مختارات شعریة فی وصف
طبیعة حماة
وعاصیها و نواعیرها :
یقول الشیخ عبد الغنی النابلسی :والناس یدعونه العاصی هناك وقد أطاع قهرا على حكم المقادیر
عصى فلم یسق أرضا من حدائقهم إلا بحیلة وسواس النواعیر
وفیما یلی بعض ما قاله الشعراء القدامى والمحدثون فی حماة وعاصیها ونواعیرها.
یقول مجیر الدین بن تمیم :
أیا حسنها روضة ضاع نشرها فنادت علیه فی الریاض طیور
ودولابها كادت تعد ضلوعه لكثرة ما یبكی علیها یدور
وناعورة قد ألبست لحیائها من الشمس ثوبا فوق أثوابها الخضر
كطاووس بستان تدور وتنجلی وتنفض عن اریاشها بلل القطر
ودولاب روض كان من قبل أغصنا تمیس فلما غیرتها ید الدهر
تذكر عهدا بالریاض فكله عیون على أیام الصبا تجری
وناطقة كلما حركت ولیست بناطقة فی السكون
تـئن إذا دار دولابها فتطرب سامعها بالأنین
وتبكی ولیست بمجزومة بكاء المحب الكئیب الحزین
فتنطق بالصوت لا من فم وتقذف بالدمع لا من جفون
كأن لها میتا فی الثرى فأدمعها همع فی كل حین
إذا زمرت أطربت نفسها فغنت بمختلف اللحون
غناء یرقص كیزانها فیظهر فیهن وثب المجون
تأمل إلى الدولاب والنهر إذ جرى ودمعهما بین الریاض غزیر
كأن نسیم الروض قد ضاع منهما فأصبح ذا یجرى وذاك یدور
ناعورة مذ ضاع منها قلبها ناحت علیه بأنة وبكاء
و تعللت بلقائه فلأجل ذا جعلت تدیر عیونها فی الماء
ویقول ابن نباتة المصری :
أحسن بها ناعورة فی روضة عن جعفر یروی الهناء ربیعها
هذا ولیس یعد موج دموعها وتعد من فرط السقام ضلوعها
وناعورة قالت وقد ضاع قلبها وأضلعها كادت تعد من السقم
أدور على قلبی لأنی فقدته وأما دموعی فهی تجرى على جسمی
وناعورة قسمت حسنها على واصف وعلى سامع
وقد ضاع نشر الربى فغدت تدور وتبكی على الضائع
ویقول أبو تمام الحجام الأندلسی :
وذات شدو ومالها كلم كل فتى بالكؤوس حیاها
وطار لوح لها فأوقفها كلمحة العین ثم أجراها
كأنها قینة وقد قوطعت تسمع من قال دونها واها
ویقول سلیمان بن حسان النصیبی :
كم نعرت بالحمى ناعورة حنینها كالربط الناعر
فتارة تحسبها قینة تردد الزمر مع الزامر
وتارة ثكلى جرى دمعها فی مستهل والف ماطر
كأنما كیزانها أنجم دائرة فی فلك دائر
ویقول أبو الفرج الموفقی :
ناعورة تحسب فی صوتها متیما یشكو إلى زائر
كأنما كیزابها عصبة أصیبوا بریب الزمن الواتر
قد منعوا أن یلتقوا فغدا أولهم یبكی على الآخر
ویقول بدر الدین بن لؤلؤ الذهبی : وروضة دولابها إلى الغصون قد شكا
من حین ضاع نشرها دار علیها وبكى
ویقول عبد السلام المصری :
وروضة دولابها دائر موله من فرط أشجانه
فكله من وجده أعین تبكی على فرقة أغصانه
وقال ابن عبد السلام الدمشقی :
ودولاب روض قد شجانا أنینه وحرك منا لوعه ضمنها حب
ولكنه فی بحر عشق جهالة یدور على قلب ولیس له قلب
ویقول محمد كمال السراج :
وما من ناعورة وتئن دوما لتشبه مهجتی بالحزن یوما
سقم أضلاعها بالعد تحكی ضلوعی من فراق الإلف سقما
ولكن الأنین وبث شكوى یخفف ما بها وأذوب كتما
وأبكی من لظى نار بقلبی على ألمی وذی تبكی من ألما
وإن مدامعی من ذوب جسمی یجمدها الهوى فتجود نظما
وإن دموعها ماء قراح به تحیا وإن نثرته جما
ویقول ابن القضامی :
وذات شجو أسالت مدامعا لم تصنها
تبكی بفرط دموع ویضحك الروض منها
و یقول محمد بن الحسین الطاوی :
لحنینها حن الفؤاد التائق وبكى الكئیب المستهام الوامق
أنت أنین مغرب عن إلفه ودموعها مثل الجمان سوابق
تبكی ویضحك تحت سیل دموعها زهر تبسم نوره وشقائق
ویقول أبو المعالی سعد بن علی الوراق :
رب ناعورة كأن حبیبا فارقته فقد غدت تحكینی
