ابزار وبمستر

أدب نسائی فی عالم عربی
أدب نسائی فی عالم عربی



أمیل الى الاعتقاد بأن مصطلح الأدب النسائى یفید عن معنى الاهتمام وإعادة الاعتبار الى نتاج المرأة العربیة الأدبی ولیس عن مفهوم ثنائی, أنثوی - ذكوری, یضع هذه النتاج فی علاقة اختلاف ضدّی - تناقضی, مع نتاج الرجل الأدبی.

والمصطلح, بهذا المعنى, یحیلنا على تاریخ للأدب العربی ساهمت فیه المرأة منذ عهود قدیمة, تعود الى ما قبل الفتح الإسلامی (مثل الشاعرة سلمى بنت مالك بن حذیفة), الا ان مساهمتها أُهملت بسبب من معاییر قیمیّة ربطت بین الفنون والآداب وثقافاتهما وبین نظام قبلی قوامه القوّة, أو سلطة على رأسها رجل ینزع الى التسلّط.

هكذا جرى تفضیل شعر الفخر والمدیح والهجاء (بصفته, ای الهجاء, الوجه الآخر للمدیح) على شعر الرثاء, ای تفضیل ما یعبّر عن القوة ویخدم السلطة على شعر "الضعف والضعفاء".

ولئن كانت المرأة معتبرة, فی نظام القیم الاجتماعی, من جنس الضعفاء, فقد أُهمل امرأة وفتاة بریشة ماتیس. شعرها وسقط ذكر الشاعرات اللواتی بلغ عددهن 242 شاعرة, من الخنساء الى ولادة بنت المستكفی.

كما أُهملت فنون النساء كالتهویدات التی تغنیها الامهات لأطفالهن, لأنها لیست من الفنون التی ترتبط بالسلطة, او تندرج فی مسرات البلاط.

اما الخنساء التی برزت دون نظیراتها من امثال لیلى الاخیلیة, ورابعة العدویة (المتصوفة), والفارعة بنت طریف, وعائشة بنت المهدی, والسیدة زبیدة بنت جعفر (زوجة الخلیفة هارون الرشید وأم ولده الأمین), ودنانیر, ومحبوبة… فإن شعرها الرثائی لأخیها صخر لم یقوّم الا بتخلیها عن الدمع والانتقال الى الفخر منشدة:

"وإن صخراً لوالینا وسیّدنا / كأنه علم فی رأسه نار".

ویمكن القول إن استعمال مصطلح "الأدب النسائی" یعود, فی العالم العربی, الى مرحلة النهضة التی أدرك فیها المتنورون أهمیة دور المرأة فی نهوض المجتمع, وهو ما استدعى تعلیمها وأفسح لها, من ثم, إمكان المشاركة فی النشاطات الاجتماعیة والثقافیة والانتاج الأدبی.

فی هذه المرحلة - مرحلة النهضة - عرفت اللغة العربیة مجموعة من المفردات تخص نشاطات المرأة وتشیر الى ما یبذل من اجلها, مثل:

- تعلیم النساء (سنة 1881 أسست السیدتان إملی سرسق ولبیبة جهشان اول معهد علم للفتیات) - الجمعیات النسائیة (لقد انشأت سیدات بیروت سنة 1880 جمعیة "زهرة الاحسان, وسنة 1914 جمعیة "یقظة الفتاة العربیة") - المجلات النسائیة (أصدرت هند نوفل مجلة "الفتاة" سنة 1892 فی الاسكندریة, ومدیحة الصابونی مجلة "المرأة" سنة 1893 فی حلب, ولبیبة هاشم مجلة "فتاة الشرق" سنة 1906, وعفیفة كرم مجلة "المرأة السوریة" سنة 1911 - الصالونات الأدبیة النسائیة (صالون مریانا مراش فی حلب, وصالون الأمیرة نازلی فاضل, وصالون می زیادة فی القاهرة)…

مثل هذه النشاطات وسمت بـ"النسائیة", وإن شارك فیها الرجل (فقد عمل الطهطاوی (1801-1873) على إقامة مدرسة لتعلیم البنات, وخصص قاسم أمین (1864-1980) كتابین هما: "تحریر المرأة" و"المرأة الجدیدة").

وعلیه فإن "النسائی" یشیر, وفی شكل اساس, الى حیز دال على حضور المرأة ونشاطها فی الحیاة الاجتماعیة والثقافیة والأدبیة.

وبالنظر فی خطاب المرأة الأدبی ففی إمكان القارئ, او الباحث, ان یلاحظ أنه لیس خطاباً نسویاً بمعنى الثنائیة الضدیة بین خطاب أنثوی وخطاب ذكوری. ولئن كان من ضدیة, فإن لها, وبحسب لسان العرب, معنى الخلافیة الندیة (فقد جاء فی "لسان العرب" واستناداً الى "ابن سیدة" فی إحالته على ثعلب: "ضد الشیء خلافه, وضده, ایضاً, مثله"… وجاء استناداً الى الأخفش: "الند الضد والشبه". أو, حسب ابن الاعرابی: "ند الشیء مثله وضده خلافه".

ویقال (والكلام لابن الأعرابی): "لقی القوم أضدادهم وأندادهم ای أقرانهم"), ای معنى الخطاب القرین. ما یعنی ان المرأة بهذا الخطاب الضدّی, او الخلافی, تعلن عن وجودها ككائن مبدع, شأن الرجل إذ یعلن, فی خطابه, عن وجوده ككائن مبدع.

ان خطاب المرأة, الموصوف بالنسائی, هو خطاب یؤكد حضورها الذاتی ویمیزه.

یضمر "النسائی" فی الخطاب الأدبی العربی معنى الدفاع عن الـأنا الأنثویة, بما هی ذات لها هویتها المجتمعیة والانسانیة. ومن موقع الندیة, یواجه "النسائی", لا الرجل بصفته الانسانیة, بل آخر هو, تاریخیاً, قامع ومتسلّط.

ففی روایة "أنا أحیا" (1956) للیلى بعلبكی (لبنانیة) تتمرد لینا, بطلة الروایة, على الرجل بصفته فی مواقع السلطة فی المجتمع (أب, ورئیس شركة, واستاذ جامعی, وحزبی) ویمارس, من هذه المواقع قمعه علیها. لینا, ومن خلفها المؤلفة الضمنیة, ضد هذا القمع ولیست ضد رجل تودّ, كما تقول, ان تشبك بذراعه ذراعها. وفی "حجر الضحك" (1990) لهدى بركات (لبنانیة) یحیل خلیل, بطل الروایة, عنف الحرب الاهلیة فی لبنان, على وعی ثقافی - اجتماعی, ولیس على تكوین فیزیولوجی - جینی. ذلك ان خلیل, وبأثر من هذا الوعی السائد, یرفض الجینات الانثویة فیه النازعة به الى الهدوء والسلام لینخرط فی ممارسة العنف الذكوری. لم تكتب المرأة ضد الرجل الانسان حین تناولت فی كتاباتها الابداعیة العلاقة بین الأنوثة والذكورة, بل كتبت ضد ایدیولوجیا السلطة الذكوریة, وضد وعی ذكوری سائد غیر مدرك, شأن سامح, بطل روایة "باب الساحة" (1990) لسحر خلیفة (فلسطینیة) بأن التحرر لا یتحقق لمجتمع یعاقب المرأة حیث یسامح الرجل. تكتب المرأة لتعبر عن سبل تستعید بها الانثى ثقتها بذاتها المفقودة, فتحكی لنا مدى, بطلة روایة "شجرة الحب غابة الاحزان" (2000) لأسیمة درویش (سعودیة من أصل سوری), عن غربتها فی وطنها الذی یتسید فیه الرجل, وعن استعادتها لذاتها فی بلاد الغربة التی وفّرت لها العلم والحب والحریة. یُفصح ما تكتبه المرأة عن قدراتها الابداعیة فی مواجهة ما لحق بها من ظلم على مدى تاریخ طویل: فتواجه عالیه ممدوح (روائیة عراقیة) ظلم الرجل بمنح النساء حیزاً واسعاً من عوالم روایاتها: ففی "الولع" (1995), كما فی "المحبوبات" (2003) تنسج الشخصیات النسائیة عالماً رحباً قوامه الالفة بینهن, وسمته التعالی على الألم, بحیث تبدو النساء مشفقات على الرجل, هازئات, بكبریاء, من ظلم یبدو فیه التاریخ اكثر ذكوریة من الرجل نفسه.

یسعى خطاب العلاقة الضدیة بین الانوثة والذكورة, فی ادب المرأة العربیة - ای خطاب الضدیة التی لها معنى القرین - الى تثمین الانوثة بإضاءة دلالاه المرتبطة بالهویة واللغة والحیاة.

