات تتكون من سیاقات متجاورة ومعروفة ، اما التشابه الحسی (لسیمیولوجیا اللغة) التی تركزت على التجاور الواقعی وفق انموذج لغوی اسطوری واضح وهو یشیر الى العلاقة الایقونیة بین الدال والمدلول بالمشاركة النوعیة التی تظهر للمتلقی لهذه الابیات الشعریة التحدیثیة عند السیاب لتضع التشابه وفق النسبة والتناسب فی اطار مراحل تاریخیة تتجلى فیها المشاهد (السسیولوجیة الحسیة) وتلتقی فیها الصیغ المتناظرة بقساوة تلك الابعاد التاریخیة ، والتشابه الحاصل فی المحصلات فی العراق ماقبل العام 1958 وما بعدها وبین احتلال العراق فی العام 2003 من قبل الامبراطوریة العسكریة الامیركیة ، فالذی حصل هو صدق حدس السیاب فی التحدیث للنص الشعری وماشكله من رموز اسطوریة فی الكلب (سربروس) هذا الكلب الاسطوری الذی ظهر فی مرحلتین تاریخیتین من اخطر المراحل التأرخیة التی حدثت فی العراق الذی شكل التنوع فی الدلالة التحدیثیة فاصبح معناه الرمزی یقع طردیا فی سلم التاریخ وفی المقدمة فی تصویر فعل هذا التجاور وقوته اللغویة الاسطوریة وتراثه وعمقه الرمزی ، والسیاب یهدف من هذا التحدیث السسیولوجی للنص الشعری عبر البحث السیمیولوجی ووفق وظیفة بنائیة فی تمثیل قائمة من الاسئلة ، ولذلك ینبغی ان نحدد طریقة الانبثاق فی تفصیل معیار الحدث الشعری وهو یتركب من الاشیاء لیتصل بتلك المحاور السیمیولوجیة التی تشیر الى الضرورات الدالة فی ( ما القمح؟ ما الثمر ؟ ما الماء ؟ مالمهود ؟ ما الاله ؟ ما البشر ؟ ) هذه الضرورات من الاسئلة تتعرض لجوانب سیكولوجیة وسسیولوجیة واقتصادیة ودینیة اضافة الى الدلالة الرمزیة التكوینیة وهذا یرتبط بتشكیلة الانبثاق التی تتعلق بمنهجیة التحدیث للنص الشعری عند السیاب ، فكـان جواب السیاب:
رفیقة الزهور والمیاه والطیوب ،
عشتار ربة الشمال والجنوب ،
تسیر فی السهول والوهاد
تسیر فی الدروب
تلقط منها لحن تموزاذا انتثر ،
تلمه فی سلة كأنه الثمر
لكن سربروس بابل – الجحیم
یحبُ . فی الدروب خلفها ویركض
ان الوصول الى البنیة السیمیولوجیة یؤكدها الاختیار التوثیقی للدلالة فی انتظام یستخلصه كشف القواعد العملیة للغة الاسطوریة وفق المستوى التوقیتی الذی الزمه التناول لزمنیة عشتار الدالة من الناحیة الاسطوریة , وهی زمنیة متغیرة وفق حتمیات واختیارات تتوضح انظمتها بالبحث على مستوى التاریخ للوصول الى حالة ایقاعیة تؤكد سر المتغیرات فی الوعی السیمیولوجی للاسطورة ،وهنا یتم اخضاع العنصر السیاقی الى مفهوم الدوائر الدلالیة وفق استیعاب ینبثق بدلالة اختلافیة للاسطوره(عشتار ربة الشمال والجنوب ) و(تلقط منها لحم تموز اذا انتثر ،) وهنا تاتی وظیفة النظم الدلالی المتعلقة بالمنهجیة السیمیولوجیة طبقا للحالة البنائیة ، والسیاب یتمثل تصوره للاشیاء من خلال تواصل حلقة الانبثاق للاتصال بالموضوع السیمیولوجی للاسطورة وتشیر دلالة الاشیاء الى الحالة الضروریة التی یتركب فیها مستوى الوعی للاسطورة والتضامن الذی تقتضیه الوحدات المتبادلة سواء على المستوى اللغوی للاسطورة او مستوى الانساق التوفیقیة داخل البنیة اللغویة ، فالاختیار یأتی مرة اخرى فی نظر السیاب بحركة الفعل الانبثاقی حیث تنبعث عشتار بحكم التوفیقیة الاسطوریة وبرغم الخضوع السیاقی وتدرجه واحتمالاته ، فالمنظومة الاسطوریة تتناسب بشكل عكسی مع حجم الواقعة والوقیعة التی احدثها (سربروس فی عشتار ) لكن الادلة اللغویة تشیر الى عملیة التوازن عند السیاب وهی عودة البنیة الاسطوریة فی التدرج والتقنیة فی الانبعاث . هذا التدرّج هو الذی یحدد مفهوم التغایر الذی یحدث فی سیمیولوجیة اللغة بصفته تطابقا یفضی الى حاجة واستجابات لوسائط تتموضع فی الاتساق والمكوث والاجابة على كل الاحتمالات التی یحدثها ( سربروس فی بابل وفی عشتار حصرا)
یمزق النعال فی اقدامها یعضعض ،
سیقانها اللدان ، ینهش الیدین او یمزق الرداء.
