مناقشة نقاد قصیدة النثر:
أثار مصطلح قصیدة النثر منذ
مولده أو بالأحرى اجتلابه إلى البیئة العربیة
العدید من النقد أبرزه ملاحظة التناقض بین طرفی المصطلح ، ویرى الدكتور عبد
القادر أن هذا المصطلح یثیر مفارقة واضحة بین طرفی القصیدة والنثر فیقول :
" وقد أثارت المفارقة الواضحة بین طرفی المصطلح " القصیدة والنثر " - وما
زالت تثیر- كثیرا من الجدل ".(57)
وأرى أن على النقد تخطی ذلك الجدل ؛ لأن هذا اصطلاح، ولا مُشاحَّة فی الاصطلاح
كما علمنا علماؤنا الأوائل.
كما یجب ألا ننسى أن الشعر الحر أیضا قام على مصطلح غیر دقیق ، ولم ینته
الشعر الحر بسبب ذلك.
وقد نشأت مصطلحات أخرى مهدت فی العربیة لهذا النوع مثل :
"الشعر المنثور الذی یعرفه أمین الریحانی قائلا: : " یدعى هذا النوع من
الشعر الجدید.
بالإفرنسیة Vers Libres وبالإنكلیزیة Free Verse - أی الشعر الحر الطلیق-
وهو آخر ما اتصل إلیه الارتقاء الشعری عند الإفرنج وبالأخص عند الإنكلیز
والأمیركیین. فشكسبیر أطلق الشعر الإنكلیزی من قیود القافیة. وولت وتمن
Walt Waiman الأمیركی أطلقه من قیود العروض كالأوزان الاصطلاحیة والأبحر
العرفیة. على أن لهذا الشعر الطلیق وزنا جدیدا مخصوصا وقد تجیء القصیدة فیه
من أبحر عدیدة متنوعة..(61)
لاحظ أنه یتحدث عنه بصیغة الحدیث عن آخر صیحة!
ولتوفیق الحكیم تجربة یعبر عنها قائل:"ولقد أغرانی هذا الفن الجدید فی
السنوات العشرین من هذا القرن وأنا فی باریس بالشروع فی المحاولة فكتبت بضع
قصائد شعریة نثریة من هذا النوع ، وهو لا یتقید بنظم ولا بقالب معروف".(62)
أما حسین عفیف فقد عرفه بأنه :
"یجری وفق قوالب عفویة یصبها ویستنفدها أولا بأول, لا یتوخى موسیقى الوزن
ولكنه یستمد نغمته من ذات نفسه. لا یشرح ومع ذلك یوحی عبر ایجازه بمعان لم
یقلها, لیس كشعر القصید ولا كنثر المقال ولكنه أسلوب ثالث".
وفی تعریف آخر له یقول :" الشعر المنثور یتحرر من الأوزان الموضوعة ولكن
لا, لیجنح الى الفوضى, وانما لیسیر وفق أوزان مختلفة یضعها الشاعر عفو
الساعة ومن نسجه وحده, أوزان تتلاحق فی خاطره ولكن لا تطرد, غیر أنها برغم
تباین وحداتها, تتساوق فی مجموعها وتؤلف من نفسها فی النهایة هارمونیا
واحدة, تلك التی تكون مسیطرة علیه أثناء الكتابة.(63)
لكن أنسی الحاج یفرق بین المصطلحین فیقول:" لكن هذا لا یعنی أن الشعر
المنثور والنثر الشعری هما قصیدة نثر، إلا أنهما- والنثر الشعری الموقع على
وجه الحصر- عنصر أولی فی ما یسمى قصیدة النثر الغنائیة. ففی هذه لا غنى عن
النثر الموقع.(64)
أما البدایة الفعلیة فترجع إلى جماعة مجلة شعر التی تأسست فی بیروت 1957م
بریادة كل من یوسف الخال ، وخلیل حاوی، ونذیر العظمة، وأدونیس ، ثم انضم
إلیها : شوقی أبو شقرا وأنسی الحاج ، ودعمها من خارجها جبرا إبراهیم جبرا و
سلمى الجیوسی (65) ویصرح أنسی الحاج بأنه :
" صاحب أول وثیقة فی قصیدة النثر المكتوبة بالعربیة دیوان (لن) هو الكتاب
الأول المعرف نفسه بقصیدة النثر والمكتوب بهذه الصفة تحدیدا.. والمتبنی
لهذا النوع تبنیا مطلقا.(66)
فماذا قال فی مقدمته التاریخیة تلك ؟
قال: " هل یمكن أن نخرج من النثر قصیدة؟ أجل، فالنظم لیس هو الفرق الحقیقی
بین النثر والشعر. لقد قدمت جمیع التراثات الحیة شعرا عظیما فی النثر، ولا
تزال. وما دام الشعر لا یعرف بالوزن والقافیة، فلیس ما یمنع أن یتألف من
النثر شعر، ومن شعر النثر قصیدة نثر".(67)
تعریف قصیدة النثر:
أوردت الموسوعة العربیة العالمیة تعریفا منصفا لها ، یتضمن أغلب مقولات
أنصارها ، حیث عرفتها بأنها:
" جنس فنی یستكشف ما فی لغة النثر من قیم شعریة ، ویستغلها لخلق مناخ یعبر
عن تجربة ومعاناة، من خلال صور شعریة عریضة تتوافر فیها الشفافیة والكثافة
فی آن واحد ، وتعوض انعدام الوزن التقلیدی فیها بإیقاعات التوازن والاختلاف
والتماثل والتناظر معتمدة على الجملة وتموجاتها الصوتیة بموسیقا صیاغیة تحسُّ
ولا تُقاس".(68)
موقف من التراث:
وبینما كان رواد (الشعر الحر(التفعیلة) معنیین بصلتهم الوثقى بالتراث
الشعری والعروضی العربی فإن من رواد قصیدة النثر من لم یهتم بهذه الصلة ،
بل إن منهم من صرح بالاغتراب عن هذا التراث العربی یقول أنسی الحاج:
"أشعر بالغربة فی المقروء العربی... قراءة العربیة تصیبنی بملل لاحد له،
وما أبحث عنه أجده فی اللغة الفرنسیة؛ لأن الفرنسیة هی لغة (الانتهاك)
بینما العربیة لغة (مقدسات) ".(69)
وهذا تعمیم غیر علمی وشبهة مردودة فاللغة -أیة لغة- قادرة على أن تعبر عن
المقدس وغیرالمقدس .
ومنهم من عد الاهتمام بالبحث عن جذور أو أصل فی التراث خللا كالشاعر قاسم
حداد؛ إذ یقول " ثمة خلل فی الصدور عن إحساس بضرورة تأصیل كل ظاهرة فنیة
لمرجعیة محددة ، كأن تكون الكتابة ، خارج الوزن ، معطى منسوخا عن تجربة -
قصیدة النثر الغربیة ، أو أن یكون لهذه الكتابة أسلاف فی التراث العربی ".
(70)
وفی المقابل حاول نفر منهم تعویض النشأة الأجنبیة لقصیدة النثر اصطلاحا
وتعریفا وشروطا قائمة كلها على نماذج من الأدب الفرنسی، فلجؤوا إلى التراث
العربی القریب ناسبین قصیدة النثر إلى جبران ومصطفى صادق الرافعی، والبعید
مفتشین عن نماذج لابن حزم ، أبی حیان الأندلسی، وابن عربی.
