العهد العباسی ( 132 – 656 هجری )
بعد انتقال الخلافة إلى بنی عباس عم الرسول محمد صلى الله علیه و سلم , أصبح مركز الخلافة فی بغداد . و لما كان الفرس و الشعوبیون من أكبر المساندین لبنی العباس فی انقلابهم , كانت لهم مكانةً كبیرة عند الخلفاء و أصبح العرب عنصراً من العناصر الكثیرة التی احتوتها الإمبراطوریة الإسلامیة .
انفتح العرب على حضاراتٍ أخرى و خاصةً الفارسیة , فأخذ العرب الكثیر من عاداتهم و تقالیدهم , و ظهر مبدأ التخیر , أی اختیار أفضل ما فی الحضارات القدیمة و العمل بها .
لا شك أن الخلافة الإسلامیة عاشت عصراً ذهبیاً فی ظل العباسیین , فكانت الثروات و الازدهار الاقتصادی الذی أدى إلى الترف و الانحطاط الأخلاقی فی بیئةٍ لم تعد بالعربیة و إنما ضمت فرساً و أتراكاً و برابرة . فأصبحت مجالس اللهو و الغناء أمراً شائعاً بین الناس . و بما أن الشعر هو مرآة عصره , فقد اصطبغت أغراض الشعر باهتمامات الناس و نمط حیاتهم الذی تمیز بالتجدد و التنوع كتنوع الثقافات التی احتوتها دولة الإسلام . فالتجدید و لیس الإنقلاب هو ما یمیز الأغراض الشعریة فی هذا العصر .
فقد أهمل الشعر السیاسی لقلة الحاجة إلیه , و اختنق الغزل العذری فی جو الفساد و المجون , و قد انتابت شعر الفخر و الحماسة الذی ارتبط فیما مضى بالعصبیة القبلیة نفس الحالة .
ما میز هذا العصر هو الشعر الفلسفی الذی تمیز بنظرةٍ تحلیلیة لكل ما حوله , إضافةً إلى الشعر الصوفی الذی سمى إلى جو الروحانیات و التأمل فی الله و كماله و صفاته .
كما أصبح الشعر وسیلةً تعلیمیةً یستعمله أصحابه لتسهیل الحفظ و إیصال الفكرة إلى الطلاب , فكان الشعر التعلیمی كقصائد الفقه و كتاب كلیلة و دمنة القصة التی نظمت شعراً , و هناك أیضاً الشعر التكهمی و الهزلی , و ظهر باب الزهد بنزعته الفلسفیة , كما ظهر شعر تغزلٍ بالخمر و المجون .و لكن أبرز الفنون كانت المدح و الرثاء , فلكل أمیرٍ صفاتٌ فائقةٌ فی الحرب و شدة البأس و السخاء , و لكل عالمٍ أبحرٌ من صفات العقل و المعرفة , فلكل ممدوحٍ نفس الصفات إلا ما تجود به قریحة الشاعر و أقواله . و من الجدیر بالذكر أنه قد ازداد إقبال الناس على الشعر عندما أصبح وسیلةً للتكسب .
وكذلك الهجاء زاد عندما زاد النافس بین العظماء فكان وسیلة لرزق كما فی المدح وله استعملت أفظع الألفاظ وأشنعها فی غیر ما نعومة ولا لطافة إلا نادراً .
لانتشار الحكمة الفلسفیة وظهر ما عرف بالشعر الحكمی الذی أصبح عمیقاً فی معناه وتحلیله .
أما العزل فأصبح الفحش والمجون دون أی خجل هو ما میز شعر هذا العهد ما زاده سوءاً توفر الإماء الأجنبیات ومجالس اللهو .
أما الوصف فقد غذته مشاهد الحضارة الجدیدة فذكرت المبانی والمصنوعات كالبركة وأنواع الطعام ، دون نسیان القصور المحفوفة بالبساتین .
