ابزار وبمستر

العرب یُصَنّفون معارفهُمْ بالشعْر -
العرب یُصَنّفون معارفهُمْ بالشعْر -

نقصد بالتألیف بالشعر عند العرب نَظْمَ الكتاب أو المصنَّف شعراً، سواء كان هذا الكتاب لغویاً أو نحویاً، أو صرفیاً، أو عروضیاً، أو بلاغیاً، أو أدبیاً قصصیاً، أو فقهیاً، أو زراعیاً، أو ملاحیاً، أو فلكیاً، أو ریاضیاً، أو كیمیائیاً، أو طبیاً، أو تاریخیاً...والحقیقة أننا سنُعاین فیما یلی من هذه الدراسة آثاراً شعریة تتصل بكل علم من العلوم السابقة. وربما نذكر نتفاً من الأشعار التی كانت قوام كل مؤلَّف أو مصنَّف للتدلیل والتمثیل.وقد كان العرب وما زالوا، أمة الشعر، فالشعر كان، منذ الجاهلیة، ینثال على كل لسان أو یكاد! وكانت العرب تعلی شأن الشاعر أیّما إعلاء، فقبائلهم حین ینبغ فیها شاعر "تأتی القبائل لتهنئتها، وتصنع الأطعمة، وتجتمع النساء لیلعبن فی المزاهر، كما یصنعون فی الأعراس، ویتباشر الرجال والولدان لأنه حمایة لأعراضهم، وذبٌّ عن أحسابهم، وتخلید لمآثرهم، وإشادة بذكرهم". (العمدة 1: 65).إن الروح الشعریة الطاغیة قد ضربت جذورها فی أعماق النفس العربیة، ثم سرت فی دماء العرب عامة، فآلت بالشعر إلى أن یحتل مكانةً سامیة فی النفوس والعقول معاً، حتى إن بعض المصنِّفین والعاملین فی میدان التألیف والبحث لم یتردد فی التباهی بموهبته الشعریة، فسخّرها للتألیف والتصنیف، وراح ینظم بعض معارفه شعراً، وخاصة تلك التی برع فیها وتعمَّقها وأحصاها، وذلك تغلیباً لرونق النظم وظله الخفیف، على جفاف النثر وظله الثقیل، ورغبة فی تسهیل حِفْظ ما یُرى نفع فی حفظه، فروایة الشعر المضطرب الوزن، تذكّر القارئ أو السامع، بأن خللاً فیه قد وقع فیتدارك ما اختلَّ، ویتذكَّر ما سقط، ویصحح ما جاء فاسداً... فتأتی المعلومة صحیحة وكاملة ومضبوطة.والأمثلة على ما تقدم كثیرة، بل وكثیرة جداً، ففی میدان اللغة، وهو میدان صال فیه العرب وجالوا، واستأثر بالجم من جهودهم الفكریة، نقع على منظومة فی "غریب اللغة وشرحه" لأبی بكر محمد بن القاسم الأنباری (328ه) عنوانها "قصیدة فی مُشْكل اللغة" نشرها الأستاذ عز الدین البدوی النجار فی مجلة مجمع اللغة العربیة بدمشق (مج64، ج4، عام 1989م)، وقد افتتح أبو بكر الأنباری قصیدته بقوله:یا مُدَّعی عِلْمَ الغریبِ والقریضِ والمثَلْنمِّقْ جوابی: ما القزیحُ والشَّقیح والألَلْویجیب الأنباری نفسه عن سؤاله شارحاً: "قال أبو عبیدة: القریض هو القصیدة من الشعر خاصة دون الرجز والقزیح فیه قولان. قال أبو بكر: القزیح: الملیح. تقول العرب: ملیحٌ قزیحٌ. وقال آخرون: القزیح: العجیب. قال أبو بكر: والشقیح: القبیح، یقال قبیحٌ شقیحٌ. والألَل: قال أبو عمرو: البَرْق". ثم یضیف الأنباری فی قصیدته:وما العِمار والعَمار والخَبار والسَّفَلْ؟ویمضی شارحاً بعده الكلمات التی ساقها فی البیت، معتمداً فی ذلك على أئمة اللغة، كصنیعه فی البیتین السابقین.ولم تكن قصیدة أبی محمد بن القاسم الأنباری فریدةً فی بابها، فقد ذكر ابن الندیم (384ه) فی "الفهرست" تحت عنوان: (القصائد التی قیلت فی الغریب): "قصیدة الشرقی بن القطامی" و"قصیدة موسى ن حرنید" و"قصیدة یحیى بن نجیم" و"قصیدة الأبراری" و"قصیدة شبل بن عزرة" و"قصیدة أحمد الأنباری" (الفهرست ص 196).وفی كتب فهارس المخطوطات نطالع إشارات إلى مخطوطات شرحت قصائد فی اللغة، مثل: "شرح مثلث قطرب" (المتوفى سنة 206ه) لمجهول. ومثل شرح منظومة ثعلب المسمى "الموطأ فی اللغة" وقد نهض به عبد الوهاب بن الحسن بن بركات المهلبی (685ه) وأولها بعد البسملة:یا مُوْلعاً بالغضَبِ *** والهَجْرِ والتجنّبِحُبُّكَ قد برَّحَ بی *** فی جِدّه واللعبِ(انظر فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهریة، علوم اللغة العربیة ص 97، 98).وذكرت كتب التراث أیضاً، أن لابن مالك النحوی الطائی (672ه) أرجوزة فی ثلاثة آلاف بیت بعنوان (الأعلام بمثالث الكلام). وفیها ذكر الألفاظ التی لكل منها ثلاثة معان باختلاف حركاتها (انظر مقال رزوق فرج رزوق: "الشعراء التعلیمیون والمنظومات التلعیمیة" فی مجلة المورد العراقیة مج19، ع1، ص 216).