أما على مستوى التنظیر فلجؤوا إلى بعض النصوص التراثیة للاستئناس بها
لقواعد سوزان برنار ، مثل النص الذی أورده عبد القاهر: "حین رجع عبد الرحمن
بن حسّان إلى أبیه حسَّان وهو صبیّ، یبكی ویقول لَسَعَنی طائر، فقال حسان: صِفْهُ یا
بُنیَّ، فقال: كأنه مُلْتَفٌّ فی بُرْدَىْ حِبرَة، وكان لسعَهُ زُنْبُور، فقال حسّان قال ابنِی
الشِّعر وربِّ الكعبة ، أفلا تراه جَعل هذا التشبیه مما یُستدَلُّ به على مقدار قُوّة
الطبعِ، ویُجْعَل عِیاراً فی الفَرْق بین الذهن المستعدّ للشعر وغیر المستعدّ له".(71)
ولیس فی نص الجرجانی دلیل على أن الشعر یكون بغیر وزن؛ لأن تسمیة حسان ما
قاله ابنه شعرًا تسمیة مجازیة توحی بقوة استعداد ابنه للشعر فیما بعد كما هو
واضح من تعلیق عبد القاهر.
ومنهم من تمسك بقول الفارابی إن "القول الشعری قد یكون غیر موزون ". ولم
ینتبهوا أن القول الشعری للفارابی مختلف عن الشعر فالمقصود به الحجة
الشعریة فی اصطلاح الفلاسفة.(72)
موقف من الموسیقا:
یعبر أدونیس عن موقف رواد قصیدة النثر من الموسیقا قائلا:
" الوزن/ القافیة ظاهرة إیقاعیة- تشكیلیة لیست خاصة بالشعر العربی وحده
وإنما هی ظاهرة عامة، فی الشعر الذی كتب ویكتب بلغات أخرى، لكن على تنویم
وتمایز. الزعم إذن، بان هذه الظاهرة خصوصیة نوعیة لا تقوم اللغة الشعریة
العربیة إلا بها، ولا تقوم إلا بدءا منها واستنادا إلیها، إنما هو زعم واهٍ
جدا وباطل".(73)
یبدأ أدونیس بمقدمة سلیمة ، هی أن الوزن والقافیة ظاهر إیقاعیة لیست خاصة
بالشعر العربی وحده ، وهذا صحیح وقد بینه الزمخشری من قبل ، لكنه یقفز إلى
نتیجة خاطئة هی رفض ألا تقوم اللغة الشعریة إلا بها.
فهل وجود الوزن والقافیة فی شعر لغات أخرى ، ینفی أن یكونا عنصرین من عناصر
بناء الشعر العربی.
وكذلك فإن عدم وجودهما فی شعر لغة من اللغات " لیس مما یسلب الشعر كله من
موسیقاه"(74) كما یقول الدكتور أنیس.
بدائل الموسیقا:
بعد أن اتفق أصحاب هذا الاتجاه إهدار عنصر الموسیقا راحوا یبحثون عن بدائل
للتعویض فتوصلوا إلى عمود لقصیدة النثر مستقى من تنظیر برنار ، قائم على
شروط ثلاثة بدون أحدها یستحیل الحدیث عن قصیدة نثر، وكل شرط من هذه الشروط
یستدعی ملازما له على هذا النحو:
1- الإیجاز : الكثافة .
2- التوهج : الإشراق .
3- المجانیة : اللازمنیة.
مبدأ تعویض الموسیقا الغائبة:
وقد أشار أنسی الحاج إلى هذا القانون فقال عن قصیدة النثر إنها :" تستعیض
عن التوقیع بالكیان الواحد المغلق، الرؤیا التی تحمل أو عمق التجربة الفذة،
أی بالإشعاع الذی یرسل من جوانب الدائرة أو المربع الذی تستوی القصیدة
ضمنه، لا من كل جملة على حدة وكل عبارة على حدة أو من التقاء الكلمات
الحلوة الساطعة ببعضها البعض الآخر فقط" . (75)
وهو یشیر هنا إلى مبدأ الاستعاضة او التعویض الذی نقله عن سوزان وتلقاه
نقاد قصیدة النثر.
وقد بلور الدكتور صلاح فضل هذا القانون فقال " إن قصیدة النثر تعتمد الجمع
بین الإجراءات المتناقضة ؟ أی إنها تعتمد أساسا على فكرة التضاد، وتقوم على
قانون التعویض الشعری".(76)
وأنا أرى أن قانون التعویض هذا ملازم لقصیدة النثر وأصحابها فی أكثر من
مستوى بدءًا من المصطلح (قصیدة ) ومرورا بكتابة كلمة شعر على نصوصهم
ودواوینهم ، وإلحاح بعضهم، لا سیما الماغوط ،على الإكثار من مفردات " شعر
وقصیدة" فی نصوصهم.
والذی یعنینی هنا مبدأ التعویض عن عنصر الموسیقا، وأرى أنه قائم على مفارقة
عجیبة .
فالتعویض إنما یكون عما یفقده الإنسان لا بإرادة منه ، فحینئذ یلجأ إلى
تعویض ما خسره ، أما فی حالة قصیدة النثر فإن إهدار الموسیقا متعمد فما
معنى التعویض؟
إن الموسیقا فی الشعر إما أن تكون مهمة ، فلا تستحق الإهدار، أو غیر مهمة ،
فلا تحتاج إلى تعویض.
فهل من المعقول المقبول أن یفقأ إنسان عینیه ثم یقول : سأعوض عن حاسة البصر
بتنشیط حواسی الأُخَر؟!
لكنهم انطلاقا من شعورهم بالحاجة إلى تعویض للموسیقا الغائبة ، راحوا
یبحثون، حتى توصلوا إلى تبنی البدائل التالیة:
أولا: بدیل كمال أبو دیب: "الفجوة: مسافة التوتر":
أما كمال أبو دیب فیعترض على اتخاذ الإیقاع عوضا عن الموسیقا فی قصیدة
النثر فلدیه:
"لا یكون ثمة من كبیر جدوى فی تحدید الشعریة على أساس الظاهرة المفردة
كالوزن أو القافیة أو الإیقاع الداخلی أو الصورة أو الرؤیا أو الانفعال ".(77)
ولذلك یقترح مفهوما جدیدا یسمیه:"الفجوة أو مسافة التوتر وهو مفهوم:" لا
تقتصر فاعلیته على الشعریة بل إنه لأساسی فی التجربة الإنسانیة بأكملها بید
أنه خصیصة ممیزة".
بید أن ما یمیز الشعر هو أن هذه الفجوة تجد تجسدها الطاغی فیه فی بنیة النص
اللغویة بالدرجة الأولى وتكون الممیز الرئیسی لهذه البنیة". ویحاول أن یطبق
هذا المفهوم الذی (لا یقتصر على الشعریة بید أنه خصیصة ممیزة )على نص"فارس
الكلمات الغریبة" لأدونیس" ، حیث:"تبرز مسافة التوتر فی العبارة الواحدة
منذ اللحظة الأولى للنص:
"یُقْبلُ أعزلَ كالْغابة "
ذلك أن یقبل أعزل الخالیة من التوتر نهائیا تخلق ما سأسمیه بنیة توقعات
بعشرات الإمكانیات لكن النص یقدم اختیاره من خارج بنیة التوقعات "كالغابة"
ویفعل بذلك شیئین: یخلق فجوة: مسافة توتر نابعة من ربط العزلة بالغابة،
وفجوة أخرى نابعة من حصر دلالات الغابة اللانهائیة نظریا ، فی دلالة واحدة
تقع هی أیضا خارج بنیة التوقعات المرتبطة بالغابة".(78)
فهل تصلح هذه (الفجوة:مسافة التوتر) أن تكون بدیل الموسیقا الشعریة فی
القصیدة ، وممیز الشعریة فیها ؟
ثانیا : الإیقاع:
تعریف الإیقاع:( RHYTHM)
"الإیقاع أقدم الأنواع الموسیقیة . وهو العنصر الذی ینظم حركة الموسیقا
وتدفقها خلال الزمن."(79)
فالإیقاع جزء من الموسیقا وعنصر من عناصرها.