رقم التجدد فی أغراض الشعر إلا أن بناء القصیدة حافظ على الأوضاع الموروثة عن الأقدمین كالتزام البحر الواحد وبدء القصیدة بالغزل وذكر الدیار .
كتمهید للمدح أو الهجاء أو غیرهما ، رغم تجدیدهم أحیاناً وذلك بذكر القصور والخمور بدل الأطلال ، ومراعاة ترابط القصیدة الشیء الذی افتقدته بمراحلها السابقة ، كما ركزوا على البحور الخفیفة وابتداع بحور أخرى ومراعاة الترتیب فی التركیب والابتعاد عن كل ما هو غریب لتأتی ألفاظهم عذبة وائحة غنیة بأسالیب البیان والبدیع ، إلا أن هذه الزخرفة والصنعة أخذت مع مرور الأیام تحتل مكانة أكبر من عمق المعنى .
وبالمجمل یمكن تقسم الأدب العباسی إل ثلاثة أقسام :
1- أدب التجدید :
امتد من فجر العهد العباسی إلى أوائل القرن الثالث الهجری ، والذی تمیز بمحاولات جرئیة للتجدید فی أغراض الشعر المختلفة كالهجاء والمجون .
( بشار بن برد ) ، فی الخمر أبو نواس ، فی الزهد ( أبو العتاهیة ) .
2- أدب الحركة المعاكسة :
امتد من أوائل القرن الثالث الهجری إلى أوائل الرابع الهجری ، حیث ارتد الشعراء عن حركة التجدید التی سادت بین من جاء قبلهم ، فعاد شعراء هذا لعصر إلى كل ما هو قدیم وأصیل لیس فقط فی الأدب وإنما فی العلوم الدینیة أیضاً بعد أن احتل علم الكلام والفلسفة مكانة بارزة بین من سبقهم ، لكن هذا الرجوع دمج القدیم مع الجدید كأبی تمام والبحتری .
3- أدب الانحدار الصنعة الأدبیة :
والذی یمتد إلى آخر العهد العباسی هذا العصر كثر شعراؤه وقل مبدعوه من أشهر شعراءه : المتنبی وأبو فراس الحمدانی وأبو العلاء المعری .
شیئاً فشیئاً بدأت الامبراطوریة الكبرى بالانحلال وطمع العدیدین بالملك كالاخشیدیین فی مصر والقرامطة فی البحرین .
أدى الفساد السیاسی وضعف مركز الخلافة إلى فساد فی الحالة الاقتصادیة والاجتماعیة فانتشرت الثورات وعم الظلم .
أما الحالة الفكریة فكان القرن العاشر أزهى عصور العلم فازدهرت العلوم المختلفة ، ومما ساعد على رواجها تنافس الأمراء لنیل المجد العلمی فظهرت عواصم الثقافة مثل حلب والقاهرة وقرطبة وجرجان .
أما الحالة الأدبیة فقد كثر فیها الأدباء مع نزعة شدیدة إلى التقلید وصلت إلى حد الجمود ، فكثرت السرقة الأدبیة كأنه لم یعد من جدید یقال ، ولم یفلت من هذه الآفة إلا القلیل فأقدموا على تجدید أبواب شعر لم تكن مزدهرة قبلاً بسبب البیئة ، من هذه الأبواب : الشعر الصوفی الذی ازدهر مع النزعة الفلسفیة والتصرف ، كذلك الشعر الفخری والحماسی فكان نابضاً بالحیاة مندفعاً یعبر عن اضطراب الأحوال وكثرة الغارات على البلاد الإسلامیة .
أما الدهریات فكانت نتاج تشكی الناس منكل ما یحیط بهم من مشاكل واضطراب فجاءت إما ضمن أبیات مستقلة أو ضمن قصیدة ذموا فیها الدهر وقسوته .
+درج شده توسط مترجم عربی - دکتر مهدي شاهرخ در شنبه ۱۱ اردیبهشت ۱۳۸۹و ساعت 19:33|