وفی میدان النحو الذی حظی هو الآخر بحفاوة بالغة من ذوی الهم العلمی عند العرب، نطالع لجمال الدین محمد بن عبد الله بن مالك الطائی الأندلسی، وهو من أعظم نحاة القرن السابع شهرة، وقد ذكرناه من قبل، نطالع قواعد النحو العربی وقد نُظِمت فی ألف بیت. وعرف هذا العمل فیما بعد ب"ألفیّة ابن مالك". وكانت هذه الألفیة خلاصة نحویة مركزة ظفرت بشرح أكثر من أربعین عالماً. وفی هذه الألفیة یقول ابن مالك فی باب الكلام وما یتألف منه مثلاً:كلامُنا لفْظٌ مُفیدٌ فاستقِمْ *** واسمٌ وفِعْلٌ ثم حرفٌ الكَلِمْونقرأ له فی باب (المبتدأ والخبر) قوله:مبتدأ زیدٌ، وعاذِرٌ خبَرْ *** إنْ قُلْتُ: زیدٌ عاذرٌ مَنِ اعْتَذَرْوكذلك نراه یجمع (إنَّ) وأخواتها وعملها، الذی یخالف عمل (كان) وأخواتها، فی قوله:لأنَّ إنَّ لیتَ لكنَّ لعَلْ *** كأنَّ، عكْسُ ما لِ(كانَ) مِنْ عمَلْومن الكتب النحویة المهمة التی نُظِمت شعراً "الآجرومیة" وهی مقدمة فی النحو ألَّفها أبو عبد الله محمد بن داود بن آجروم الصنهاجی (723ه). وكان فقیهاً ونحویاً ولغویاً ومقرئاً وشاعراً. ولم یكن فی أهل (فاس) فی وقته أعلم منه فی النحو. وقد نظم (الآجرومیة) میمون الفخار، والعربی الفاسی، ومحمد نووی. واسم كتاب النووی هذا "النفحة المسكیة فی نظم الآجرومیة"، وشرف الدین یحیى بن موسى العمریطی (989ه) الذی سمَّى كتابه "الدرَّة البهیَّة فی نظم الآجرومیة" (وهو مطبوع ضمن مجموعة من المتون بما فی ذلك الآجرومیة ذاته، بعنایة أحمد سعید علی، بالقاهرة عام (1949م).ونظم "الآجرومیة" أیضاً عبد الله بن الحاج الشنقیطی (1209ه). وللشنقیطی هذا مؤلفات عدة، أغلبها منظوم، منها مثلاً: نظْم كتاب مختصر الخلیل، ونظم الخزرجیة فی العروض، ونظم رسالة ابن أبی زید القیروانی. ومن أمثلة نظْم الشنقیطی للآجرومیة قوله:قال عُبَیْدُ ربِّهِ مُحَمَّدُ *** اللهُ فی كلِّ الأمورِ أحمدُمُصلّیاً على الرسولِ المُنْتَقى *** وآلهِ وصَحْبهِ ذوی التُّقىوالبعدُ والقَصْدُ بذا المنظومِ *** تسهیلُ منثورِ ابنِ آجرومِوفی باب الإعراب یقول:الإعرابُ تغییرُ أواخِرِ الكَلِمْ *** تقدیراً أو لفظاً فذا الحدّ اغتنمْوذلك التغییرُ لاضطرابِ *** عواملٍ تدخلُ للإعرابِأقسامُه أربعةٌ تُؤمُّ *** رَفْعٌ ونَصْبٌ ثم حَفْضٌ جَزْمُفالأوَّلان دونَ رَیْبٍ وقَعا *** فی الاسمِ والفعلِ المضارعِ معافالاسمُ قد خُصِّصَ بالجرّ كما *** قد خُصِّص الفعلُ بجَزْمِ فاعلما(انظر مقال الأستاذ خلیفة بدیری: نظم متن الآجرومیة فی مجلة كلیة الدعوة الإسلامیة، طرابلس، العدد 6 ص 262-263).وكذلك نظم السیوطی (911ه) ألفیةً فی النحو سماها (الفریدة). وهی مطبوعة. ولها شرح بعنوان "المطالع السعیدة فی شرح الفریدة".وإذا تركنا النحو، وانتقلنا إلى علم الصرف، وهو علم یهتم ببنیة الكلمة العربیة وبأوزانها ومجردها ومزیدها، وإبدالها وإعلالها، وجامدها ومشتقها، وقعنا على أمثلة كثیرة من نظم الصرف)، منها مثلاً "قصیدة أبنیة الأفعال" التی نظمها ابن مالك صاحب الألفیة النحویة المشار إلیه سابقاً. وهذه القصیدة التی تسمى أیضاً بلامیة الأفعال شرحها ابن الناظم ذاته، واسمه بدر الدین محمد بن محمد (686ه). وقد جاءت القصیدة على البحر البسیط، وتقع فی (114) بیتاً. ونشر شرح الابن علیها الدكتور ناصر حسین علی بدمشق عام 1992م بعنوان "زبدة الأقوال فی شرح قصیدة أبنیة الأفعال".وإذا طالعنا كتاب (فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهریة بدمشق- علوم اللغة العربیة) نقع على منظومة صرفیة أخرى بعنوان "الترصیف فی التصریف" نظمها عبد الرحمن بن عیسى العمری المرشدی المكی (1037ه) وأولها:أفضل ما إلیه تصریف الهِممْ *** بحُسن حمدِ الله وهَّاب النِّعمْوتقع هذه المخطوطة فی (12) ورقة ورقمها 10859 (انظر فهرس مخطوطات الظاهریة- علوم اللغة العربیة ص 457).وقد ألَّف ناصیف الیازجی اللبنانی المعاصر كتاباً سماه "الجمانة فی شرح الخزانة". وهذا الكتاب هو أرجوزة فی علم الصرف أسماها (الخزانة)، ثم علَّق علیها شرحاً لها سمَّاه "الجمانة".