یقول الدكتور غنیمی هلال:" ویقصد به وحدة النغمة التی تتكرر على نحو ما فی
الكلام أو فی البیت ، أی توالی الحركات والسكنات على نحو منتظم فی فقرتین
أو أكثر من فِقَرِ الكلام، أو فی أبیات القصیدة ، وقد یتوافر الإیقاع فی
النثر، وقد یبلغ درجة یقرب بها كلَّ القرب من الشعر، أما الإیقاع فی الشعر
فتمثله التفعیلة فی البحر العربی ".(80)
لكن أصحاب قصیدة النثر فهموا الإیقاع فهما یتلاءم مع قصیدتهم، یقول الدكتور
النجار:"وهو - توفیق صایغ- إذ یستغنی عن إیقاع الوزن فإنه لا بد یستغنی عنه
بعناصر إیقاعیة أخرى هی ما یطلق علیه الإیقاع الداخلی ، وهو یشیر إلى إیقاع
فی النص باستثناء الوزن والقافیة الرئیسة".(81)
فقسم الإیقاع إیقاعین داخلی ومعنوی:
1- الإیقاع الداخلی:
یقول:"فكان هذا الإیقاع أبرز ما یكون متمثلا فی الحرص على أحرف العلة ، ومن
2- الإیقاع المعنوی
أ ، یقول الدكتور مصلح النجار: ثمة إیقاع یستند أساسا إلى جانب معنوی هو
التضاد اللغوی والتقابلات التی تحتشد فی الأسطر السابقة
العشی – الصباح / جاهلیة – الیقین/ لتعطی – لتأخذی.
وهذا یصنع إیقاعا معنویا ، ینضاف إلى ما یسمى الإیقاع الداخلی أیضا." (82)
وأنت تدرك أن النثر العربی القدیم كان بتلك المحسنات البدیعیة حفیا !
وقد حاول كمال خیر بك أن یحلل قصیدة للماغوط تحلیلا إیقاعیا مكتشفا فیها
"كتلا" إیقاعیة متناسبة بدرجة أو بأخرى، حسب تعبیره ، وهو یرى أن الشاعر
یفكر بإرادة واعیة فی إعطاء نصه مسحة موسیقیة منتظمة . (83)
أما الدكتور صلح فضل فیبشر بشعر آخر یتیح لنا:" أن نكتشف إیقاعا آخر غیر
الذی یكاد یصم آذاننا لشدة ما تعودنا رنینه".(84)
وهو یجد ضالته فی مقطوعة بعنوان " وتراءى له" للشاعر محمد متولی فی مجموعته
الشعریة بعنوان" حدث ذات مرة أن" التی یراها "تمثل نموذجا ناجحا لهذه
الثورة الشعریة فی مصر" وتذكره بما كانت تحدثه الدواوین الانفجاریة الأولى
من تأثیر :
"فی القطار/سیدة حافیة تغنی الآریا الأخیرة لموسیقار مجهول
وفئران تطعم من بطانة مقعدها/ شعراء فی هیئة شحاذین/ یتبادلون الصحف القدیمة
ومهرول یعثر على قدم حبیبته تحت الحقائب/ بینما شخیر الراكب یعلو..
علیك أن تحشو فمه بحذاء ممزق".(85)
ولن یعجز ناقدنا عن أن یلم شتات هذه الأشیاء فی فكرة "التآكل وانتهاء
العالم القدیم" وینتهی إلى حكمة مهمة ،هی:"ضرورة الصمت " كما یبرزها المشهد
الأخیر.
ثم یسألنا الناقد : هل تبشر المقطوعة بانتهاء عصر الغناء الرث والعواطف
الفجة التی لا تستحق سوى السخریة والازدراء والبتر العنیف".
هكذا یرى الناقد ضرورة الصمت ولو بالحذاء، أما الشخیر فهو فی تفسیره "عصر
الغناء الرث" الذی ینبغی أن یضرب بالحذاء
فهل لنا أن نفهم أن المقصود بالحذاء حسب تفسیر الناقد هو البدیل . ألا یرى
فی هذا إهانة للبدیل الذی یبشر به.
لا أظن ، لأن الناقد یتحدث بلغة ثوریة ، بل یدخل إلى البحث عن "شعر آخر
إیقاع آخر" وكأنه یدخل معركة ، إذ یقول:" أثبت عدد مجلة (الناقد) المخصص
لقصیدة النثر أن المخزون الاستراتیجی للشعریة العربیة منها عندنا أوفر مما
یقدره النقاد.. ویبدو أن قصیدة النثر أصبحت رایة الشباب الثائر على الأعراف".
ثم یتحدث عن مشكلة " غیبة الإیقاع الخارجی الظاهر المریح، واختفاء أنساق
التفعیلات العروضیة من فوق سطح النص" ، لیلجأ إلى حل أكثر راحة ألا وهو:
" أن نتوسع فی مفهوم الإیقاع ، ولا نقصره على نوع واحد "، فإذا نحن صنعنا
ذلك : "استطعنا أن نتبین ما تبقیه قصیدة النثر وتنمیه من إیقاعات".
وإذا ناقشنا هذا النقد بموضوعیة – بصرف النظر عن مناقشة قصیدة النثر ذاتها-
اكتشفنا أنه غیر منهجی، إن مثله كمثل من یقول :" لماذا لا تتوسع فی مفهوم
الذهب لیشمل الحدید والنحاس ؟ ألیست جمیعها معادن؟!
ثم یحدثنا الناقد عن " الترجیع الإیقاعی " فلیس ثمة إیقاع بدون ترجیع ،
وإذا كانت القصیدة تنبنی من كِسَرٍ مرصوصة ، ونثار وردی من التفاعیل المبعثرة
، تخلق بنسیجها الصوتی مجالاتها وأصداءها الموسیقیة المبتكرة – تظل جملة
"الموسیقى: خلفیة لا أكثر هی الرباط الذی یشد هیكل البنیة الإیقاعیة للقصیدة".
فهل ینجح هذا النقد فی تعویض الموسیقا المهدرة سلفا؟
أما الشاعر حلمی سالم( فی ندوة عُقدت بحلقة الزیتون الإبداعیة بالقاهرة
لمناقشة دیوان (نقرة إصبع شارك فیها المؤلف) راجع موقع الشاعرة فاطمة ناعوت
على الإنترنت : فیقطع الطریق على هؤلاء الذین یتكلفون البحث عن الإیقاع فی
قصیدة النثر قائلا:
"لقد كنا فیما سبق نردد مثل هذا الكلام حول الإیقاع فی قصیدة النثر، ولكنی
أقول الیوم: وما الذی سیحدث لو لم یكن هناك إیقاع أصلا؟ دعونا من ذلك
ولنتأمل لغة كل شاعر وأبنیته وصوره" .