یلوث الوشاح بالدم القدیم
یمزج الدم الجدید بالعواء .
لیعوِ سربروس فی الدروب
لینهش الالهة الحزینة ، الالهة المروعه ،
فان من دمائها ستخضب الحبوب
سینبت الاله ، فالشرائح الموزعة
تجمعت ؟ تململت . سیولد الضیاء
من رحم یترُُّ بالدماء .
لقد افرغ السیاب اللغة من التلیّف والخضوع الى طائلة الذات الاسطوریة وعممها بالواقعة وبحركة تصویریة مثلت أداة التبادل فی هذه الوقائع من صیغ اللفظ السیمیولوجی الذی افصح عن معناه بطریقة منفتحة على الحس والربط الجدلی بین هذا التموضع داخل الحس والنسج داخل الجملة الشعریة بافتراض مبحث سیمیولوجی یخضع العلامة الى الدلالة كما فی (لینهش الالهة الحزینة ، الالهة المروعة ، فان من دمها ستخضب الحبوب) فالمبحث الدلالی اكتسب الجدیة فی الاتصال بالاخر حیث استند الى المطابقة فی اللغة والتوثیق الاسطوریین وفق مقاومة تتشكل بالواقعة لعشتار والعودة الى الجذور الفكریة للاسطورة الرافدینیة باعتماد المغزى السسیولوجی، لان هذا الافتراض یذكرنا بالمغزى الفكری وفق دلالة لغویة تشكل المحتوى لهذا الفكر الرافدینی ، والسیاب موضع المستوى الدلالی حین موضع اللغة وطوع الاسطورة تحت هامش التاویل باستهداف یمتلك انعكاسیة مرتبطة بالخطاب الشعری المتین الذی وضع ارضیة للدلالة تحت رایة اللغة الاسطوریة بانجاز تخاطبی ذی اهمیة ( انثروبولوجیة) مكن السیاب من خلال التعبیر الاسطوری واللغة المؤسطرة العالیة الخصوبة ان یؤكد هذا الانفتاح داخل رؤیة جدلیة وجودیة تعنی بحركة الاتصال والتواصل مع جدلیة التاریخ من خلال الكشف اللغوی للاسطورة وعلاقتها التحدیثیة بالنص الشعری صاحب الجاذبیة العلائقیة فی التحدیث .