وطبع هذا الكتاب فی بیروت سنة 1872م. یقول ناصیف الیازجی فی فاتحة كتابه مثلاً:أقول بعد حمد ربٍّ محسنِ *** لا علم لی إلا الذی علَّمنیقد اصطنعت هذه الخزانهْ *** حاویة من شرحها الجمانهْجعلتها فی الصرف مثل القطبِ *** فقُلتُ والله الكریمُ حسبیثم قال:الصرفُ عِلْمٌ بأصول تُعرف *** بها مبانی كَلِمٍ تُصرَّفُوالأحرفُ التی ابتنت منها الكلِم *** إلى صحیحٍ وعلیلٍ تنقسمْوأحرفُ العلَّة واوٌ وألِف *** والیاءُ والباقی بصحةٍ وُصِفْوتشرك الهمزة حرف العلّه *** فتلك بَینَ بین فی المحلّهوفی مجال علوم اللغة العربیة الأخرى كالبلاغة وفروعها، كعلم المعانی، والبیان، والبدیع، یمكن المرء أن یشیر إلى جهود ابن الشحنة (815ه) واسمه أبو الولید محب الدین محمد بن محمد بن أیوب الحلبی الذی ألّف منظومة فی علم المعانی والبیان والبدیع، وقد شرح هذه المنظومة محمد بن تقی الدین أبو بكر الحموی الدمشقی المحبی (1010ه). ومن هذا الشرح نسخة مخطوطة تقع فی (68) ورقة فی دار الكتب الظاهریة (انظر فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهریة- علوم اللغة ص 319-320).وكذلك ألَّف السیوطی (911ه) قصیدة أسماها "عقود الجمان" وهی فی علمی المعانی والبیان، وقد شرحها بنفسه. ومن هذا الشرح نسخة بین مخطوطات الظاهریة (انظر فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهریة- علوم اللغة ص 316).كما یمكن المرء أن یشیر فی مجال البدیع وحده إلى منظومة للشیخ الإمام زین الدین یحیى بن معطی المغربی الزواوی (628ه) جمع فیها شواهد البدیع من أشعار المبرزین من الشعراء، وذلك بأن حدّد نوع البدیع، ثم أعطى الشاهد علیه، وأولها بعد البسملة:یقول ابن معط قُلتُ لا متعاطیا *** مقالة مَن یرجو الرضى والتعاطیاومن هذه المنظومة نسخة فی دار الكتب الظاهریة تقع فی 9 ورقات ضمن مجموع عدد أوراقه 27 ورقة انظر (الفهرس المذكور سابقاً ص 208).وفی مجال العروض مر بنا ذكر نظم الشنقیطی للخزرجیة فی العروض قبل قلیل. ونطالع فی فهارس المخطوطات آثاراً أخرى فی هذا الفن، منها منظومة فی العروض لمحمد بن الحسن الحسینی الشافعی الهروی (676ه) أولها بعد البسملة:أحمدُ مَنْ صلَّى على محمدِ *** وآله نجومِ كلِّ مُهْتَدِوهی من مخطوطات الظاهریة، وقد كتبها ناظمها نفسه. وتقع فی أربع ورقات- (انظر فهرس مخطوطات الظاهریة- علوم اللغة ص 440).وأشار صاحب "معجم المؤلفین" إلى أن إبراهیم بن عبد الله بن جمعان الیمنی الزبیدی (1083ه) قد ألَّف مقطوعة فی العروض سماها (آیة الحائر)- (انظر معجم المؤلفین 1:5). وبین مخطوطات الظاهریة مخطوطة بعنوان "هالة العروض" وهی أرجوزة نظمها محمد صالح بن أحمد بن سعید المنیر الدمشقی (1321ه). قدم بها لعلم العروض وتناول فیها الزحافات والعلل والأبحر والدوائر العروضیة، وختمها بألقاب الأبیات، أتم نظمها فی (الآستانة) فی شعبان سنة 1299ه، وأولها بعد البسملة:یقول صالح بن احمدَ السری *** القدوةُ المشهورُ بالمُنیرِوهی نسخة بخط ناظمها، وتقع فی (8) ورقات (انظر فهرس علوم اللغة المذكور ص 442).وفی میدان الأدب القصصی جرب (أبان بن حمید اللاحقی)، وهو شاعر إسلامی من أهل البصرة، جرّب قدرته فی النظم فی صیاغة كتاب كلیلة ودمنة شعراً. وقد استغرق نظمه لهذا الكتاب ثلاثة أشهر. وبلغت أشعاره (14) ألف بیت، وقدمه إلى یحیى بن خالد البرمكی، فكافأه هذا عشرة آلاف دینار.ونجد فی كتاب (الأوراق) للصولی (335ه) من هذا النظم ما یربو على (80) بیتاً. وأول ذاك النظم قول أبان اللاحقی:هذا كتابُ أدبٍ ومحنهْ *** وهو الذی یُدعى كلیلة ودِمْنهْفیه احتیالاتٌ وفیه رشدُ *** وهو كتابٌ وضَعَته الهِندُومن نظمه مثلاً فی باب الأسد والثور من كتاب كلیلة ودمنة:وإن مَن كان دنیَّ النفسِ *** یرضى من الأرفعِ بالأخسِّكمثلِ الكلب الشقیِّ البائسِ *** یفرح بالعظْمِ العتیقِ الیابسِوإن أهل الفضلِ لا یرضیهمُ *** شیء إذا ما كان لا یرضیهمُوذكر الصولی أیضاً أن "أباناً" هو الذی عمل القصیدة (ذات الحُلَل)، وفیها ذكر مبتدأ الخلق وأمر الدنیا وأشیاء من المنطق، وغیر ذلك، وهی قصیدة مشهورة. ومن الناس من ینسبها إلى أبی العتاهیة، والصحیح أنها لأبان. (انظر كتاب الأوراق للصولی، تحقیق ج. هیورت، بیروت، ط2، 1979، ص 1 وص 46-48).وقد نظم "كلیلة ودمنة" أیضاً (ابن الهبَّاریة) (504ه) وهو الذی نظم أیضاً كتاب (الصادح والباغم). ومن ناظمی كتاب الفیلسوف الهندی، محمد الجلال، وعبد المنعم بن حسن وعلی بن داود كاتب زبیدة-زوج الرشید، وجلال الدین النقاش من القرن التاسع الهجری.