وبعدُ ، فقد حكى طه حسین( 86) عن جوردان السوقة فی مسرحیة من مسرحیات مولییر
قوله :"یا للعجب إذًا فأنا أتكلم النثر منذ أربعین سنة ، ولا أدری؟"
ویعلق أدیبنا قائلا: " أخشى أیها السادة أن نكون جمیعا كما كان جوردان هذا
نفهم النثر من أنه كل كلام لم یتقید بالنظم والوزن والقافیة"
وأقول : لو قرأ جوردان بعض نماذج قصیدة النثر لقال : "أنا أتكلم قصیدة
النثر منذ أربعین سنة ، ولا أدری!"
أما طه حسین فیقول مستدركا ، ومدركا قیمة النثر:" وأنا إذا قلت النثر فلا
أعنی ذلك النثر الذی یفهمه جوردان ، إنما أقصد النثر الذی یفهمه الأدیب" .
ولإیمان طه حسین جاء نثره بدیعا من غیر حاجة إلى تعویض.
مستقبل قصیدة النثر:
هل لقصیدة النثر مستقبل
من العسیر أن یتنبأ الباحث الدارس لتاریخ الأدب بموت تجربة أدبیة حتى لو
كانت لا تروق له لأسباب موضوعیة أوغیر موضوعیة ؛ فقد علمنا تاریخ الأدب أن
الرفض مهما تكن مبرراته لا یمنع شیوع الشكل الجدید.
وأنت تعرف ما حُكی أن ابن الأعرابی قال، وقد أنشد شعراً لأبی تمام:
إن كان هذا شعراً فما قالته العربُ باطلٌ!
وقد أنصف التاریخ أباتمام دون أن یكون شعر العرب باطلا.
ولنا درس فی موقف العقاد الذی حاول التصدی للشعر الحر(التفعیلة) ، وبقی
الشعر الحر.
ومن الإنصاف أن یتجرع الشاعر الكبیر عبد المعطی حجازی من الكأس ذاتها التی
سقاها للعقاد!
وهل سینصت التاریخ الدبی لصیحة الناقد الكبیر الدكتور القط" :"إذا كان هذا
هو الشعر فأنا منه براء".(87)
وهل سیستمع ناشئة قصیدة النثر إلى تحذیر أدونیس یحذر من " الزیف الذی ینتشر
باسم التجدید. خصوصا أن الكثیر من هذا المزعوم تجدیدا ، یخلو من أیة طاقة
خلاقة ، وتعوزه حتى معرفة أبسط أدوات الشاعر: الكلمة والإیقاع".(88)
أما أنا فأرى – والله أعلم – أن الأشكال الثلاثة (قصیدة البیت ، و قصیدة
التفعیلة ، وقصیدة النثر أوقصیدة الإیقاع) سوف تستمر، وأن الصراع بینها
أیضا سیحتدم لكنی أتمنى أن یكون صراعا إیجابیا ولیس إقصائیا، فها أنت ترى
أن كل محاولات إقصاء الشعر الأول أو الثانی قد باءت بالفشل ، واستمرا رغم
حدة الخلاف بین أنصاریهما فی فترات سابقة .
وأن الشعرالأصیل (ولا أقول القدیم ) (المسمَّى خطأ بالشعر التقلیدی ،
أوالعمودی، أو بشعر الشطرین) والذی وصل إلى آفاق عالیة على ید مبدعین
كالجواهری وأبی ریشة والبردونی ، بما حققوا له من توهج وحیویة ، ما یزال
یواصل تجدده رغم المحافظة على الشكل على أیدی شعراء أخلصوا له ، كالدكتور
عبد اللطیف عبد الحلیم ، والدكتور سعد مصلوح ، وأحمد بخیت، وسمیر فراج ،
والدكتور عبد الرحمن العشماوی، وغیرهم، وسیظل یزدهر على أیدی ناشئة سیدركون
افتقاد محبی الشعر له ، لكنهم سیستمرون فی التجدید مفیدین من إنجازات الشعر
الحر(التفعیلة)، وقصیدة النثر(الإیقاع) معا.
فلیست قصیدة النثر وحدها التی تمتلك المخزون الاستراتیجی (بحسب تعبیر
الدكتور صلاح فضل).
وكما یجب على شعراء البیت، والتفعیلة البعد عن التقلید ، فإننی أرى أن على
حاملی لواء قصیدة النثر الجدد أن یتخلوا عن الشروط التی أراد الشعراء
المؤسسون ونقادهم أن یفرضوها علیها وعلیهم ،() وبعضهم یحاول ذلك كعماد
الغزالی وفاطمة ناعوت ورضا العربی ، حتى لا یظلوا فی انعزال عن أمتهم
وقضایا أمتهم ، وأن یتخلصوا من فكرة القطیعة، لیقللوا من خسائرهم. وأن
یدركوا مدى الخسائر التی تكبدوها بإصرارهم على إهدار الموسیقا الشعریة ،
فخسروا بذلك مكاسب حققتها قصیدة الشعر على مر العصور، منها:
1- الغناء
فإن هذا النفر من الشعراء سیحرم من أن یتغنى بقصائدهم النثریة، بما یمثله
هذا الغناء من ذیوع وانتشار وكسب مساحة جدیدة من المتلقین غیر القراء. وذلك
بسبب افتقارها إلى عنصر الموسیقا رغم تشبثهم بالإیقاع؛ لأن الإیقاع بحسب
تصورهم سیجعل ألحان هذه (النثائر) – إن هی لُحِّنتْ - متشابهة ومكرورة وبعیدة
عن ذوق المستمع العربی، حیث یحتاج إلى مط بعض الحروف لیعوض غیاب الوزن الأصیل.
2- المسرح الشعری
بما یمثله من ثراء فی التعبیر ، وتنوع فی الأداء الموسیقی، والوصول إلى
جمهور خاص.
وأتساءل لو أراد مبدع قصیدة النثر أن یكتب مسرحیة شعریة ماذا سیسمیها ؟
3- الاستشهاد:
فقد اعتاد كثیر من المثقفین حتى غیر المعنیین بالشعر منهم الاستشهاد ببض
الأبیات المأثورة من الشعر الأصیل(البیت) والشعر الحر(التفعیلة) كالاستشهاد
بأبیات الحكمة أو الغزل أو السیاسة مثلا .
فهل یستطیع أصحاب قصیدة النثر أن یصلوا إلى هذا المرتقى؟
هل یتاح لهم أن یسهموا فی بناء الوعی كما أتیح للشعرالأصیل وشعر التفعیلة؟
4- الجمهور المتلقی :
حتى إذا جادل أصحاب اتجاه قصیدة النثر وقالوا لا یعنینا الغناء ولا المسرح
الشعری فإن خسارتَهم الكبرى خسارةُ محبی الشعر الذین انصرفوا عنه انصرافا.
وأحسب أن الخسائر أكثر من هذا وأفدح ، ولكننی أتوقع من كثیر من أصحاب قصیدة
النثر أن یردوا على ذلك بأنهم غیر آبهین لهذه الخسائر، وأنهم زاهدون فی
تحقیق تلك المكاسب، وسیكون شأنهم معها شأن الذی أراد و لم یستطع أن ینال
العنب، فقال:
" إنه حصرم!"