والسیاب یمیز بین البنیة من ناحیة الاسلوب الاسطوری وهی تتصل بتركیبة النص والبنیة المتعلقة بالنسج اللغوی الاسطوری ، وفی الحالة الثانیة یتشكل النص الشعری عند السیاب حیث نرى البنیة تتصل بالحكایة ووظیفة الزمن والشخصیات وهیكل الاحداث الذی یشكل الخلیة اللغویة بمستویاتها الصوتیة وامكانیاتها البنائیة فی تاكید مهمة النص الشعری واهتمامه بفروع المعرفة الصوتیة المتخفیة والمضمرة داخل النص الشعری وهی تبحث عن الاسس النظریة لكی تجعل البحث النظری داخل هذه النصوص هی من الاهتمامات المتعمقة فی اشعار القاریء الجاد بان هناك معطیات عدیدة تقوم بعملیة التحلیل لهذا الاشعار الصوتی الخفی وهو یبلور نقطة عمیقة الجذور فی خلق هذا الكشف الدقیق للخصائص الاصیلة فی نظم الایقاع الصوتی الخفی، وقد یظهر هذا النظم عند السیاب وفق تراكیب عدیدة من الاختلافات ذات الدلالات العمیقة وهی القادرة بالمقابل على اضاءة حقائق قیمة ترتبط بالبنیة الاسطوریة وعقول تلك المجامیع البشریة التی تعین هذا الفهم من التطورات التی تحدث فی هذه التشكیلات ذات النظام الایقاعی الظاهر وفق اسس جذریة تتعلق بالدور التكوینی لاساسیات التوازن الاسطوری من الناحیة اللغویة الذی یقوم به التركیب الشعری وفق الصیغة الكیفیة من منظومة اللغة وتفاصیلها الصوتیة الخفیة التی تبلغ عنصر المبحث الشعری الذی یركز على المنظومة الایقاعیة التی تتناسب والمجال الطبیعی لحركة الاسطورة فی (سربروس فی بابل) وهنا یتشكل الفضاء الاسطوری عند السیاب بواسطة مركبات متعددة المستویات یطغی علیها الفعل الدلالی داخل اختلافیة للبنیة وفق قیمة دلالیة للمعنى بانكماش مجال التعدد للمعانی وازدیاد الاكتمال فی الفائدة التی تجعل ثراء المضمون من الناحیة الفنیة هو الجانب الامكانی فی الاستبعاد للمعانی المترهلة ،ونحن مع رای الجرجانی فی المعنى الذی (ینقسم الى قسمین)(قسم انت ترى احد الشاعرین فیه قد اتى بالمعنى غفلا ساذجا ، وترى الاخر قد اخرجه فی صورة تروق وتعجب)( ) المعنى الذی یاتی غفلا وفی الصورة الاخرى الذی یاتی مصنوعا ویكون ذلك اما لانه متاخرا قصر عن متقدم واما لانه هدى متاخرا لشیء لم یهتد الیه المتقدم. مثال ذلك:
قال البحتری:
لیل یصادفنی ومرهفة الحشا
ضدین اسهره لها وتنامه
وقول المتنبی :
وقیدت نفسی فی ذراك محبة
ومن وجد الاحسان قیدا تقیدا
وقول المتنبی:
وماثناك كلام الناس عن كرم
ومن یسد طریق العارض الهطل
وقول الكندی:
عزُّوا وعزَّ بعزهم من جاوروا
فهم الذرى وجماجم الهامات
فی هذه الابیات تتشكل الصور بعملیة اختلافیة ، وان البنائیة الشعریة التی تقول (ان المعنى فی هذا البیت هو المعنى فی ذلك ولاخلاف فی معنى عائد الیك فی البیت الثانی فی هیأته وصفته، وان الحكم فی البیتین كحكم الاسمین فی منظومة اللغة مثل (سربروس فی بابل) حسب ماتقوله الاسطورة الیونانیة ، ولكن السیاب جمع (سربروس) وهی كلمة یونانیة مع كلمة تخص حضارة بابل وسربروس كلب یحرس مملكة الموت فی الاساطیر الیونانیة – ولاعلاقة بین سربروس وبابل لان الكلمة الیونانیة لایجمعها جنس واحد مع بابل لان بینهما اختلاف كبیر فی تفاصیل المعنى ولكن هناك تطابق بین سربروس ووجوده الان فی العراق ، والسیاب كان یمیز بین هذه الاساطیر ومسمیاتها لانها تؤدی وظیفة تكاد تكون مطلقة من الناحیة الفنیة وهی تتمازج وتتداخل وتنسجم مع خواصها الاسطوریة برغم التصویر المتناقض فی نظر السیاب الذی انتج هذا التناقض فهو السبیل الى حالة الصیرورة الوجودیة واستمرار الحیاة برغم الاحتلال ورغم مایحدث من انتهاكات مریبة وهذا یذكرنا بقصیدة السیاب (وصیه من محتضر) حین یقول:
این العراق؟ واین شمس ضحاه تحملها سفینة
خیر البلاد سكنتموها بین خضراء وماء
هی جنة فحذار من افعى تدب على ثراها .
