ابزار وبمستر

جریر
حیاته: هو جریر بن عطیة، ینتهی نسبة إلى قبیلة"تمیم" نشأ فی الیمامة ومات فیها ودفن.

كان من أسرة عادیة متواضعة.. وقف فی الحرب الهجائیة وحده أمام ثمانین شاعرًا، فحقق علیهم النصر الكبیر،ولم یثبت أمامه سوى الفرزدق والأخطل.

كان عفیفًا فی غزله،متعففًا فی حیاته، معتدلا بعلاقاته وصداقاته..

كما كان أبیًا محافظًا على كرامته، لاینام على ضیم، هجاء من الطراز الأول، یتتبع فی هجائه مساوىء خصمه، وإذا لم یجد شیئًا یشفی غلته، اخترع قصصًا شائنة وألصقها بخصمه، ثم عیره بها..

اتصل بالخلفاء الأمویین، ومدحهم ونال جوائزهم،..

سلك فی شعره الهجاء والمدیح والوصف والغزل..

عاش حوالی ثمانین سنة.

اختلف المؤرخون فی تحدید تاریخ وفاة جریر، على أنه فی الأغلب توفی سنة 733م/144ه وذلك بعد وفاة الفرزدق بنحو أربعین یومًا، وبعد وفاة الأخطل بنحو ثلاث وعشرین سنة.





المدیح عند جریر




أكثر جریر من المدیح ، وكانت نشأته الفقیرة، وطموح نفسه، وموهبته المواتیة، وحاجة خلفاء بنی أمیة إلى شعراء یدعون لهم، ویؤیدون مذهبهم، كان كل ذلك مما دفعه إلى الإكثار من المدح والبراعة فیه. وكان أكثر مدائحه فی خلفاء بنی أمیة وأبنائهم وولاتهم، وكان یفد علیهم من البادیة كل سنة لینال جوائزهم وعطایاهم.

وكان مدیحه لهم یشید بمجدهم التلید ویروی مآثرهم ومكارمهم، ویطیل فی الحدیث عن شجاعتهم، ویعرض بأعدائهم الثائرین علیهم، وبذلك كان یظهر اتجاهه السیاسی فی ثنایا مدحه لهم، وكان إذا مدح، استقصى صفات الممدوح وأطال فیها، وضرب على الوتر الذی یستثیره ولم یخلط مدائحه وبلغت غایتها من التأثیر فی النفس.

وفی الحق أنه ما كان لجریر من غایة غیر التكسب وجمع المال، فلم یترفع عن مدح أی شخص أفاض علیه نوافله، حتى أنه مدح الموالی..

ذلك أن طمع جریر وجشعه وحبه للمال كانت أقوى من عصبیته القبلیة، ولم یكن لرهطه من الشرف والرفعة مثل ما لرهط الفرزدق، لهذا شغل الفرزدق بالفخر بآبائه وعشیرته، وقال أكثر مدائحه فی قبیلته، وحتى فی مدائحه لبنی أمیة لم ینس الفخر بآبائه وأجداده.

..

فهو إذا مدح الحجاج أو الأمویین بالغ فی وصفهم بصفات الشرف وعلو المنزلة والسطوة وقوة البطش، ویلح إلحاحا شدیدا فی وصفهم بالجود والسخاء لیهز أریحیتهم، وقد یسرف فی الاستجداء وما یعانیه من الفاقة..

وتكثر فی أمادیحه لهم الألفاظ الإسلامیة والاقتباسات القرآنیة.. ولا یسعنا إلا الاعتراف بأن جریرًا كان موفقا كل التوفیق، حین صور منزلة الأمویین وجودهم بقوله:

ألستم خیر من ركب المطایا **** وأندى العالمین بطون راح






جریر مفاخرًا هاجیًا



عاصر الشاعر "عبید الراعی" الشاعرین جریرًا والفرزدق، فقیل إن الراعی الشاعر كان یسأل عن هذین الشاعرین فیقول:

- الفرزدق أكبر منهما وأشعرهما.