العدید من النقد أبرزه ملاحظة التناقض بین طرفی المصطلح ، ویرى الدكتور عبد
القادر أن هذا المصطلح یثیر مفارقة واضحة بین طرفی القصیدة والنثر فیقول :
" وقد أثارت المفارقة الواضحة بین طرفی المصطلح " القصیدة والنثر " - وما
زالت تثیر- كثیرا من الجدل ".(57)
وأرى أن على النقد تخطی ذلك الجدل ؛ لأن هذا اصطلاح، ولا مُشاحَّة فی الاصطلاح
كما علمنا علماؤنا الأوائل.
كما یجب ألا ننسى أن الشعر الحر أیضا قام على مصطلح غیر دقیق ، ولم ینته
الشعر الحر بسبب ذلك.
وقد نشأت مصطلحات أخرى مهدت فی العربیة لهذا النوع مثل :
"الشعر المنثور الذی یعرفه أمین الریحانی قائلا: : " یدعى هذا النوع من
الشعر الجدید.
بالإفرنسیة Vers Libres وبالإنكلیزیة Free Verse - أی الشعر الحر الطلیق-
وهو آخر ما اتصل إلیه الارتقاء الشعری عند الإفرنج وبالأخص عند الإنكلیز
والأمیركیین. فشكسبیر أطلق الشعر الإنكلیزی من قیود القافیة. وولت وتمن
Walt Waiman الأمیركی أطلقه من قیود العروض كالأوزان الاصطلاحیة والأبحر
العرفیة. على أن لهذا الشعر الطلیق وزنا جدیدا مخصوصا وقد تجیء القصیدة فیه
من أبحر عدیدة متنوعة..(61)
لاحظ أنه یتحدث عنه بصیغة الحدیث عن آخر صیحة!
ولتوفیق الحكیم تجربة یعبر عنها قائل:"ولقد أغرانی هذا الفن الجدید فی
السنوات العشرین من هذا القرن وأنا فی باریس بالشروع فی المحاولة فكتبت بضع
قصائد شعریة نثریة من هذا النوع ، وهو لا یتقید بنظم ولا بقالب معروف".(62)
أما حسین عفیف فقد عرفه بأنه :
"یجری وفق قوالب عفویة یصبها ویستنفدها أولا بأول, لا یتوخى موسیقى الوزن
ولكنه یستمد نغمته من ذات نفسه. لا یشرح ومع ذلك یوحی عبر ایجازه بمعان لم
یقلها, لیس كشعر القصید ولا كنثر المقال ولكنه أسلوب ثالث".
وفی تعریف آخر له یقول :" الشعر المنثور یتحرر من الأوزان الموضوعة ولكن
لا, لیجنح الى الفوضى, وانما لیسیر وفق أوزان مختلفة یضعها الشاعر عفو
الساعة ومن نسجه وحده, أوزان تتلاحق فی خاطره ولكن لا تطرد, غیر أنها برغم
تباین وحداتها, تتساوق فی مجموعها وتؤلف من نفسها فی النهایة هارمونیا
واحدة, تلك التی تكون مسیطرة علیه أثناء الكتابة.(63)
لكن أنسی الحاج یفرق بین المصطلحین فیقول:" لكن هذا لا یعنی أن الشعر
المنثور والنثر الشعری هما قصیدة نثر، إلا أنهما- والنثر الشعری الموقع على
وجه الحصر- عنصر أولی فی ما یسمى قصیدة النثر الغنائیة. ففی هذه لا غنى عن
النثر الموقع.(64)
أما البدایة الفعلیة فترجع إلى جماعة مجلة شعر التی تأسست فی بیروت 1957م
بریادة كل من یوسف الخال ، وخلیل حاوی، ونذیر العظمة، وأدونیس ، ثم انضم
إلیها : شوقی أبو شقرا وأنسی الحاج ، ودعمها من خارجها جبرا إبراهیم جبرا و
سلمى الجیوسی (65) ویصرح أنسی الحاج بأنه :
" صاحب أول وثیقة فی قصیدة النثر المكتوبة بالعربیة دیوان (لن) هو الكتاب
الأول المعرف نفسه بقصیدة النثر والمكتوب بهذه الصفة تحدیدا.. والمتبنی
لهذا النوع تبنیا مطلقا.(66)
فماذا قال فی مقدمته التاریخیة تلك ؟
قال: " هل یمكن أن نخرج من النثر قصیدة؟ أجل، فالنظم لیس هو الفرق الحقیقی
بین النثر والشعر. لقد قدمت جمیع التراثات الحیة شعرا عظیما فی النثر، ولا
تزال. وما دام الشعر لا یعرف بالوزن والقافیة، فلیس ما یمنع أن یتألف من
النثر شعر، ومن شعر النثر قصیدة نثر".(67)
تعریف قصیدة النثر:
أوردت الموسوعة العربیة العالمیة تعریفا منصفا لها ، یتضمن أغلب مقولات
أنصارها ، حیث عرفتها بأنها:
" جنس فنی یستكشف ما فی لغة النثر من قیم شعریة ، ویستغلها لخلق مناخ یعبر
عن تجربة ومعاناة، من خلال صور شعریة عریضة تتوافر فیها الشفافیة والكثافة
فی آن واحد ، وتعوض انعدام الوزن التقلیدی فیها بإیقاعات التوازن والاختلاف
والتماثل والتناظر معتمدة على الجملة وتموجاتها الصوتیة بموسیقا صیاغیة تحسُّ
ولا تُقاس".(68)
موقف من التراث:
وبینما كان رواد (الشعر الحر(التفعیلة) معنیین بصلتهم الوثقى بالتراث
الشعری والعروضی العربی فإن من رواد قصیدة النثر من لم یهتم بهذه الصلة ،
بل إن منهم من صرح بالاغتراب عن هذا التراث العربی یقول أنسی الحاج:
"أشعر بالغربة فی المقروء العربی... قراءة العربیة تصیبنی بملل لاحد له،
وما أبحث عنه أجده فی اللغة الفرنسیة؛ لأن الفرنسیة هی لغة (الانتهاك)
بینما العربیة لغة (مقدسات) ".(69)
وهذا تعمیم غیر علمی وشبهة مردودة فاللغة -أیة لغة- قادرة على أن تعبر عن
المقدس وغیرالمقدس .
ومنهم من عد الاهتمام بالبحث عن جذور أو أصل فی التراث خللا كالشاعر قاسم
حداد؛ إذ یقول " ثمة خلل فی الصدور عن إحساس بضرورة تأصیل كل ظاهرة فنیة
لمرجعیة محددة ، كأن تكون الكتابة ، خارج الوزن ، معطى منسوخا عن تجربة -
قصیدة النثر الغربیة ، أو أن یكون لهذه الكتابة أسلاف فی التراث العربی ".
(70)
وفی المقابل حاول نفر منهم تعویض النشأة الأجنبیة لقصیدة النثر اصطلاحا
وتعریفا وشروطا قائمة كلها على نماذج من الأدب الفرنسی، فلجؤوا إلى التراث
العربی القریب ناسبین قصیدة النثر إلى جبران ومصطفى صادق الرافعی، والبعید
مفتشین عن نماذج لابن حزم ، أبی حیان الأندلسی، وابن عربی.