هذا یعنی ان الرمز الاسطوری عند السیاب كان رمزا ستراتیجیا فی بابل ولو كان الناقد المبدع عبالجبار عباس حیا لغیر رایه فی مفهوم الاسطورة عند السیاب لجعلها مفهوما ستراتیجیا ولیس كنایة بلاغیة ولیس فرصة للتلذذ باكتشاف الحقائق او الاختفاء وراء هذه الرموز ، وان الوظیفة الاسطوریة لاتنتهی بمجرد الانكشاف للقاریء لتشكیلة هذه الرموز وان سربروس هو لیس رمزا للطاغیة قاسم فقط انما هو رمز لاكبر احتلال عسكری (امیركی بریطانی للعراق) فی العصر الحدیث وفی هذا السیاق اتذكر قال لی الناقد الانطباعی المبدع عبدالجبار عباس ( انی كتبت كتاب السیاب بشكل سریع) ثم یستدرك الناقد الراحل فی الصفحة (196) من كتابه السیاب قائلا ( ان السیاب عمد الى الاكثار من الاساطیر لحاجة تنكریة) ویقول ( ان الاساطیر فی شعره لیست حلیة جمالیة تضاف الى قصائده ویمكن الاستغناء عنها ، بل امست ضرورة فنیة واسلوبا راسخا یبنی به قصیدته حتى لو لم یكن ثمة حرج من مضمون القصیدة بدلیل انه عمد الى هذه الاساطیر فی هجائه للشیوعیین فی قصیدة ( رؤیا 1956) وهذا اعتراف من الناقد المبدع عبالجبار عباس بان الاساطیر تؤدی وظیفة تنكریة قد یصح فی قصیدة ( سربروس فی بابل )( ) وهو رمز اسطوری عبر عن خیبة امل سیاسیة لم تحقق الحلم المنشود فی العراق .
یقول السیاب :
لیعوِ سربروس فی ا لدروب
فی بابل الحزینة المهدمة
ویملأ الفضاء زمزمة ،
یمزق الصغار بالنیوب ، یقضم العظام
ویشرب القلوب
عیناه نیزكان فی الظلام
وشدقه الرهیب موجتان من مُدى
تخبیء الردى .
و العلاقة التی تربط الاسطورة باللغة تكون من خلال ابراز الصورة ومظاهر التكوین فی التشكیلة المرئیة للصورة الشعریة وهی تقتضی رسالة لغویة تحدث داخل مجموعة من الاشیاء وهی تنتقل الى السیاق الاسطوری فی اللغة ، لانها تتخلل اللحظة الحرجة فی التصور داخل مكون لغوی اسطوری یتمتع بالمعنى الدلالی للاسطورة وهو مقتضى جدید لانطولوجیا الاسطورة عند السیاب حیث تعود هذه الجذور الى مفهوم الحاضر الوجودی فی فلسفة الاسطورة وفی اللحظة الراهنة عند السیاب وهو یكتب النص الشعری لانه أقتضاء یتعلق ببیان هذا العنصر الوجودی للاسطورة وملامحه الحاضرة فی مسار التذكیر الواقعی فی (سربروس فی بابل) وهو ایضا الزامی فی تبیان الموجود فی الحاضر ، والامر یتعلق فی مسار الكلب الذی یحرس مملكة الموت فی الاساطیر الیونانیة باعتباره لحظة خطابیة راهنة تتعلق بالحدث التاریخی للاسطورة لانه الكشف عن القیمة الاسطوریة فی ثنایا وجودها الذی تمیز بالتحدیث فی اطارها الفلسفی وهو تساؤل عن اللحظة ودلالتها اللغویة ومدى الامكانیة التی توفرها الاسطورة فی تدشین التحدیث كمسار یتمحور داخل منظومة التاریخ التی ارست الاشكالیة التقنیة كما تفسرها النصوص الاسطوریه ، وهی قیمة تقع فی مركزیة حركة التاریخ لانها اثبتت خصوصیة هذا التحدیث الاسطوری داخل نصوص السیاب الشعریة ، والسیاب اسس هذا التوازن الاسطوری فی فلسفة التحدیث وعمد على نقله خطابیا داخل شروط