سعدی الشیرازی شاعر الانسانیة
صادق خورشا
صادق خورشا
اشارة:
وهو من رعیل الخریجین الأوائل فی كلیة الآداب بجامعة فؤاد الأول , حینما كانت الفارسیة تدرس فی ) معهد اللغات الشرقیة ) التابع لكلیة الآداب . وقد دَرَّس فی البدایة بكلیته التی تخرج منها , وما لبث أن أنتقل للعمل فی ( كلیة دار العلوم ) بالقاهرة , وفی جامعة الكویت وكانت هذه أول مرة تُدرس فیها اللغة الفارسیة وآدابها هناك , واستمر فی العمل بجامعة الكویت حتى آخر لحظة فی حیاته .
وقد خلف لنا الدكتور هنداوی العدید من الأبحاث والمؤلفات القیمة الممتعة فی الأدب الفارسی وكانت باكورة أعماله هی كتابه سعدی الشیرازی ( شاعر الإنسانیة ) عصره ودیوانه البوستان . وقد تناول هذا الكتاب تاریخاً حافلاً بالحوادث فی القرن السابع الهجری . وهو العصر الذی عاش فیه الشاعر ( سعدی ) , فتناول أحداثه السیاسیة العامة والخاصة –فی الأقلیم والدولة – وكذلك فصل الحدیث عن الحركة العلمیة والمواكبة لهذا العصر , وأوضح مدى انعكاس كل هذا على تكییف حیاة الشاعر ,وأثره فی إنتاجه ثم انتقل بعد ذلك للحدیث عن شخصیة (سعدی ) ومذهبها فی الحیاة , وحقق وقارن الآراء والخلافات التی تدور حولها .
ثم عدد إنتاجه محاولاً استخلاص بعض أفكار الشاعر) سعدی ( وآراؤه ومذهبه . وأخیراًَ فی الباب الثالث أفرد الحدیث عن دیوان (البوستان ) .
وقد أختار الدكتور ( الهنداوی ) البوستان من إنتاج الشاعرجمیعه لأنه أهم كتاب یعرض للدراسة الأخلاقیة , ویوضح كثیراً من مذاهب الشاعر , وآرائه .
والحقیقة ، أن قراءة هذا الكتاب تعد متعة , فعلى سبیل المثال نجد فی الباب الثانی دراسة واقعیة وتحقیق علمی حول شخصیة , سعدی الشیرازی ، فقد تتبع هنداوی أطراف حیاته من البدایة حتى النهایة , وفصل فی كثیر من الخلافات حول مسائل هامة تعد موضوع جدل ومناقشة مثل النسب والتاریخ المیلاد وغیر ذالك .
أما فصل الحضارة ، فقد أكد فیه الدكتور ( الهنداوی ) على حقیقة - وربما لأول مرة تتناول لهذا المنظور- وهی أن المغول كانوا أهل حضارة ولم یعادوها بالمعنى الذی عرف عنهم ، ووصف بعض المظاهر الحضاریة المدللة على نظریته .
أما دراسته التحلیلیة لدیوانه كانت عوضا عن الترجمة الصامتة وهو یرى من منطلق إیمانه بالدكتور طه حسین ونظریته فی هذا الموضوع ، أن الترجمة وحدها ترضى حاسة الأدیب قبل أن تسد حاجة الباحث العلمی , فالترجمة , هنا هی عمل تكمیلی لا أساسی
وقد شملت هذه الدراسة التحلیلیة تحلیل المقامات وما تحتویها من أفكار ‘ ثم تحلیل القصة التی تدور حول شخوص تاریخیة أو على السنة الحیوان ... ولأنه قرر تعیین حدود القصة قبل الولوج إلى أفكارها ومواضیعها فقد وضع الجداول , وأتبع تحلیل القصة بالإشارة الی الأفكار العامة التی نادى بها الشاعر فی مختلف قصص الباب كله
وهو یؤكد أنه اختار أقوى القصص – بلا منازع – وعرضها للتحلیل فی معرض إثباته للشاعر وآرائه . ونثبت هنا إحدى القطع التی تتعرض لوصفه تعالى , فیجتمع فیها وصفه بالقدم , والقدرة , والخلق ثم فی بیان عجز الإنسان عن إدراك كنهه .
ان العالم متفق على إلهیته
لكنه عاجز عن كنه ماهیته
لم یعرف البشر شیئاً وراء جلاله
لم یدرك البصر منتهى جماله
ولن یبلغ طائر الوهم أوج ذاته
ولن تترك ید الفهم , أطراف صفاته .
ومما یناسب باب العشق الصوفی :
تأمل فی مرآة قلبك
تحصل تدریجیاً – على صفاء نفسك
لعل رائحة من ا لعشق تسكرك
فتصیر طالباً لعهد (الست).
ومن القطع الجمیلة ، القطعة الخامسة من نسخة (سودی ) وعنوانها (فی معنى أهل المحبة ) وتتردد فی هذه القطعة عقیدة الفناء فی الله وقد وردت فی ترجمة هنداوی فی ص 402 :
لا تنتظر أن یكون لی صبر بدونه !