أما على مستوى التنظیر فلجؤوا إلى بعض النصوص التراثیة للاستئناس بها
لقواعد سوزان برنار ، مثل النص الذی أورده عبد القاهر: "حین رجع عبد الرحمن
بن حسّان إلى أبیه حسَّان وهو صبیّ، یبكی ویقول لَسَعَنی طائر، فقال حسان: صِفْهُ یا
بُنیَّ، فقال: كأنه مُلْتَفٌّ فی بُرْدَىْ حِبرَة، وكان لسعَهُ زُنْبُور، فقال حسّان قال ابنِی
الشِّعر وربِّ الكعبة ، أفلا تراه جَعل هذا التشبیه مما یُستدَلُّ به على مقدار قُوّة
الطبعِ، ویُجْعَل عِیاراً فی الفَرْق بین الذهن المستعدّ للشعر وغیر المستعدّ له".(71)
ولیس فی نص الجرجانی دلیل على أن الشعر یكون بغیر وزن؛ لأن تسمیة حسان ما
قاله ابنه شعرًا تسمیة مجازیة توحی بقوة استعداد ابنه للشعر فیما بعد كما هو
واضح من تعلیق عبد القاهر.
ومنهم من تمسك بقول الفارابی إن "القول الشعری قد یكون غیر موزون ". ولم
ینتبهوا أن القول الشعری للفارابی مختلف عن الشعر فالمقصود به الحجة
الشعریة فی اصطلاح الفلاسفة.(72)
موقف من الموسیقا:
یعبر أدونیس عن موقف رواد قصیدة النثر من الموسیقا قائلا:
" الوزن/ القافیة ظاهرة إیقاعیة- تشكیلیة لیست خاصة بالشعر العربی وحده
وإنما هی ظاهرة عامة، فی الشعر الذی كتب ویكتب بلغات أخرى، لكن على تنویم
وتمایز. الزعم إذن، بان هذه الظاهرة خصوصیة نوعیة لا تقوم اللغة الشعریة
العربیة إلا بها، ولا تقوم إلا بدءا منها واستنادا إلیها، إنما هو زعم واهٍ
جدا وباطل".(73)
یبدأ أدونیس بمقدمة سلیمة ، هی أن الوزن والقافیة ظاهر إیقاعیة لیست خاصة
بالشعر العربی وحده ، وهذا صحیح وقد بینه الزمخشری من قبل ، لكنه یقفز إلى
نتیجة خاطئة هی رفض ألا تقوم اللغة الشعریة إلا بها.
فهل وجود الوزن والقافیة فی شعر لغات أخرى ، ینفی أن یكونا عنصرین من عناصر
بناء الشعر العربی.
وكذلك فإن عدم وجودهما فی شعر لغة من اللغات " لیس مما یسلب الشعر كله من
موسیقاه"(74) كما یقول الدكتور أنیس.
بدائل الموسیقا:
بعد أن اتفق أصحاب هذا الاتجاه إهدار عنصر الموسیقا راحوا یبحثون عن بدائل
للتعویض فتوصلوا إلى عمود لقصیدة النثر مستقى من تنظیر برنار ، قائم على
شروط ثلاثة بدون أحدها یستحیل الحدیث عن قصیدة نثر، وكل شرط من هذه الشروط
یستدعی ملازما له على هذا النحو:
1- الإیجاز : الكثافة .
2- التوهج : الإشراق .
3- المجانیة : اللازمنیة.
مبدأ تعویض الموسیقا الغائبة:
وقد أشار أنسی الحاج إلى هذا القانون فقال عن قصیدة النثر إنها :" تستعیض
عن التوقیع بالكیان الواحد المغلق، الرؤیا التی تحمل أو عمق التجربة الفذة،
أی بالإشعاع الذی یرسل من جوانب الدائرة أو المربع الذی تستوی القصیدة
ضمنه، لا من كل جملة على حدة وكل عبارة على حدة أو من التقاء الكلمات
الحلوة الساطعة ببعضها البعض الآخر فقط" . (75)
وهو یشیر هنا إلى مبدأ الاستعاضة او التعویض الذی نقله عن سوزان وتلقاه
نقاد قصیدة النثر.
وقد بلور الدكتور صلاح فضل هذا القانون فقال " إن قصیدة النثر تعتمد الجمع
بین الإجراءات المتناقضة ؟ أی إنها تعتمد أساسا على فكرة التضاد، وتقوم على
قانون التعویض الشعری".(76)
وأنا أرى أن قانون التعویض هذا ملازم لقصیدة النثر وأصحابها فی أكثر من
مستوى بدءًا من المصطلح (قصیدة ) ومرورا بكتابة كلمة شعر على نصوصهم
ودواوینهم ، وإلحاح بعضهم، لا سیما الماغوط ،على الإكثار من مفردات " شعر
وقصیدة" فی نصوصهم.
والذی یعنینی هنا مبدأ التعویض عن عنصر الموسیقا، وأرى أنه قائم على مفارقة
عجیبة .
فالتعویض إنما یكون عما یفقده الإنسان لا بإرادة منه ، فحینئذ یلجأ إلى
تعویض ما خسره ، أما فی حالة قصیدة النثر فإن إهدار الموسیقا متعمد فما
معنى التعویض؟
إن الموسیقا فی الشعر إما أن تكون مهمة ، فلا تستحق الإهدار، أو غیر مهمة ،
فلا تحتاج إلى تعویض.
فهل من المعقول المقبول أن یفقأ إنسان عینیه ثم یقول : سأعوض عن حاسة البصر
بتنشیط حواسی الأُخَر؟!
لكنهم انطلاقا من شعورهم بالحاجة إلى تعویض للموسیقا الغائبة ، راحوا
یبحثون، حتى توصلوا إلى تبنی البدائل التالیة:
أولا: بدیل كمال أبو دیب: "الفجوة: مسافة التوتر":
أما كمال أبو دیب فیعترض على اتخاذ الإیقاع عوضا عن الموسیقا فی قصیدة
النثر فلدیه:
"لا یكون ثمة من كبیر جدوى فی تحدید الشعریة على أساس الظاهرة المفردة
كالوزن أو القافیة أو الإیقاع الداخلی أو الصورة أو الرؤیا أو الانفعال ".(77)
ولذلك یقترح مفهوما جدیدا یسمیه:"الفجوة أو مسافة التوتر وهو مفهوم:" لا
تقتصر فاعلیته على الشعریة بل إنه لأساسی فی التجربة الإنسانیة بأكملها بید
أنه خصیصة ممیزة".
بید أن ما یمیز الشعر هو أن هذه الفجوة تجد تجسدها الطاغی فیه فی بنیة النص
اللغویة بالدرجة الأولى وتكون الممیز الرئیسی لهذه البنیة". ویحاول أن یطبق
هذا المفهوم الذی (لا یقتصر على الشعریة بید أنه خصیصة ممیزة )على نص"فارس
الكلمات الغریبة" لأدونیس" ، حیث:"تبرز مسافة التوتر فی العبارة الواحدة
منذ اللحظة الأولى للنص:
"یُقْبلُ أعزلَ كالْغابة "
ذلك أن یقبل أعزل الخالیة من التوتر نهائیا تخلق ما سأسمیه بنیة توقعات
بعشرات الإمكانیات لكن النص یقدم اختیاره من خارج بنیة التوقعات "كالغابة"
ویفعل بذلك شیئین: یخلق فجوة: مسافة توتر نابعة من ربط العزلة بالغابة،
وفجوة أخرى نابعة من حصر دلالات الغابة اللانهائیة نظریا ، فی دلالة واحدة
تقع هی أیضا خارج بنیة التوقعات المرتبطة بالغابة".(78)
فهل تصلح هذه (الفجوة:مسافة التوتر) أن تكون بدیل الموسیقا الشعریة فی
القصیدة ، وممیز الشعریة فیها ؟
ثانیا : الإیقاع:
تعریف الإیقاع:( RHYTHM)
"الإیقاع أقدم الأنواع الموسیقیة . وهو العنصر الذی ینظم حركة الموسیقا
وتدفقها خلال الزمن."(79)
فالإیقاع جزء من الموسیقا وعنصر من عناصرها.