امكانیه ومعرفیة وهی تتحرك بملاحظة جد تحدیثیة وفق مقتضیات الحالة الراهنة ، فالكلب (سربروس ) هو نفس الكلب الذی یجوب العراق من شماله الى جنوبه حالیا وهو نفس العراق المهدم وسربروس الذی یمزق اطفاله( بالنیوب ویقضم العظام) وینشر الخراب والمكان هو العراق ولبنان وفلسطین الحقول التجریبیة فیما یتعلق بتحلیل النص الشعری بانطولوجیا الحاضر، ویرى السیاب ان التشخیص الدقیق لفلسفة الاختیار الاسطوری فی اللحظة الراهنة هو الشكل الممتد داخل اسس منهجیة تندرج داخل النص الشعری ،هذا المنهج اللاسطوری هو الذی شكل حفریات المعرفة منذ البدایة لدى السیاب وهو التجسید الحقیقی لما یحدث باختیار یمتد عبر التاریخ . والسیاب حول هذا الرصد للوحدات الاسطوریة بتجذیر یتعلق بالمقولات الواعیة التی تولدت بلغة اتصالیة عالیة الوقع بعد ان قوض مفهوم الوظیفة التنكریة للاسطورة التی اشتملت الحس التاریخی الذی یلوذ به السیاب كما یتهمه البعض من النقاد هنا وهناك فی كتب النقد ، فالسیاب لابس التاریخ بالاسطورة وبشكل تحدیثی باعتبارها تحول فی الانساق وتباین فی الانشطار الذی اصبح یطبع مسار النص الشعری للسیاب .
اشداقه الرهیبة الثلاثة احتراق
یؤج فی العراق-
لیعِو سربروس فی الدروب
وینبش التراب عن الهنا الدفین
تموزنا الطعین،
یاكله : یمص عینیه الى القرار ،
فی هذه الابیات یشكل المنظور اللغوی بانساق فلسفة الاسطورة واقعا جدلیا یستطلع اشكالیة التاریخ ، اننا نستطیع ان نفكك هذا التشكیل فی اللغة الاسطوریة وفق انموذج بنائی یعكس دعامة الوجود الصوتی الخفی للنص وفق مركزیة الماضی والحاضر ووفق رؤیة ارسطیة تفترض التاسیس اللغوی باقتراب یصور تدرج هذه العملیات وفق زمنیة لغویة تتقدمها المصدریة السیكولوجیة وفق منظومة تعتمد الثنائیة ( السیكولوجیة) الذهنیة فی استعمال یجذر التعیین بنظریة اللغة وذهنیة القدرة التطبیقیة للاسطورة واعادة تشكیل الوعی باستدعاء حركیة التاویل لنمطیة التفكیك الارسطی لهذه الوحدات التی تشكلت بنواة النظریة البنائیة فی اللغة ، فالسیاب افصح عن الابنیة النصیة باحتیاطی وفره ببناء سابق فی حلقة القص الاسطوری ورهافة فی النسج الشعری حیث طور هذه التكوینیة الاسطوریة بمشاهدة وسماع (العواء لسربروس) فی الدروب وفق منطق اجرائی انتجه السیاق الفلسفی للنص وفق انتقائیة تاملیة ماخوذة من تجربة الیباب لالیوت وعملیة النبش فی التراب والبحث الدقیق فی ثنایا التركیب للاسطورة فی (تموزنا الطعین) والسیاب واصل تتبع الواقعة المحسوسة سسیولوجیا انه الفعل العملی لتجمیع الحدود الفلسفیة للاسطورة داخل بوتقة التفكیك التعاقبی الذی شكله الصوت فی (یاكله یمص عینیه الى القرار) وهذا تحول فی المنظور الرؤیوی عند السیاب فی فلسفة اللغة الاسطوریة من وجهة النظر المركزیة للابنیة النصیة وهی تقوم بتاهیل الوعی الاسطوری من وجهة نظر دالة وشروح تمرر هذا الارث الفلسفی للاسطورة عند السیاب .
یقصم صلبه القوی، یحطم الجراء
بین یدیه ، ینثر الورود والشقیق .