أبدا هكذا تدور وتبكی بدموع تجری وفرط حنین
ویقول ابن حجة الحموی :
هوای بسفح القاسمیة والجسر إذا هب ذاك الریح فهو الهوى العذری
وفقری إلى رشف الرضاب الذی حلى من النهر حلى سائل الدمع فی النحر
یروق امتداد الجسر والقصر فوقه فیحلو طباق العیش بالمد والقصر
وقد أصبحت تلك الجزیرة جنة أ لم تنظروا الأنهار من تحتها تحری
تفوق عیون الزهر فوق شطوطها عیون المها بین الرصافة والجسر
وعاص رحیب الصدر قد خر طائعا ودولابه كالقلب یخفق بالصدر
وقد أشبه الخنساء نوحا وأنة وها دمعه قد جاء یبكی على صغر
فیا جیرة العاصی إذا ذقت ماءكم أهیم كأنی قد ثملت من السكر
ولولا بقایا طعمه فی مذاقی لما ظهرت هذی الحلاوة فی شعری
ویقول الشیخ عبد الغنی النابلسی :
ألا أیها الساری بعزم وهمة لنحو حماة زرت فی غایة الأجر
فلیست حماة فی الورى غیر جنة ألم تنظر الأنهار من تحتها تجری
بتنا على النهر فی قمر المسرات وللنواعیر أنات برنات
فوق المطیع لنا العاصی الذی انبسطت میاهه باضطرابات وموجات
سقى حماه وحیا الله جیرتها من بلدة أشبهت روضات جنات
والجسر بالقرب منا كالصراط بدا ونحن فی غرفة ذات ارتفاعات
وللشیخ عبد الغنی النابلسی فی حماة والعاصی شذرات شعریة أخرى منها:
إن حماة بلدة شریفة ریح الصبا طاب بها مهبه
من جاءها صادف فیها ما اشتهى و إنما حماته تحبه
عاصی حماة هو النهر الذی عذبت میاهه قد عصا فی حسن تقدیر
شرابه لم تدر أیدی السقاة به إلا على حسن أصوات النواعیر
لله نهر به حماة زهت فلذة العیش حسن وادیها
حماته لم تزل مطیعة بشربها منه وهو عاصبها
ویقول ابن سعید الأندلسی :
حمى الله من شطی حماة مناظرا وقفت علیها السمع والفكر والطرفا
تغنی حمام أو تمیل خمائل وتزهو میاه تمنح الواصف الوصفا
یلومون أن أعصی التصون والنهى بها وأطیع الكاس واللهو والقصفا
إذا كان فیها النهر عاص فكیف لا أحاكیه عصیانا وأشربها صرفا
وأشدو إلى تلك النواعیر شدوها وأغلبها رقصا وأشبهها عزفا
تئن وتذری دمعها فكأنما تهیم بمرآها وتسألها العطفا
ویقول الشیخ صباح
حماة التی ما مثلها بلد لكل دان من الأهلین أو قاصی
ترق قلبا لأحوال الغریب لها حتى نواعیرها تبكی على العاصی
ویقول صفی الدین الحلی:
أطعت داعی الهوى رغما عن العاصی لما نزلنا على ناعورة العاصی
والریح تجری رضاء فوق جدولها والطیر ما بین بناء وغواص
وقد تلاقت فروع الدوح واشتبكت كأنما الطیر فیها فوق أقفاص
ویقول الصافی النجفی :
هذی حماة مدینة سحریة وأنا امرؤ بجمالها مسحور
یا لیت شعری ما أقول بوصفها وحماة شعر كلها وشعور
یا لیت أنی كنت فیها طائرا وعلى المناظر كلهن أطیر
إن قصر الإنسان فی تعمیرها فمن الطبیعة كلها معمور
أنی مشیت فجنة وخمائل أو أین سرت فأنهر وجسور
حتى خرائبها تلوح كأنها لجلالها السامی البهی قصور
یا لیت أنی كنت فیها طائرا وعلى المناظر كلهن أطیر
لو كنت أبصر كلها للثمتها وودت كلی أعین وثغور
وكأن شهب الأفق جن بها الدجى نزلت بصاحبها الجمیل تدور
وإذا تموج ماؤه رقصت به شهب السماء فعمهن حبور
وترى النجوم تصادمت وتكسرت قطعا كما یتكسر البلور
وكأن نجما راح یلثم ثانیا حتى تمازح أوجه وغور
ویقول حسن الرزق عن طاحونة الغزالة وناعورة الجسریة :
ودولاب رأى حسن الغزالة فرام وصالها فأبت وصاله
ویقول علاء الدین بن غانم :
حماة فی بهجتها جنة وهی من الغم لنا جنة
لا تیأسوا من رحمة الله فقد أبصرتم العاصی فی الجنة
ویقول بدر الدین الحامد عن الناعورة والعاصی :
الدهر بین یدیك دان عجبا لشأنك أی شان
أفنى الجبال وما له بك یا ولیدته یدان