هكذا, فلئن كان الشعر ینسب, غالباً, الى ضمیر الأنا, وبالتالی یمكننا اعتبار ما تكتبه المرأة من شعر هو, وفی شكل عام, تثمین لأنوثتها, فإننا, وبالنظر فی ما تكتبه سرداً, نعثر على أعمال تستهدف, دون غیرها, مثل هذا التثمین. ففی روایة "شجرة الفهود" (2002) لسمیحة خریس (أردنیة) تبدو الذات الانثویة (شخصیة فریدة الرامز اسمها الى فرادتها) هی الوریث لسلالة الفهود. فهی, فریدة, التی تحمل البذرة, وهی التی - بحسب منظور الروایة - تجسد الانتماء وتكفل دیمومة الهویة. وتنیط علویة صبح (لبنانیة) عودة المنطوق الحی الى السرد الروائی العربی بالانثى, مریم, بطلة روایتها التی تحمل اسمها "مریم الحكایا" (2002). كذلك تنیط بهذه الانثى نمطاً حكائیاً یتوالد شأن الكلان فی توالده على لسان ربّته التراثیة شهرزاد.

وفی "غرناطة" (1994), و"مریمة والرحیل" (1995) لرضوى عاشور (مصریة), تبرز الانثى بصفتها حافظة للغة العربیة ولتراثها الذی أحرق. قد یكون علی, ومن منطلق منهجی, ان افترض امكان اعتبار ما سبق وذكرته من أمثلة, أدباً نسائیاً, وذلك - وخلافاً لما ذهبت الیه - على اساس من هذه العلاقة نفسها بین الذكورة والانوثة, ومن هذا التثمین نفسه. لذا أجدنی معنیة بالاشارة الى بعض ما قدمته المرأة من اعمال أدبیة, بخاصة فی مرحلة الریادة, ومما هو لا ینبنی على اساس من هذه العلاقة, او من هذا التثمین, ومع هذا یوضع تحت یافطة "الأدب النسائی": فروایة "حسن العواقب" (1899) لزینب فواز (1846-1914), مثلاً, تنبنی على اساس من الصراع بین الامراء الاقطاعیین على السلطة, ولیس على اساس من علاقة بین الأنوثة والذكــورة.

كذلك تتركز الحكایة فی روایة "قلب الرجل" (1904) للبیبة هاشم (1882-1952) على ما جرّته احداث سنة 1860, او النكبة بحسب تعبیر الروایة, من ویلات على اللبنانیین, ذكوراً وإناثاً, وذلك على حد انتماءاتهم الطائفیة. ومع تقدم كتابة المرأة الروائیة تبرز روایة "الباب المفتوح" (1960) للطیفة الزیات (مصریة) كعلامة على علاقة وثیقة بین ما هو ذاتی, او أنا أنثوی, وما هو مجتمعی تحرری مشترك.

كما تبرز, فی ما بعد, روایة "ذاكرة الجسد" (1993) لأحلام مستغانمی (جزائریة) التی تتمارى فیها المرأة بالوطن, ویبرز العشق وثیق الصلة بالشهداء الذین یخلصون ویضحون من اجل أوطانهم, فی مقابل الذین یبیعون بالمال هذه الاوطان. كما تستوقفنا, فی هذا الصدد, روایات وقصص عدة منها: روایة "مراتیج" (1985) لعروسیة النالوتی (تونسیة) التی تقدّم صورة جیل یعیش قلق الاسئلة الصعبة. وروایة "الاقلاع عكس الزمن" (1980) لإمیلی نصرالله (لبنانیة) التی تحكی عن الحرب والغربة والتعلق بالجذور.

وروایة "لیل نهار" (1997) لسلوى بكر (مصریة), وروایة "بیروت 2002" (2003) لرینیه الحایك (لبنانیة). ومجموعة غادة السمان (سوریة) القصصیة, "رحیل المرافئ القدیمة" (1973), ومجموعة هادیا السعید (لبنانیة) القصصیة "رحیل" (1989). ففی هذه الاعمال السردیة یمتزج الخاص بالعام, ویتداخل الذاتی والاجتماعی على نحو فنی یدعو الى نسبتها الى الابداع اكثر مما یحمل على نسبتها الى أدب نسائی.