وفی مجال الفقه الإسلامی نظم محمد بن علی الرحبی، (المتوفى سنة 577ه) أرجوزة فی أحكام الإرث الإسلامی، وعرف كتابه بمتن الرحبیة نسبة إلیه. وقد شرح هذا المتن كثیرون من العلماء، منهم: أبو بكر أحمد السبتی، وجلال الدین السیوطی، وعبد القادر الفیومی، ومحمد بن صالح الغزی، ومحمد بن محمد الماردینی، وشرح هذا الأخیر مطبوع. وكذلك شرحَ الرحبیة محمد بن خلیل بن خملیون وسمى شرحه: (تحفة الأخوان البهیة على المقدمة الرحبیة). وقد حقق هذا الشرح الأستاذ السائح علی حسین، وطبعه فی طرابلس بلیبیا عام 1990م، تحت عنوان (التحفة فی علم المواریث). وفی أسباب المیراث نقرأ قول الرحبی: (التحفة فی علم المواریث ص 85):أسباب میراث الورى ثلاثهْ *** كلٌّ یفید ربَّهُ الوراثهْوهی نكاح وولاء ونسَبْ *** ما بعدهنَّ للمواریث سبَبْویقول فی موانع الإرث (التحفة ص 89):ویمنع الشخصَ من المیراثِ *** واحدةٌ من عِللٍ ثلاثِرقٌ وقتل واختلاف دینِ *** فافهمْ، فلیس الشك كالیقینِویقول فی باب أصحاب الثُمُن (التحفة ص 102):والثُّمْنُ للزوجةِ والزوجاتِ *** مع البنین أو مع البناتِأو مع أولادِ البنین فاعلمِ *** ولا تظنَّ الجمعَ شرطاً فافهَمِومن الكتب القریبة من الفقه والشرع وصلتنا كُتب تعالج قضیة الإمامة فی الإسلام منذ وفاة الرسول () إلى عصر كاتبها. ومن تلك الكتب كتاب بعنوان (الأرجوزة المختارة) للقاضی النعمان (363ه). وقد حققها إسماعیل قربان حسین، ونشرها ضمن منشورات معهد الدراسات الإسلامیة فی (مونتریال) بكندا. وهذه الأرجوزة تلقی ضوءاً على موقف الفرق المختلفة من قضیة الإمامة والأدلة التی قدمتها كل فرقة، وتعدّ هذه الأرجوزة التی ألّفت فی أیام الخلیفة الفاطمی القائم بأمر الله من أقدم النصوص الفاطمیة فی الإمامة، وفی مطلعها یقول الناظم مثلاً:الحمد لله بدیعٌ ما خَلقْ *** عن غیر تمثیلٍ على شیء سبقْبل سبَقَ الأشیاء فابتداها *** خلقاً كما أراد إذ بَراهاومن كتب الفرق المنظومة شعراً "القصیدة الصوریة" التی ألَّفها الداعی الإسماعیلی الأجل محمد بن علی بن حسن الصوری، وحقَّقها عارف تامر، ونشرها فی نطاق منشورات المعهد الفرنسی للدراسات العربیة بدمشق عام 1955م. وهی كما قال ناشرها:"أقدم المصادر عن الإسماعیلیة، ومن أهم الرسائل التی تنطق بالحقائق، وتمثل العقائد أصدق تمثیل، ومن أحسن المراجع فی تاریخ قصص الأنبیاء وعدد الأئمة المنحدرین من الإمام علی بن أبی طالب حتى الإمام المستنصر بالله الفاطمی.. ولذلك كانت تتناقلها الدعاة ویحافظون على سریتها وعدم تسربها، ولیس بالغریب إذا قلت إن أكثرهم كان یحفظها غیباً بالنظر لاعتمادهم على بیانها الرائع وأصولها وفروعها، ومتانة أسلوبها وترتیبها".ومؤلف هذه القصیدة هو محمد بن علی بن حسن كانت مدینة (صور) مسقط رأسه، لذا نُسِب إلیها، وقد عاش ردحاً فی (طرابلس) داعیة للفاطمیین، وقام بالرحلة فی طلب العلم والحدیث. وقیل إنه سمع بالكوفة من أربعمئة شیخ، وهبط القاهرة فی عهد الإمام المستنصر بالله الفاطمی. واستوطن بغداد سنة 418ه، وقد توفی فیها سنة 441ه.والحقیقة أن هذه الأرجوزة الإسماعیلیة لیست الوحیدة فی تراثنا. فقد شاعت الأراجیز فی العهود الفاطمیة، واستعملت للدعایة وللتعبیر عن الموضوعات الفلسفیة والتعالیم العقائدیة- (انظر ص 17 من القصیدة الصوریة)، ولكی نعرف طریقة هذه المنظومات نسوق هنا مطلع القصیدة الصوریة، وهی فی باب القول بالحمد والاستفتاح (ص 23):الحمد لله مُعِلِّ العِللِ *** ومبدع العقل القدیم الأزلِأبدعه بأمره العظیمِ *** بلا مثالٍ كان فی القدیمِوصیَّر الأشیاء فی هویتهْ *** مجموعة بأسرها فی قدرتهْفهو لها أصل كریم یجمعُ *** فمنه تبدو وإلیه ترجعُسبحانه منْ ملكٍ دیَّانِ *** العقل والنفس له عبدانِجلَّ عن الإدراك فی الضمائرِ *** والوصف بالأعراض والجواهرِوفی مجال الفلاحة، نقرأ لسعد بن أحمد بن لیون التجیبی (750ه) أرجوزة تشمل (1300) بیت. نشرها فی غرناطة، عام 1975 (جواكینا أجوارس أبنیث). وقد كان ابن لیون التجیبی عالماً موسوعیاً له ولَعٌ باختصار الكتب، وتتلمذ على یدیه فی (المریة) من أعلام الأندلس ابن خاتمة الأنصاری، ولسان الدین بن الخطیب، وابن جعفر بن الزبیر، وابن رشید الفهری. وسمى (ابن لیون) أرجوزته "كتاب إبداء الملاحة وإنهاء الرجاحة فی أصول صناعة الفلاحة". وقد عدّد المؤلف فی كتابه هذا أركان الفلاحة شعراً، فكانت حسب قوله:هی الأراضی والمیاه والزبولُ *** والعمل الذی بیانه یطولُونراه یشیر إلى الأرض وما یحفظها أو یفسدها، فیقول مرتجزاً:الفول والترمس والكتَّانُ *** تحفظ الأرضَ وكذا الجلبانُوالدخن مُضعِف لها والجلجلانْ *** وما یكرَّر بها كل زمانْووَرَقُ الحِمِّصِ والكرْسنَّهْ *** مُفْسِدةٌ للأرضِ بالملوحهْونجده یشیر فی موضع آخر إلى أعمار الثمار والنبات فی نظره، فیقول معتمداً على أقوال (ابن بصَّال) و(الطغنری)، وهما عالمان فی الزراعة أیضاً:وعمرُ الزیتون مِنْ عدِّ السنینِ *** ثلاثة ألافٍ حینٌ بعدَ حینِوفی الصنوبرِ عن ابنِ بصَّال *** بمئتی عامٍ یقول استكمالوالطغنری قد قال: ما لا یسقطُ *** ورقُهُ، أعمرُ مما یسقطُوأكثرُ الثمارِ یبلغ المائهْ *** أو نحوها، وقد ترید تبقیهْوكل ما فی النشء منها یسرعُ *** فعمرُه أقصره لا یتَّسعُ(انظر مقال أمین توفیق الطیبی فی مجلة كلیة الدعوة الإسلامیة، طرابلس: كتب الفلاحة الأندلسیة- أرجوزة ابن لیون فی الفلاحة العدد 5، 6 ص 354 فما بعدها).وفی مجال الملاحة یقع الباحث على أراجیز كثیرة، فیطالع لابن ماجد (المتوفى بعد 904ه) الملقَّب بأسد البحر الذی أرشد قائد الأسطول البرتغالی (فاسكو داغاما) فی رحلته لاكتشاف طریق الهند من خلال رأس الرجاء الصالح، أرجوزة، اسمها "حاویة الاختصار فی أصول علم البحار". وقد نشر هذه الأرجوزة الأستاذ إبراهیم خوری بدمشق ضمن منشورات المعهد العلمی الفرنسی. یقول ابن ماجد فی تقدیم أرجوزته:یا أیها الطالبُ عِلمَ الیمِّ *** إلیك نظماً یا له من نَظمِفی العلم والهیئة والحسابِ *** وما هو استنبط للصوابِإن كنتَ ممن جدَّ فی العلومِ *** وذاكر الأستاذ كلَّ یومِیغنیك عن رهمانجات النّثرِ *** هذا الذی نظمتُه بالشعرِوفی میدان الریاضیات یمكن أن نشیر إلى أرجوزة (ابن الیاسمین) فی الجبر والحساب. وابن الیاسمین هو عبد الله بن الحجاج المعروف بابن الیاسمین. وهو من أهالی (فاس). وقد أفرغ علمه فی هذه الأرجوزة الشهیرة، وتوفی ابن الیاسمین عام (600ه). وقد ابتدأ ابن الیاسمین بوضع تعریف شامل وهام لمجال علم الجبر، فقال:على ثلاثة یدور الجبرُ *** المال والأعداد ثم الجَذْرُثم عرَّف المقصود بالمال فی البیت الثانی، فقال:فالمال كلُّ عددٍ مربَّعِ *** وجذرهُ واحد تلك الأضلُعِوالعدد عند (ابن الیاسمین) هو الشیء، أو العدد المجهول، ومربعه هو الكمال. وفی بعض أبیات الأرجوزة یقول:وضربُ كلِّ زایدٍ وناقصِ *** فی مثله زیادةٌ للفاحصِوضربُه فی ضدِّهِ نقصانُ *** فافهمْ هداكَ الملكُ الدیَّانُوقدم الأستاذ بدیع الحمصی بحثاً عن ابن الیاسمین وأرجوزته هذه فی الندوة العالمیة الثانیة لتاریخ العلوم عند العرب فی نیسان عام 1979م. وفی الظاهریة بدمشق سبع نسخ للأرجوزة وشروحها. ویذكر الأستاذ محمود الصغیری أن بالیمن فی (زبید) تحتفظ المكتبات الخاصة بعشرات النسخ من هذه الأرجوزة.انظر (قضایا فی التراث العربی- لمحمود الصغیری، دمشق 1981م ص 155).وفی میدان العلوم التطبیقیة كالكیمیاء والطب والصیدلة حفِل تراثنا العظیم بأراجیز كثیرة جداً، تناولت المعارف التی تنتمی إلى هذه العلوم. ففی مجال الكیمیاء ربما كان دیوان الأمیر العالم الشاعر الأموی خالد بن یزید (90ه) واسمه "الصنعة" هو أقدم ما أُلِّف شعراً فی علم الكیمیاء. وربما أهَّل هذا الدیوان صاحبه لأن یوصف بأنه الشاعر التعلیمی الأول فی التراث العربی. وقد ذكر حاجی خلیفة هذا الدیوان فقال یصفه:(فردوس الحكمة فی علم الكیمیاء لخالد بن یزید بن معاویة الأمیر الحكیم. منظمة فی قوافٍ مختلفة وعدد أبیاتها ألفان وثلاث مئة وخمسة عشر بیتاً، أولها:الحمدُ للهِ العلیِّ الفردِ *** الواحدِ القهَّار ربِّ الحَمْدِیا طالباً بوریسطس الحكماءِ *** خُذْ منطقاً حقاً بغیر خفاءِ(كشف الظنون 1254-1255).ویمكن أن نضیف إلى هذا الدیوان، دیواناً آخر لأبی الحسن علی بن موسى الأنصاری المعروف بابن أرفع رأس (593ه) اسمه "شذور الذهب فی صناعة الكیمیاء". وهو دیوان شعری مرتّب على الحروف، شرحه أیدمر بن علی الجلدكی وسمى الشرح "غایة السرور"، وخمَّسه شرف الدین محمد بن موسى القدسی الكاتب (المتوفى سنة 712ه) تخمیساً حسناً- (انظر كشف الظنون 1027). وقد أضاف الأستاذ رزوق فرج رزوق أن عدد منظوماته فی مخطوطة جامعة برستن بالولایات المتحدة 43 منظومة یبلغ مجموع أبیاتها 1487 بیتاً. وعدد منظوماته فی مخطوطة كلیة الآداب بجامعة بغداد 42 منظومة یبلغ مجموع أبیاتها 1431 بیتاً. (انظر مجلة المورد- بغداد 1990- مج19 العدد الأول ص 213).