اواه لو یُفیق
الهنا الفتیُ، لویبرعم الحقول ،
لو ینثر البیادر النضارفی السهول،
لو ینتضی الحسام ، لویفجر الرعود والبروق والمطر
ویطلق السیول من یدیه. اه لو یؤوب !
ان المباشرة بتمثیل العودة لحقیقة بعث الحیاة من جدید لانها العنصر الوسیط الذی یربط بین لغة التمثیل هذه من الناحیة (السیمیولوجیة) لانها تفعل فعل التجاوز لحدود اللغة العادیة ای لغة الاداة الى لغة الاسطورة الفلسفیة وهذا موضوع یعكس المبحث (السیمیولوجی) فی وحداته الدالة الكبرى لان المنحى اللغوی الذی ینتهجه السیاب فی هذه الاشكالیة هو منحى الرسائل المشفرة التی تتواصل مع العام الاسطوری لفلسفة اللغة وفق دراسة بنائیة تتموضع داخل الوظیفة الشعریة لانها الاهمیة الدقیقة فی اقتضاء الضرورة لان السیاب یقوم بایقاف الانماط التقلیدیة للغة ذلك بانتقاله الى العمق لینشر البیادر النضار فی السهول ، فهو یربط التفاوت الاختلافی فی اللغة وفق سیمیولوجیا تاسیسیة لرموز اسطوریة یستخدمها السیاب كرسائل مشفرة یحاول ان یتواصل مع الرمزیة التقلیدیة للغة وبالمحاور اللغویة الاوسع فی ظل سیمیولوجیة التواصل (الانثروبولوجی للغة) (لو ینتضی الحسام ، لویفجر الرعود والبروق والمطر ) ویطلق السیول من یدیه . اه لو یؤوب !) وهذه حالة التصنیف للابنیة اللغویة وفق تلك المعاییر المشفرة عند السیاب من الناحیة الاسطوریة . والسیاب اعتمد علاقة التجاور الحسی فی اللغة، فالاشارة عنده ترتبط (بالدال والمدلول) وهی تتجاوز المنحى الواقعی الى مشهد الواقع الاسطوری ، وهناك علاقة ایقونیة تتمركز فی الدال والمدلول فهی ترتبط بالمشاركات الشكلیة وتظهر اثناء القراءة او فی التصویر اللغوی للمشهد فی حقیقته الاسطوریة ( الهنا الفتی لو یبرعم الحقول). لقد اتخذ السیاب فی بنائه الاسطوری دلالة تحدیثیة قائمة بین ماحدث فی العراق فی المرحلة الماضیة ای فی العام 1959 وبین ما یحدث الان من اشكالیات وتجاوز فی ظل الاحتلال العسكری الامیركی البریطانی للعراق ، ففعل التشابه قائم بین المرحلتین التاریخیتین قبل العام 1958 وامتداداتهما فیما بعد وما حصل من نزاعات سیاسیة ، هذه التركیبة او المعادلة الرمزیة فهی تؤكد الدال والمدلول فی الرابطة الفعلیة بین الداخل والخارج والحالة الرمزیة التی لم تنفصل لانها تمثل مرجعیات رمزیة واسطوریة مختلفة ، واننا نلاحظ هذا التنوع التدریجی القائم على الانتقال داخل الحدث التاریخی من مرتبة تحدیثیة فی النص الى مرتبة تحدیثیة اخرى وهی تتشكل من الناحیة اللغویة على اساس تقلیدی فی عملیة تفصیل الحدث كما قلنا فی بدایة هذا البحث ، الا ان الوظیفة الاسطوریة هی التی تخضع هذه المستویات من البنیة اللغویة الى الحالة الضروریه فی تكوین الصیرورة ، وهو مظهر اشاری مشفر عند السیاب لانه یكتسب اهمیة (سیمیولوجیة) من ناحیة انتاج الرمز الاشاری لیتفاعل مع العناصر الایقونیة التی تتمثل فی الدوائر اللغویة المشفرة مع الاخذ بعین الاعتبار الرموز اللغویة الاداتیة التی تنبنی بالتقابل مع هذه المفاصل الرمزیة المحددة بالسیمیولوجیا الثقافیة وهی تضفی على النص عدة من الدلالات والاعتبارات السسیولوجیة العامة .