ویبدو الذهاب فی هذا الاتجاه - ای نسبة أدب المرأة العربیة الى الابداع - اكثر إلحاحاً مع انخراط انتاجها فی ما یمكن تسمیته: "مشروع الروایة العربیة". ففی اطار هذا المشروع مارست المرأة الروائیة التجریب, وتوسلت عناصر من التاریخ مضمِرة سؤالاً حول معنى الحقیقة وعلاقة المتخیل الروائی بالسرد التاریخی, كما تجاوزت القواعد التقلیدیة وداخلت بین الشهادة والوثیقة والرسالة منوعة فی السرد وأسالیبه, شأن رضوى عاشور (مصریة) فی روایتها "قطعة من أوروبا" (2003). وشأن نجوى بركات (لبنانیة) فی عودتها الى التراث فی روایتها "لغة السر" (2004) وطرح أسئلتها المضمرة على المقدّس فی رموزه اللغویة. وشأن رجاء عالم (سعودیة) فی روایتها "سیدی وحدانه" (1998) التی تستعید فیها فصاحة العرب وتحیی ثراء لغتهم.

لقد قدمت المرأة العربیة الكاتبة أنماطاً من البناء تحدثن بها السرد العربی على خلفیة منظور فكری یقول بالاختلاف على أساس التعدد والتنوع, ولیس على أساس من معاییر قیمیة تضم الانوثة ضد الذكورة او دونها. فقدمت می التلمسانی (مصریة) فی روایتها "دنیا زاد" (1997) بناء فنیاً یجاور بین صوتین سردیین (الأم والأب) یشتركان فی مشاعر الفقدان. وقدمت نجوى بركات فی روایتها "باص الأوادم" (1996) بناء تمیز بمونتاج سینمائی وبطابع حركی بصری, وبشخصیات تنوعت سلوكاتها على اساس انتماءاتها الاجتماعیة لا الذكوریة او الانثویة. وكما فی تحدیث السرد, ساهمت المرأة, بصفتها شاعرة, فی تحدیث القصیدة العربیة شأن نازك الملائكة التی كان لها, بقدر ما كان للشاعر بدر شاكر السیاب, فضل الریادة فی نقل القصیدة العربیة من شعریة الوزن والقافیة الى شعریة التفعیلة والایقاع.

وعندما نتكلم عن الشعریة - شعریة الشعر وشعریة السرد - ت Poژtique, فإننا نتكلم على أدب یتطور بتغیر قواعد تخصه ولا علاقة لها بذكورة او أنوثة.

ان الثورات الادبیة التحدیثیة التی كان یمارسها الخطاب الادبی العربی, كانت ثورات معنیة بعلاقة هذا الخطاب بالحیاة, وبرؤیة الكاتب / الكاتبة الذی یعیش فیه, كما كان یشترط كسر تقالید البنى الأدبیة وقواعدها, ویستدعی تجدید اللغة, وتفكیك تراكیبها البلاغیة الجامدة. وهو ما كان یمارسه المبدع / المبدعة, بغض النظر عن جنسه.

وبالنظر الى الاجناس الأدبیة, فقد یعلل البعض إقبال المرأة على النثر وسردیاته, او على النثر الشعری اكثر من إقبالها على القصیدة العمودیة, بالأنوثة: فالأنوثة, كما یقال, كلام شفوی یحكی, والذكورة عقل یفكر ویكتب.

ولكن بالعودة الى الواقع والتاریخ, ندرك أن قلة عدد الشاعرات, بخاصة فی مرحلة سیادة القصیدة العمودیة وكثرة الشعراء, یرجع الى حرمان المرأة من التعلیم, كما ان استمرار عدم اقبال المرأة على قول الشعر العمودی, او كتابته, حتى بعد ان ارتادت المدرسة, فی الأربعینات والخمسینات من القرن العشرین - فترة ازدهار الشعر وبروز الشعراء الرومنطیقیین - یجد سببه فی نظام تعلیمی لا یدرس عروض الشعر وبحوره وما یتعلق بقواعده الشعریة الجمالیة فی مدارس البنات, ولا یجد سببه فی أنوثة المرأة او فی طبیعتها الانثویة.

وعلیه, فإن وردة الیازجی (1838-1924), وزینب فواز, وعائشة تیمور (1840-1904), وفدوى طوقان (1917-2004), لسن, بصفتهن شاعرات, استثناء یثبت القاعدة التی تربط بین الانوثة والكلام, بل یشرن بأنسابهن المعروفة, الى نخب عائلیة, او الى بیوت علم, وفّرت لبناتها العلم فی خدورهن وأعانت مواهبهن الشعریة على النضج والظهور.
+درج شده توسط مترجم عربی - دکتر مهدي شاهرخ در شنبه ۱۱ اردیبهشت ۱۳۸۹و ساعت 21:47|