ومن المعروف أیضاً أن الرازی أبا بكر محمد بن زكریا (313ه/ 925م)- (جالینوس العرب)، وهو من أكابر الكیمیائیین والأطباء العرب، نقل (كتاب الآس) لجابر إلى الشعر، وله قصیدة فی المنطقیات، وقصیدة فی العظة الیونانیة (الفهرست ط تجدد- ص 359). وله أیضاً أرجوزة فی الطب ذكرتها هیا محمد الدوسری فی كتابها "فهرس المخطوطات الطبیة المصورة- الكویت، 1984، ص 27" أولها:الحمد لله الذی بَرانا *** وركَّب العقول والأذهاناومنَّ بالسّماعِ والإبصارِ *** یهدی لها من ذا اعتبارِوآخرها:أما له مُعتبرُ فی نفسهِ *** كیف یصیر جسمه فی رمسِهِبعد النعیمِ جیفةً نتینهْ *** ونفسه بما جنَت رهینهْحتى تؤدیه إلى دار البقا *** والخلدِ إما فی نعیمٍ أو شقاوقد نسخت هذه الأرجوزة عام 1054ه، وتقع فی 8 ورقات، وهی فی (مكتبة جستر بیتی- 5244 مجموع).ومن المعروف أن للرازی أیضاً كتباً كثیرة منها- عدا الحاوی، والمنصوری، والطب الروحانی- كتاب "برء الساعة" وقد حوّل هذا الكتاب إلى أرجوزة محمد بن إبراهیم بن یوسف الحنبلی (971ه) وأعطاها عنوان "الدرر الساطعة فی الأدویة القاطعة". وهی فی 135 بیتاً، وذكر ذلك عمر رضا كحالة فی كتابه: (معجم المؤلفین 8: 223).أما ابن سینا الشیخ الرئیس (428ه)- (بقراط العرب) وشیخ أطبائهم، فقد ألَّف كتاب "القانون فی الطب" الذی ظل مرجعاً أساسیاً لطلبة الطب فی الشرق والغرب حتى أواخر القرن الماضی، ابن سینا هذا ارتأى أن یلخّص المعلومات الطبیة التی وعاها وخبرها وتمرِّس بها فی أرجوزة شعریة تسهیلاً لحفظها، ولینتفع بها تلامذته فی كل مكان وزمان. لذا أنشأ "أرجوزته فی الطب" وهی أرجوزة تقع فی ما یزید على /1300/ بیت.وقد أثَّرت تلك الأرجوزة كثیراً فی تدریس الطب فی المشرق العربی وفی المغرب والأندلس. وكانت عمدة أساتذة الطب لسنین طویلة، وشُرحت كثیراً وعُلِّق علیها، وعورضت واستدرك علیها، وممن استدرك علیها هارون بن اسحق المعروف بابن عزرون، وذلك فی أرجوزته فی الحمیات والأورام، فقد ذكر ابن عزرون أن ابن رُشد قد لاحظ تقصیر أرجوزة ابن سینا فی ذكر الحمّیات والأورام؛ فحفزته تلك الملاحظة على نظم أرجوزة فی هذا الباب... وأكمل محمد بن قاسم بن محمد الفاسی (1120ه) الأرجوزة السینویة بأرجوزة سمَّاها "الدرة المكنوزة فی تذییل الأرجوزة". ومما قاله ابن سینا فی أرجوزته:بدأتُ باسمِ اللهِ فی النَّظْمِ الحَسَنْ *** أذكُر ما جرَّبتُه طولَ الزَّمَنْوفی موضع آخر یقول ابن سینا:الطِّبُّ حِفظُ صحة بُرء مَرَضْ *** من سَبَب فی بِدنٍ عنْهُ عرَضْقِسمتُه الأولى لعِلْمٍ وعمَلْ *** والعِلمُ فی ثلاثةٍ قدِ اكتملْسبعُ طبیعاتٍ من الأمورِ *** وستةٌ وكلُّها ضروریثم ثلاثٌ سُطِّرت فی الكتبِ *** مِن مرَضٍ وعرَضٍ وسبَبِوقد طبعت أرجوزة ابن سینا. ومنها نسخ مخطوطة كثیرة فی الظاهریة- (انظر فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهریة- الطب والصیدلة 1/450).ولابن سینا أیضاً أرجوزة فی التشریح (انظر فهرس مخطوطات الظاهریة- الطب والصیدلة 2/342). وقد شرح ابن رشد (595ه) منظومة ابن سینا هذه. ومن هذا الشرح نسخة مخطوطة فی الظاهریة (فهرس الطب والصیدلة ص 441)، ومنها نسخة مصورة عن مكتبة جستر بیتی (رقم 3993) فی الكویت تقع فی 130 ورقة- (انظر فهرس المخطوطات الطبیة المصورة السابق الذكر- ص 115).وكذلك شرح هذه الأرجوزة محمد بن إسماعیل بن محمد المتطبِّب (ت بعد 988ه). وهو شرح یقع فی 180 ورقة. وعنوانه: "التوفیق للطبیب الشقیق". ومنه نسخة بخط المؤلف فی دار الكتب الوطنیة بتونس (انظر فهرس المخطوطات الطبیة المصورة فی قسم التراث- الكویت 1984، ص 63). و(فهرس دار الكتب الوطنیة تونس 1/8). وانظر (9) أراجیز لابن سینا ذكرها رزوق فرج رزوق فی (مجلة المورد مج 19 العدد الأول لعام 1990 ص 210-211).ونظم أبو عبد الله محمد بن العباس بن أحمد الدنیسری (686ه) أرجوزة فی نظم "مقدمة المعرفة" لبقراط، وأرجوزة فی الدریاق الفاروقی (انظر فوات الوفیات 2: 440) و(هدیة العارفین 2: 136). وكذلك نظم داود بن عمر الأنطاكی (1008ه) ألفیة فی الطب. كما نظم "القانون فی الطب" لابن سینا وشرَحه (انظر كشف الظنون 1313) و(هدیة العارفین 1: 362). والحقیقة أن المنظومات الطبیة كثیرة جداً ولم نذكر منها إلا غیضاً من فیض، وذلك لأن الاستقصاء هنا لیس غرضنا.