یقول الدكتور غنیمی هلال:" ویقصد به وحدة النغمة التی تتكرر على نحو ما فی
الكلام أو فی البیت ، أی توالی الحركات والسكنات على نحو منتظم فی فقرتین
أو أكثر من فِقَرِ الكلام، أو فی أبیات القصیدة ، وقد یتوافر الإیقاع فی
النثر، وقد یبلغ درجة یقرب بها كلَّ القرب من الشعر، أما الإیقاع فی الشعر
فتمثله التفعیلة فی البحر العربی ".(80)
لكن أصحاب قصیدة النثر فهموا الإیقاع فهما یتلاءم مع قصیدتهم، یقول الدكتور
النجار:"وهو - توفیق صایغ- إذ یستغنی عن إیقاع الوزن فإنه لا بد یستغنی عنه
بعناصر إیقاعیة أخرى هی ما یطلق علیه الإیقاع الداخلی ، وهو یشیر إلى إیقاع
فی النص باستثناء الوزن والقافیة الرئیسة".(81)
فقسم الإیقاع إیقاعین داخلی ومعنوی:
1- الإیقاع الداخلی:
یقول:"فكان هذا الإیقاع أبرز ما یكون متمثلا فی الحرص على أحرف العلة ، ومن
2- الإیقاع المعنوی
أ ، یقول الدكتور مصلح النجار: ثمة إیقاع یستند أساسا إلى جانب معنوی هو
التضاد اللغوی والتقابلات التی تحتشد فی الأسطر السابقة
العشی – الصباح / جاهلیة – الیقین/ لتعطی – لتأخذی.
وهذا یصنع إیقاعا معنویا ، ینضاف إلى ما یسمى الإیقاع الداخلی أیضا." (82)
وأنت تدرك أن النثر العربی القدیم كان بتلك المحسنات البدیعیة حفیا !
وقد حاول كمال خیر بك أن یحلل قصیدة للماغوط تحلیلا إیقاعیا مكتشفا فیها
"كتلا" إیقاعیة متناسبة بدرجة أو بأخرى، حسب تعبیره ، وهو یرى أن الشاعر
یفكر بإرادة واعیة فی إعطاء نصه مسحة موسیقیة منتظمة . (83)
أما الدكتور صلح فضل فیبشر بشعر آخر یتیح لنا:" أن نكتشف إیقاعا آخر غیر
الذی یكاد یصم آذاننا لشدة ما تعودنا رنینه".(84)
وهو یجد ضالته فی مقطوعة بعنوان " وتراءى له" للشاعر محمد متولی فی مجموعته
الشعریة بعنوان" حدث ذات مرة أن" التی یراها "تمثل نموذجا ناجحا لهذه
الثورة الشعریة فی مصر" وتذكره بما كانت تحدثه الدواوین الانفجاریة الأولى
من تأثیر :
"فی القطار/سیدة حافیة تغنی الآریا الأخیرة لموسیقار مجهول
وفئران تطعم من بطانة مقعدها/ شعراء فی هیئة شحاذین/ یتبادلون الصحف القدیمة
ومهرول یعثر على قدم حبیبته تحت الحقائب/ بینما شخیر الراكب یعلو..
علیك أن تحشو فمه بحذاء ممزق".(85)
ولن یعجز ناقدنا عن أن یلم شتات هذه الأشیاء فی فكرة "التآكل وانتهاء
العالم القدیم" وینتهی إلى حكمة مهمة ،هی:"ضرورة الصمت " كما یبرزها المشهد
الأخیر.
ثم یسألنا الناقد : هل تبشر المقطوعة بانتهاء عصر الغناء الرث والعواطف
الفجة التی لا تستحق سوى السخریة والازدراء والبتر العنیف".
هكذا یرى الناقد ضرورة الصمت ولو بالحذاء، أما الشخیر فهو فی تفسیره "عصر
الغناء الرث" الذی ینبغی أن یضرب بالحذاء
فهل لنا أن نفهم أن المقصود بالحذاء حسب تفسیر الناقد هو البدیل . ألا یرى
فی هذا إهانة للبدیل الذی یبشر به.
لا أظن ، لأن الناقد یتحدث بلغة ثوریة ، بل یدخل إلى البحث عن "شعر آخر
إیقاع آخر" وكأنه یدخل معركة ، إذ یقول:" أثبت عدد مجلة (الناقد) المخصص
لقصیدة النثر أن المخزون الاستراتیجی للشعریة العربیة منها عندنا أوفر مما
یقدره النقاد.. ویبدو أن قصیدة النثر أصبحت رایة الشباب الثائر على الأعراف".
ثم یتحدث عن مشكلة " غیبة الإیقاع الخارجی الظاهر المریح، واختفاء أنساق
التفعیلات العروضیة من فوق سطح النص" ، لیلجأ إلى حل أكثر راحة ألا وهو:
" أن نتوسع فی مفهوم الإیقاع ، ولا نقصره على نوع واحد "، فإذا نحن صنعنا
ذلك : "استطعنا أن نتبین ما تبقیه قصیدة النثر وتنمیه من إیقاعات".
وإذا ناقشنا هذا النقد بموضوعیة – بصرف النظر عن مناقشة قصیدة النثر ذاتها-
اكتشفنا أنه غیر منهجی، إن مثله كمثل من یقول :" لماذا لا تتوسع فی مفهوم
الذهب لیشمل الحدید والنحاس ؟ ألیست جمیعها معادن؟!
ثم یحدثنا الناقد عن " الترجیع الإیقاعی " فلیس ثمة إیقاع بدون ترجیع ،
وإذا كانت القصیدة تنبنی من كِسَرٍ مرصوصة ، ونثار وردی من التفاعیل المبعثرة
، تخلق بنسیجها الصوتی مجالاتها وأصداءها الموسیقیة المبتكرة – تظل جملة
"الموسیقى: خلفیة لا أكثر هی الرباط الذی یشد هیكل البنیة الإیقاعیة للقصیدة".
فهل ینجح هذا النقد فی تعویض الموسیقا المهدرة سلفا؟
أما الشاعر حلمی سالم( فی ندوة عُقدت بحلقة الزیتون الإبداعیة بالقاهرة
لمناقشة دیوان (نقرة إصبع شارك فیها المؤلف) راجع موقع الشاعرة فاطمة ناعوت
على الإنترنت : فیقطع الطریق على هؤلاء الذین یتكلفون البحث عن الإیقاع فی
قصیدة النثر قائلا:
"لقد كنا فیما سبق نردد مثل هذا الكلام حول الإیقاع فی قصیدة النثر، ولكنی
أقول الیوم: وما الذی سیحدث لو لم یكن هناك إیقاع أصلا؟ دعونا من ذلك
ولنتأمل لغة كل شاعر وأبنیته وصوره" .