أترى أخذت على الزما ن وصرفه عهد الأمان
عاصیك یغسل مطرفیـ ــك وأنت فی ظل الجنان
عیناك من قبل المسیـ ـح وأمه نضاحتان
ما أنت یا لدة الخلو د تكلمنی فالوقت حان
وإذا الظلام بدا وألـ قى فوق وادیك الجران
مثلت عفریتا یزمــ ــجر محنقا ما بین جان
فالأشوس الصندید إن لقاك فی الأسحار هان
نــــاعورة دوارة عاصی حماة بها یزان
أمواه عاصیها تقلـ ــبها فهل هی خیزران
ولها قبیل الفجر تـر جیع یردده المكان
خلدت على مر العصو ر فلن تبید ولن تهان
ویقول مخاطبا أحمد شوقی عند زیارته بلاد الشام :
أرأیت مثل بلادنا جمالا ما بین مدن زرتها ونواح
وهناك عند أبی الفدا عاص بها یطفی أوام الظامئ الملتاح
ویقول عن العاصی :
تحدرت فی الأحقاب من عهد آدم أما یرعك الدهر تترى عجائبه
إذا ما انقضى جیل وودع آخر تولیت جیلا فی الحیاة تصاحبه
كأنك فی هذا الوجود مخلد رویدك فالتخلید أعیت مطالبه
أتذكركم حلت حماك فیالق تناوئ من یزری بها وتحاربه
إذا أنت رافقت العصور ولم تزل تصارع آذی الفنا وتغالبه
ألا أیها العاصی بحسبك ما جرى فذلك ماض ودعتنا مثالبه
ویقول منذر لطفی :
بلد طیب وشعب أصیل نهر ضاحك ودنیا بتول
ذاك وادی حماة نبع الجما لات تلفت فكل حسن دلیل
ریشة تبدع الرسوم العذارى ألق غامر وظل ظیل
ویقول ولید قنباز :
وحماة لؤلؤتی الجمیلة كلما قلبتها فی ناظری تتألق
أفقان هذا الكون أفق أخضر غرقت حماة به وأفق أزرق
فی جنة للعاشقین فمن رأى قلبا بأجمل جنة یتحرق
ویقول عدنان قیطاز عن الناعورة :
بنت الزمان وأنت آیة صنعه من ذا الذی أغراك بالدوران
من عهد آدم لم تزل هتانة عیناك ما فترت عن الهملان
و لم الأنین وأنت فی وادی حما محفوفة بالروح والریحان
ویقول میخائیل بطرس عن العاصی :
أمن السما العلیا هبطت إلى الثرى أم من هضاب الدیر ماؤك قد جرى
یا نیل سوریة وبهجة شعبها من أی عهد سلت فیها كوثرا
ویقول صلاح الدین الصفدی :
لقد نزلنا على العاصی بمنزلة زانت محاسن شطیه حدائقها
تبكی نواعیره العبرى بأدمعها لكونه بعد لقیاها یفارقها
ویقول أحد الأعراب :
باتت تحن وما بها و جدی وأحن من وجد إلى وجد
ودموعها تحیا الریاض بها ودموع عینی أحرقت خدی
ویقول أحدهم :
ناعورة فی النهر أبصرتها تشوق الدانی والقاصی
قد نبهتنا للهدى والتقى لأنها تبكی على العاصی
ویقول آخر :
أیها السائل عنی سلبوا العادة منی
كنت أسقى وأغنى صرت أسقی وأغنی
وأخر :
وإنی على نفسی لأجدر بالبكا إذا كانت الأخشاب تبكی على العاصی
وآخر :
وناعورة أنت فقلت لها اقصری أنینك هذا زاد للقلب فی الحزن
فقالت أنینی إذ ظننتك عاشقا ترق لحال الصب قلت لها إنی
وأخر :
ناعورة فی سیرها ولهانة وحائرة
الماء فوق ظهرها وهی علیه دائرة
وأخر :
أبدى لنا الدولاب قولا مع ندى لما رآنا قادمین إلیه
إنی من العجب العجاب كما ترى قلبی معی وأنا أدور علیه
وأخر :
ناعورة قالت لنا بأنینها قولا ولا تدری الجواب علیه
كم فیی من عجب یرى مع أننی أبدا أسیر ولا أفارق مضجعی
لا راس فی جسدی وقلبی ظاهر للناظرین وأعینی فی أضلعی
وآخر :
إنما الدولاب فی دوره یهیم من شوق وأشجان
ینوح حزنا ویرى باكیا بأعین تهمی على البان
وآخر :
لقد كنت غصنا فی الریاض منعما أمیس ونصبی أمان فی الخفض
فصیرنی صرف الزمان كما ترى فبعضی لما لاقیت یبكی على بعضی
وآخر :
لله دولاب یفیض بجدول فی روضة قد لأینعت أفنانا
فكأنه دنف یدور بمعهد یبكی ویسأل فیه عمن بانا
ضاقت مجاری جفنه عن دمعه فتفتحت أضلاعه أجفانا
+درج شده توسط مترجم عربی - دکتر مهدي شاهرخ در شنبه ۱۱ اردیبهشت ۱۳۸۹و ساعت 21:56|