یقول السیاب:
لحافنا التراب ، فوقه من القمر
دم ، ومن نهود نسوة العراق طین .
ونحن اذ نبض من مغاور السنین
نرى العراق ، یسال الصغار فی قراره :
(ما القمح ؟ ماالثمر ؟ )
ماالماء ؟ ماالمهود ؟ ماالاله ؟ ماالبشر ؟
فالتقسیم الذی تمحور فی العلاقة السیمیولوجیة الخاصة بین (سربروس الامیركی فی العراق) وهی الاشارة التی تتضمن العلاقة بین الدال والمدلول وفق منظومة (داخلیة وخارجیة) وهی ترتبط باشارات تتكون من سیاقات متجاورة ومعروفة ، اما التشابه الحسی (لسیمیولوجیا اللغة) التی تركزت على التجاور الواقعی وفق انموذج لغوی اسطوری واضح وهو یشیر الى العلاقة الایقونیة بین الدال والمدلول بالمشاركة النوعیة التی تظهر للمتلقی لهذه الابیات الشعریة التحدیثیة عند السیاب لتضع التشابه وفق النسبة والتناسب فی اطار مراحل تاریخیة تتجلى فیها المشاهد (السسیولوجیة الحسیة) وتلتقی فیها الصیغ المتناظرة بقساوة تلك الابعاد التاریخیة ، والتشابه الحاصل فی المحصلات فی العراق ماقبل العام 1958 وما بعدها وبین احتلال العراق فی العام 2003 من قبل الامبراطوریة العسكریة الامیركیة ، فالذی حصل هو صدق حدس السیاب فی التحدیث للنص الشعری وماشكله من رموز اسطوریة فی الكلب (سربروس) هذا الكلب الاسطوری الذی ظهر فی مرحلتین تاریخیتین من اخطر المراحل التأرخیة التی حدثت فی العراق الذی شكل التنوع فی الدلالة التحدیثیة فاصبح معناه الرمزی یقع طردیا فی سلم التاریخ وفی المقدمة فی تصویر فعل هذا التجاور وقوته اللغویة الاسطوریة وتراثه وعمقه الرمزی ، والسیاب یهدف من هذا التحدیث السسیولوجی للنص الشعری عبر البحث السیمیولوجی ووفق وظیفة بنائیة فی تمثیل قائمة من الاسئلة ، ولذلك ینبغی ان نحدد طریقة الانبثاق فی تفصیل معیار الحدث الشعری وهو یتركب من الاشیاء لیتصل بتلك المحاور السیمیولوجیة التی تشیر الى الضرورات الدالة فی ( ما القمح؟ ما الثمر ؟ ما الماء ؟ مالمهود ؟ ما الاله ؟ ما البشر ؟ ) هذه الضرورات من الاسئلة تتعرض لجوانب سیكولوجیة وسسیولوجیة واقتصادیة ودینیة اضافة الى الدلالة الرمزیة التكوینیة وهذا یرتبط بتشكیلة الانبثاق التی تتعلق بمنهجیة التحدیث للنص الشعری عند السیاب ، فكـان جواب السیاب:
رفیقة الزهور والمیاه والطیوب ،
عشتار ربة الشمال والجنوب ،
تسیر فی السهول والوهاد
تسیر فی الدروب
تلقط منها لحن تموزاذا انتثر ،
تلمه فی سلة كأنه الثمر
لكن سربروس بابل – الجحیم
یحبُ . فی الدروب خلفها ویركض
ان الوصول الى البنیة السیمیولوجیة یؤكدها الاختیار التوثیقی للدلالة فی انتظام یستخلصه كشف القواعد العملیة للغة الاسطوریة وفق المستوى التوقیتی الذی الزمه التناول لزمنیة عشتار الدالة من الناحیة الاسطوریة , وهی زمنیة متغیرة وفق حتمیات واختیارات تتوضح انظمتها بالبحث على مستوى التاریخ للوصول الى حالة ایقاعیة تؤكد سر المتغیرات فی الوعی السیمیولوجی للاسطورة ،وهنا یتم اخضاع العنصر السیاقی الى مفهوم الدوائر الدلالیة وفق استیعاب ینبثق بدلالة اختلافیة للاسطوره(عشتار ربة الشمال والجنوب ) و(تلقط منها لحم تموز اذا انتثر ،) وهنا تاتی وظیفة النظم الدلالی المتعلقة بالمنهجیة السیمیولوجیة طبقا للحالة البنائیة ، والسیاب یتمثل تصوره للاشیاء من خلال تواصل حلقة الانبثاق للاتصال بالموضوع السیمیولوجی للاسطورة وتشیر دلالة الاشیاء الى الحالة الضروریة التی یتركب فیها مستوى الوعی للاسطورة والتضامن الذی تقتضیه الوحدات المتبادلة سواء على المستوى اللغوی للاسطورة او مستوى الانساق التوفیقیة داخل البنیة اللغویة ، فالاختیار یأتی مرة اخرى فی نظر السیاب بحركة الفعل الانبثاقی حیث تنبعث عشتار بحكم التوفیقیة الاسطوریة وبرغم الخضوع السیاقی وتدرجه واحتمالاته ، فالمنظومة الاسطوریة تتناسب بشكل عكسی مع حجم الواقعة والوقیعة التی احدثها (سربروس فی عشتار ) لكن الادلة اللغویة تشیر الى عملیة التوازن عند السیاب وهی عودة البنیة الاسطوریة فی التدرج والتقنیة فی الانبعاث . هذا التدرّج هو الذی یحدد مفهوم التغایر الذی یحدث فی سیمیولوجیة اللغة بصفته تطابقا یفضی الى حاجة واستجابات لوسائط تتموضع فی الاتساق والمكوث والاجابة على كل الاحتمالات التی یحدثها ( سربروس فی بابل وفی عشتار حصرا)
یمزق النعال فی اقدامها یعضعض ،
سیقانها اللدان ، ینهش الیدین او یمزق الرداء.
یلوث الوشاح بالدم القدیم
یمزج الدم الجدید بالعواء .
لیعوِ سربروس فی الدروب
لینهش الالهة الحزینة ، الالهة المروعه ،
فان من دمائها ستخضب الحبوب
سینبت الاله ، فالشرائح الموزعة
تجمعت ؟ تململت . سیولد الضیاء
من رحم یترُُّ بالدماء .
لقد افرغ السیاب اللغة من التلیّف والخضوع الى طائلة الذات الاسطوریة وعممها بالواقعة وبحركة تصویریة مثلت أداة التبادل فی هذه الوقائع من صیغ اللفظ السیمیولوجی الذی افصح عن معناه بطریقة منفتحة على الحس والربط الجدلی بین هذا التموضع داخل الحس والنسج داخل الجملة الشعریة بافتراض مبحث سیمیولوجی یخضع العلامة الى الدلالة كما فی (لینهش الالهة الحزینة ، الالهة المروعة ، فان من دمها ستخضب الحبوب) فالمبحث الدلالی اكتسب الجدیة فی الاتصال بالاخر حیث استند الى المطابقة فی اللغة والتوثیق الاسطوریین وفق مقاومة تتشكل بالواقعة لعشتار والعودة الى الجذور الفكریة للاسطورة الرافدینیة باعتماد المغزى السسیولوجی، لان هذا الافتراض یذكرنا بالمغزى الفكری وفق دلالة لغویة تشكل المحتوى لهذا الفكر الرافدینی ، والسیاب موضع المستوى الدلالی حین موضع اللغة وطوع الاسطورة تحت هامش التاویل باستهداف یمتلك انعكاسیة مرتبطة بالخطاب الشعری المتین الذی وضع ارضیة للدلالة تحت رایة اللغة الاسطوریة بانجاز تخاطبی ذی اهمیة ( انثروبولوجیة) مكن السیاب من خلال التعبیر الاسطوری واللغة المؤسطرة العالیة الخصوبة ان یؤكد هذا الانفتاح داخل رؤیة جدلیة وجودیة تعنی بحركة الاتصال والتواصل مع جدلیة التاریخ من خلال الكشف اللغوی للاسطورة وعلاقتها التحدیثیة بالنص الشعری صاحب الجاذبیة العلائقیة فی التحدیث .
+درج شده توسط مترجم عربی - دکتر مهدي شاهرخ در چهارشنبه ۱۱ فروردین ۱۳۸۹و ساعت 19:4|