فمرة فی الطریق رآه الشاعر جریر وطلب منه أن لا یدخل بینه وبین الفرزدق، فوعده بذلك.. ولكن الراعی هذا لم یلبث أن عاد إلى تفضیل الفرزدق على جریر، فحدث أن رآه ثانیة، فعاتبه فأخذ یعتذر إلیه، وبینما هما على هذا الحدیث، أقبل ابن الراعی وأبى أن یسمع اعتذار أبیه لجریر، حیث شتم ابن الراعی الشاعر جریرًا وأساء إلیه..

وكان من الطبیعی أن یسوء ذلك جریرًا ویؤلمه، فقد أهین إهانة بالغة ، فذهب إلى بیته، ولكنه لم یستطع النوم فی تلك اللیلة، وظل قلقا ساهرا ینظم قصیدة سنورد بعض أبیاتها بهذه المناسبة، فلما أصبح الصباح ، ألقاها الشاعر جریر فی "المربد" على مسمع من الراعی والفرزدق والناس، فكانت القصیدة شؤما على بنی نمیر حتى صاروا إذا سئلوا عن نسبهم لا یذكرون نسبهم إلى "نمیر" بل إلى جدهم عامر.. هذا وقد سمى جریر قصیدته هذه" الدامغة" لأنها أفحمت خصمه:



أعــد الله للشعـراء منی **** صواعـق یخضعون لها الرقابا

أنا البازی المطل على نمیر *** أتیح من السماء لها انصبابا

فلا صلى الإلـه على نمـیر **** ولا سقیت قبورهم السحابا

ولو وزنت حلوم بنی نمیر **** على المیزان ما وزنت ذبـابا

فغض الطرف إنك من نمیر **** فلا كعبا بلغت ، ولا كـلابا

إذا غضیت علیك بنو تمیـم **** حسبت النـاس كلهم غضـابا



معانی البیات واضحة سهلة، تتصف بهجاء الخصم وإلحاق العیوب والمساوىء به، كما أنها تتصف أیضا بفخر الشاعر بنفسه، عدا عن أن الشاعر یتهكم بخصمه وبقومه، فیسخر من عقولهم الصغیرة كعقول الذباب، ثم یطلب الشاعر من خصمه أن یتوارى عن الأنظار ویخجل من نفسه هو وقومه. ویختتم القصیدة ببیت رائع شهیر بالفخر.

فالفخر هو الوجه الآخر للهجاء، فالطرف الذی یتلقى الهجاء من الشاعر، یجده فخرًا بالنسبة لنفسه ولقومه..

فهنا یفاخر جریر بمجده ومجد قومه فخرًا جاهلیًا، یعتز فیه ببطولتهم وأیامهم القدیمة وما ورثوا من مجد، فهو قد هیأ هجاءه لكل الشعراء الذین تحدثهم نفسهم بالتعرض بأننی سأقضی علیهم وأحطم عزهم.. أو یكف الشعراء بعد أن قلت كلمتی الفاضلة، أم یطمعون فی التعرض لی، لیقاسوا من هجائی نارًا تلفح وجوههم لفحًا؟

فالهجاء عند جریر شدید الصلة بالفخر، فهو إذا هجا افتخر، وجعل من الفخر وسیلة لإذلال خصمه.

أما موضوع فخره فنفسه وشاعریته، ثم قومه وإسلامه.

فإذا هجا الفرزدق اصطدم بأصل الفرزدق الذی هو أصله، فكلاهما من"تمیم" ، وإذا هجا الأخطل فخر بإسلامه ومضریته، وفی مضر النبوة والخلافة:



إن الذی حرم المكارم تغلبا **** جعل الخلافة والنبوة فینا



هذا وكان لجریر مقدرة عجیبة على الهجاء، فزاد فی هجائه عن غیره طریقة اللذع والإیلام.. فیتتبع حیاة مهجویه وتاریخ قبیلتهم، ویعدد نقائصهم مختلفا، مكررا، محقرا، إلا أنه لم یستطع أن یجعل الفخر بآبائه موازیا لفخر الفرزدق.
+درج شده توسط مترجم عربی - دکتر مهدي شاهرخ در شنبه ۱۱ اردیبهشت ۱۳۸۹و ساعت 19:36|