وإذا تركنا الطب وانتقلنا إلى الفلك، نجد أن العرب قد أحرزوا فی هذا العلم إنجازات عظیمة، ولیس أدل على ذلك من احتواء اللوحة التی وضعها (نیل آرمسترونغ)- أول إنسان وطئت قدماه أرض القمر- على اسم (البتَّانی)، وهو عالم فلكی سوری من الرقة عاش فی القرن الرابع الهجری، وذلك تقدیراً لجهود هذا العالم فی علم الفلك، وإجلالاً لما صنعه فی زمانه من زیجات فلكیة صحیحة. ومن المعروف فی هذا الباب أن لأبی الحسن علی بن أبی الرجال (بعد 432ه) أرجوزة فی الأحكام الفلكیة، وهی مطبوعة- (مجلة المورد مج 19 ع1 لعام 1990 ص 211).ونطالع فی (كشف الظنون ص 1345) ذِكْر قصیدة فی النجوم مزدوجة طویلة ألّفها أبو عبد الله محمد بن إبراهیم الغراوی.وكذلك ذكر د. رزوق فرج رزوق أن محمد بن إبراهیم بن محمد الأوسی المعروف بابن رقام (715ه) له منظومة فی العمل بالاسطرلاب (انظر مجلة المورد مج2 ع1 ص 218).ومن المعروف أن الاسطرلاب آلة فلكیة. كذلك لعبد الواحد بن محمد بن محمد المشهدی (838ه) منظومة فی الاسطرلاب. انظر (هدیة العارفین 1: 632).وفی (كشف الظنون) أیضاً عرفنا أن شرف الدین أحمد بن ادریس بن یحیى الماردینی (728ه) قد ألّف "نظم الدرر فی معرفة منازل القمر"، رتبه على عشرة أبواب كلها منظومة. انظر (كشف الظنون ص 1963).وكذلك نطالع لرضی الدین أبی الفضل محمد بن محمد بن أحمد الغزی (935ه) ألْفیة فی علم الهیئة، وهو علم الفلك ذاته. (انظر مجلة المورد مج 20 ع1 لعام 1992 بغداد ص 133).ولفخر الدین محمد بن مصطفى بن زكریا الدوركی (713ه) قصیدة فی النجوم (هدیة العارفین 2:142-143).وفی میدان التاریخ ألَّف أسعد بن البطریق النصرانی (357ه) كتاباً بعنوان: "نظم الجواهر فی أخبار الأوائل والأواخر" انظر (إیضاح المكنون 2: 658).ونقع فی كتاب (هدیة العارفین) على غیر إشارة إلى منظومات فی التاریخ منها مثلاً أن محی الدین عبد الله بن عبد الطاهر السعدی الجذامی الروحی (692ه) قد نظم سیرة السلطان الظاهر بیبرس (هدیة العارفین 2: 137).وكذلك نظم شهاب الدین محمد أمین الخولی (693ه) سیرة ابن هشام (هدیة العارفین 1/581) و(كشف الظنون 492، 1012).وذكر الزركلی أن عبد الملك بن أحمد الأرمنتی (722ه) قد نظم (تاریخ مكة) للأزرقی على شكل أرجوزة (الأعلام 4: 301).ونظم صلاح الدین خلیل بن ایبك الصفدی (764ه) أرجوزة تاریخیة وشرَحها، وهی بعنوان: "تحفة ذوی الألباب فیمن حكم دمشق من الخلفاء والملوك والنواب" وقد طبع هذه الأرجوزة صلاح الدین المنجد، وفیها یقول مثلاً محدثاً عن محتوى كتابه بعد حمد الله وشكرانه:وبعد، فالمقصود من ذا الرَّجَزِ *** حُسنُ البیان فی كلامٍ موجزِأذكرُ فیه الخُلَفا والأمرا *** على دمشق نسَقاً كما ترىلكنَّه على الحروف رتَّبهْ *** فضیَّعَ المقصود منه واشتبهْولم یصل إلا لنور الدینِ *** وعاقَ ذاك واردُ المنونِوقد ذكرت مَنْ أتى مِن بعدهِ *** لیومنا فاستجلِ دُرَّ عِقْدهِومن الجدیر بالذكر أن المؤلف نفسه قد شرح أرجوزته فی كتاب حمل العنوان ذاته، وقد طبع بدمشق عام 1992 فی جزءین بتحقیق إحسان بنت سعید خلوصی، وزهیر حمیدان الصمصام.ویمكن أن نضیف فی هذا المجال الأرجوزة التی نظمها تاج الدین الحسن بن راشد الحلی (نحو 830ه) وعنوانها "تاریخ الملوك والخلفاء"، وأرجوزة للمؤلف ذاته، وهی تحمل عنوان: تاریخ القاهرة (الأعلام 2: 204).والأرجوزة التی فی تاریخ المعتضد بالله، وهی مطبوعة، وقد ألَّفها أبو العباس عبد الله بن محمد الناشئ المعروف بابن شرشیر (293ه).ونظم عبد العزیز بن أحمد بن سعید الدمیری المعروف بالدیرنی (694ه) سیرة ابن هشام شعراً (انظر هدیة العارفین 1: 581).والحقیقة أن هذا التقلید التراثی أعنی التألیف بالشعر، لم یندثر، بل استمرت نماذجه فی مجرى الثقافة العربیة تطالعنا بین الفینة والأخرى وإن قلّت، بوضوح، عما كانت علیه فی القدیم. وقد راح بعض الشعراء فی أیامنا هذه یستعرضون قدراتهم على النظم فی تألیف بعض الكتب. ومن هؤلاء الشاعر السوری (أحمد الجندی) رحمه الله الذی ألَّف كتاباً بعنوان "قصة المتنبی شعراً". وقد طبعها فی بغداد عام 1973، ثم أعاد طبعها فی دمشق بدار طلاس. وفی هذا الكتاب الشعری یؤرخ (أحمد الجندی) بالشعر لحیاة أبی الطیب المتنبی شاعر العربیة الأكبر، ومالئ الدنیا وشاغل الناس، وإذا فتحنا كتاب الجندی وجدناه یقول (فی ص 7 طبعة