وبعدُ ، فقد حكى طه حسین( 86) عن جوردان السوقة فی مسرحیة من مسرحیات مولییر
قوله :"یا للعجب إذًا فأنا أتكلم النثر منذ أربعین سنة ، ولا أدری؟"
ویعلق أدیبنا قائلا: " أخشى أیها السادة أن نكون جمیعا كما كان جوردان هذا
نفهم النثر من أنه كل كلام لم یتقید بالنظم والوزن والقافیة"
وأقول : لو قرأ جوردان بعض نماذج قصیدة النثر لقال : "أنا أتكلم قصیدة
النثر منذ أربعین سنة ، ولا أدری!"
أما طه حسین فیقول مستدركا ، ومدركا قیمة النثر:" وأنا إذا قلت النثر فلا
أعنی ذلك النثر الذی یفهمه جوردان ، إنما أقصد النثر الذی یفهمه الأدیب" .
ولإیمان طه حسین جاء نثره بدیعا من غیر حاجة إلى تعویض.
مستقبل قصیدة النثر:
هل لقصیدة النثر مستقبل
من العسیر أن یتنبأ الباحث الدارس لتاریخ الأدب بموت تجربة أدبیة حتى لو
كانت لا تروق له لأسباب موضوعیة أوغیر موضوعیة ؛ فقد علمنا تاریخ الأدب أن
الرفض مهما تكن مبرراته لا یمنع شیوع الشكل الجدید.
وأنت تعرف ما حُكی أن ابن الأعرابی قال، وقد أنشد شعراً لأبی تمام:
إن كان هذا شعراً فما قالته العربُ باطلٌ!
وقد أنصف التاریخ أباتمام دون أن یكون شعر العرب باطلا.
ولنا درس فی موقف العقاد الذی حاول التصدی للشعر الحر(التفعیلة) ، وبقی
الشعر الحر.
ومن الإنصاف أن یتجرع الشاعر الكبیر عبد المعطی حجازی من الكأس ذاتها التی
سقاها للعقاد!
وهل سینصت التاریخ الدبی لصیحة الناقد الكبیر الدكتور القط" :"إذا كان هذا
هو الشعر فأنا منه براء".(87)
وهل سیستمع ناشئة قصیدة النثر إلى تحذیر أدونیس یحذر من " الزیف الذی ینتشر
باسم التجدید. خصوصا أن الكثیر من هذا المزعوم تجدیدا ، یخلو من أیة طاقة
خلاقة ، وتعوزه حتى معرفة أبسط أدوات الشاعر: الكلمة والإیقاع".(88)
أما أنا فأرى – والله أعلم – أن الأشكال الثلاثة (قصیدة البیت ، و قصیدة
التفعیلة ، وقصیدة النثر أوقصیدة الإیقاع) سوف تستمر، وأن الصراع بینها
أیضا سیحتدم لكنی أتمنى أن یكون صراعا إیجابیا ولیس إقصائیا، فها أنت ترى
أن كل محاولات إقصاء الشعر الأول أو الثانی قد باءت بالفشل ، واستمرا رغم
حدة الخلاف بین أنصاریهما فی فترات سابقة .
وأن الشعرالأصیل (ولا أقول القدیم ) (المسمَّى خطأ بالشعر التقلیدی ،
أوالعمودی، أو بشعر الشطرین) والذی وصل إلى آفاق عالیة على ید مبدعین
كالجواهری وأبی ریشة والبردونی ، بما حققوا له من توهج وحیویة ، ما یزال
یواصل تجدده رغم المحافظة على الشكل على أیدی شعراء أخلصوا له ، كالدكتور
عبد اللطیف عبد الحلیم ، والدكتور سعد مصلوح ، وأحمد بخیت، وسمیر فراج ،
والدكتور عبد الرحمن العشماوی، وغیرهم، وسیظل یزدهر على أیدی ناشئة سیدركون
افتقاد محبی الشعر له ، لكنهم سیستمرون فی التجدید مفیدین من إنجازات الشعر
الحر(التفعیلة)، وقصیدة النثر(الإیقاع) معا.
فلیست قصیدة النثر وحدها التی تمتلك المخزون الاستراتیجی (بحسب تعبیر
الدكتور صلاح فضل).
وكما یجب على شعراء البیت، والتفعیلة البعد عن التقلید ، فإننی أرى أن على
حاملی لواء قصیدة النثر الجدد أن یتخلوا عن الشروط التی أراد الشعراء
المؤسسون ونقادهم أن یفرضوها علیها وعلیهم ،() وبعضهم یحاول ذلك كعماد
الغزالی وفاطمة ناعوت ورضا العربی ، حتى لا یظلوا فی انعزال عن أمتهم
وقضایا أمتهم ، وأن یتخلصوا من فكرة القطیعة، لیقللوا من خسائرهم. وأن
یدركوا مدى الخسائر التی تكبدوها بإصرارهم على إهدار الموسیقا الشعریة ،
فخسروا بذلك مكاسب حققتها قصیدة الشعر على مر العصور، منها:
1- الغناء
فإن هذا النفر من الشعراء سیحرم من أن یتغنى بقصائدهم النثریة، بما یمثله
هذا الغناء من ذیوع وانتشار وكسب مساحة جدیدة من المتلقین غیر القراء. وذلك
بسبب افتقارها إلى عنصر الموسیقا رغم تشبثهم بالإیقاع؛ لأن الإیقاع بحسب
تصورهم سیجعل ألحان هذه (النثائر) – إن هی لُحِّنتْ - متشابهة ومكرورة وبعیدة
عن ذوق المستمع العربی، حیث یحتاج إلى مط بعض الحروف لیعوض غیاب الوزن الأصیل.
2- المسرح الشعری
بما یمثله من ثراء فی التعبیر ، وتنوع فی الأداء الموسیقی، والوصول إلى
جمهور خاص.
وأتساءل لو أراد مبدع قصیدة النثر أن یكتب مسرحیة شعریة ماذا سیسمیها ؟
3- الاستشهاد:
فقد اعتاد كثیر من المثقفین حتى غیر المعنیین بالشعر منهم الاستشهاد ببض
الأبیات المأثورة من الشعر الأصیل(البیت) والشعر الحر(التفعیلة) كالاستشهاد
بأبیات الحكمة أو الغزل أو السیاسة مثلا .
فهل یستطیع أصحاب قصیدة النثر أن یصلوا إلى هذا المرتقى؟
هل یتاح لهم أن یسهموا فی بناء الوعی كما أتیح للشعرالأصیل وشعر التفعیلة؟
4- الجمهور المتلقی :
حتى إذا جادل أصحاب اتجاه قصیدة النثر وقالوا لا یعنینا الغناء ولا المسرح
الشعری فإن خسارتَهم الكبرى خسارةُ محبی الشعر الذین انصرفوا عنه انصرافا.
وأحسب أن الخسائر أكثر من هذا وأفدح ، ولكننی أتوقع من كثیر من أصحاب قصیدة
النثر أن یردوا على ذلك بأنهم غیر آبهین لهذه الخسائر، وأنهم زاهدون فی
تحقیق تلك المكاسب، وسیكون شأنهم معها شأن الذی أراد و لم یستطع أن ینال
العنب، فقال:
" إنه حصرم!"
+درج شده توسط مترجم عربی - دکتر مهدي شاهرخ در شنبه ۱۱ اردیبهشت ۱۳۸۹و ساعت 21:54|