بغداد) مثلاً:مرَّ فی خاطر الزمان ولیدُ *** عبقریُّ السماتِ عالٍ فریدُأسمرُ الوجهِ كالمساء جلالاً *** أسودُ العین، باهرٌ ممدودُموجةٌ من رجولةٍ فوق بحرٍ *** یتمطَّى تیاره العربیدُفإذا الشاعرُ العظیمُ حدیثٌ *** یتغنَّى، ونشوةٌ، وقصیدُثم یضیف فی (ص 13) على لسان شاعرنا العظیم، كاشفاً عن بعض سجایاه وخاصائصه:لا أرانی أعیش فی هذه الأر *** ضِ فنفسی یضیقُ عنها زمانیإننی شاعرُ العروبة ضوئی *** ملأَ الأرض بالمنى والأمانیوبشعری سار الزمان وغنى الرَّ *** كبُ فی البیدِ مُطرباتِ الأغانیوبعد، فإننا نخلص من خلال العرض الموجز السابق إلى نتائج نصوغها على النحو التالی:1-إن التألیف بالشعر عند العرب كان قد بدأ مع فجر عهدهم بالتدوین والتصنیف، وبعبارة أخرى منذ القرن الهجری الأول، وحتى أیام الناس هذه، ومن المعروف هنا أننا نرید نظم المعارف والعلوم، ولا نقصد إبداع المسرح الشعری الذی یشكل نسقاً معرفیاً آخر.2-إن بحر الرجز لم یكن البحر الوحید الذی ركبه المؤلفون فی مؤلفاتهم الشعریة، فهناك بحور أخرى كالبسیط وغیره من البحور، نظمت علیها ألوان من المعارف متباینة. وقد كان بحر الخفیف مثلاً هو بحر أشعار المرحوم أحمد الجندی التی مثّلنا بها قبل قلیل.3-إن العرض السابق، على وجازته، وعلى الرغم من أنه جاء للتمثیل والتدلیل، لا للاستیفاء وللاستقصاء یدل على أن هذا الباب واسع جداً، وأنه تناول مختلف جوانب المعرفة، وثمة جوانب أخرى لم نعرض لنماذج لها فیما تقدّم. وهذا إن دل على شیء، فإنما یدل على مواهب العرب الشعریة الغزیرة، وعلى أثر الشعر فی نفوسهم كما یدل على عظیم عطائهم التصنیفی، وهو عطاء یكاد المرء یزعم أن الأمة العربیة لا تضاهیها فیه أیة أمة على وجه هذه البسیطة.مصادر البحث ومراجعه:-ابن الأنباری، محمد بن القاسم، قصیدة فی مشكل اللغة، دمشق 1989 (مستل من مجمع اللغة العربیة بدمشق).-ابن خملیون، محمد بن خلیل: التحفة فی علم المواریث، تحقیق السائح علی حسین- لیبیا، طرابلس 1990.-ابن رشیق: العمدة فی صناعة الشعر ونقده، تحقیق محمد محی ا لدین عبد الحمید، بیروت 1974- ط4.-ابن ماجد: حاویة الاختصار فی أصول علم البحار، تحقیق إبراهیم الخوری، منشورات المعهد الفرنسی للدراسات العربیة بدمشق.-ابن الندیم: الفهرست، تحقیق رضا تجدد، بیروت 1971.-البغدادی: هدیة العارفین، بیروت، دار الفكر 1982.-الجندی، أحمد: قصة المتنبی شعراً، بغداد 1973.-حمصی، أسماء: فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهریة- علوم اللغة العربیة- دمشق 1973.-خلیفة، بدیری: نظم متن الآجرومیة، مقال فی مجلة كلیة الدعوة الإسلامیة، لیبیا، طرابلس، العدد السادس لعام 1989.-خلیفة، حاجی: كشف الظنون عن أسامی الكتب والفنون، بیروت، دار الفكر 1982.-الخیمی، صلاح: فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهریة، الطب والصیدلة، دمشق 1981.-الدوسری، هیا محمد: فهرس المخطوطات الطبیة المصورة بقسم التراث، الكویت 1984.-رزوق، فرج رزوق: الشعراء التعلیمیون والمنظومات التعلیمیة، مقال فی مجلة المورد العراقیة، المجلد 19، العدد الأول، والمجلد 20، العدد الأول، بغداد 1992.-الزركلی، خیر الدین: الأعلام، بیروت، ط5، 1980.-الصغیری، محمود: قضایا فی التراث العربی، دمشق 1981.-الصفدی، خلیل بن ایبك: تحفة ذوی الألباب فیمن حكم دمشق من الخلفاء والملوك والنواب، تحقیق إحسان خلوصی، وزهیر حمیدان الصمصام، دمشق 1992.-الصوری، محمد بن علی بن حسن: القصیدة الصوریة، تحقیق عارف تامر، منشورات المعهد العلمی الفرنسی للدراسات العربیة، دمشق 1955.-الصولی، أبو بكر: الأوراق، تحقیق ج. هیورث، بیروت، ط2، 1979.-الطیبی، أمین توفیق: كتب الفلاحة الأندلسیة، مقال فی مجلة كلیة الدعوة الإسلامیة، العدد 6، طرابلس، لیبیا 1989.-الكتبی، ابن شاكر: فوات الوفیات، تحقیق إحسان عباس، بیروت.-كحالة، عمر رضا: معجم المؤلفین، بیروت، دار إحیاء التراث العربی، د.ت.-محمد بن محمد، بدر ا لدین: زبدة الأقوال فی شرح قصیدة أبنیة الأفعال، تحقیق ناصر حسین علی، دمشق 1992.-القاضی، النعمان: الأرجوزة المختارة، تحقیق إسماعیل قربان حسین، مونتریال، كندا.-الیازجی، ناصیف: الجمانة فی شرح الخزانة، بیروت 1872.

+درج شده توسط مترجم عربی - دکتر مهدي شاهرخ در پنجشنبه ۱۲ فروردین ۱۳۸۹و ساعت 19:22|