ولا یمكن أن یكون لی قربى بغیره !
لیس عندی محل الصفاء , ولا قدرة على الصبر
ولا مكان للبقاء , ولا قدم للفرار .
لا تقل لی ولّ وجهك عن هذا الباب !
ولو وضعوا رأسی - كالوتد- فی الأطناب
ومنذ ذلك الوقت , الذی طلبنی فیه حبیبی
لم تبق لی معرفة مع أحد غیره
ولأقسمن بحقه ! حین ظهر لی ما فیه من جمال
فكل ماسوا ه , بدا لی ! كأنه خیال .
وان كنت حبیباً , فلا تتحدث عن نفسك
فأنه شرك أن تجمع بین الحبیب , وبین نفسك .
والحقیقة ان صلة الدكتور ( هنداوی ) بشاعر الإنسانیة لم تنتهی عند هذا الحد , لانه كان قد ترجم فی بدایة رحلته مع (سعدی) أشعار كثیرة , وقد تحدث معه الدكتور طه حسین بهذا الصدد واتفقا على أن تؤجل عملیة نشر هذه الترجمة فی مرحلة أخرى وعلیه فقد انتقى الأشعار الخاصة ببحثه وضمنها عمله الأول ، وقد قام بدراسة وافیة مستفیضة عن ( البوستان) وعن موضوعا ته ونسخه والشروح الفارسیة والتركیة التی تمت علیه , وكذلك أبوابه وحكایاته ثم ترجم كتاب البوستان كاملاً فی مجلدین واستطاع أن ینقل لنا الأشعار الخالدة محافظاً على المعانی و الفكرة وبأسلوب سلس دقیق .
وبعد هذه الرحلة مع ( شاعر الإنسانیة) وجد ( هنداوی) ان هناك من الروائع الخالدة التی كتبها الشاعر , لابد وأن یطلع علیها القارئ العربی فقام بترجمة ( الكلستان) وذلك تحت عنوان ( الروضة ) وقد صدر ضمن سلسلة روائع الأدب الفارسی –مكتبة الأنجلو المصریة – القاهرة عام 1955 م . وقد قام بتحقیق النص الفارسی وقدمه للقارئ العربی واضعاً تحت یدیه الأصل الفارسی المحقق المصحح مع الترجمة العربیة ، وجدیر بالذكر أن وزارة المعارف الإیرانیة منحت الدكتور ( هنداوی) وسام المعارف عام 1953 م وذلك تقدیراً له على جهوده وأبحاثه القیمة فی مجال الأدب والثقافة الإیرانیة .
وقد صدر الدكتور ( هنداوی) نسخة البوستان – الطبعة الأولى – صورة هذا الوسام , وكذلك صورة لتهنئة الجامعة له بحصوله علیه .
ومن أعماله القیمة كذلك ( المعجم فی اللغة الفارسیة ) وهو یحتوی قرابة 20ألف كلمة واستعمال وتركیب مع مقابلة دقیقة على أوثق المعاجم الحدیثة وسوف نترك ( الدكتور عبد الوهاب عزام ) , یحدثنا عن هذا المعجم :
( عنى التلمیذ الصدیق الدكتور محمد الهنداوی , بوضع معجم مختصر , اعتمد فیه على أوثق المعاجم الفارسیة والإنكلیزیة . وهو معجم صغیر یمد الطالب بحاجته ویسعفه بطلبه ... وقد عكف على العمل فیه سنین ولقی فیه من المشقة ما یلقى من یعانی مثل هذا العمل، وهو عمل لم یسبق إلیه فی اللغة العربیة ) .
وقد استعان فی تدوین معجمه أولاً بالدكتور ( عبد الوهاب عزام ) عندما كان مدیراً لمعهد للغات الشرقیة بجامعة فؤاد الأولى وقد طلب منه ان یقابل معجمه على معجم فارسی بحت و تخیر له معجم (نوبهار) أو معجم (برهان قاطع ) . ولكن هذا التعاون والمشاركة العلمیة توقفت بعد فترة إذ انشغل الدكتور عزام بمنصب عمادة فی كلیة الآداب . فاستعان الدكتور هنداوی بالسید ( كاظم آزرمی) الملحق بالسفارة الإیرانیة آنذاك وكان قد أسند إلیه العمل فی تدریس اللغة الفارسیة وآدابها بمعهد اللغات الشرقیة . اقترح علیه السید كاظم الآزرمی مقابلة معجمه على قاموس( فرهنك نفیسی) وقد تم ذلك بالإضافة إلى مقابلته مع معجم ( steingass) كما استعان الدكتور هنداوی بعد أن ثقلت أعباء السید كاظم الآزرمی , بالأستاذ الدكتور (أحمد ترجانی زادة) الأستاذ بجامعة تبریز و الموفد إلى مصر وقد انتدبته كلیة الآداب بجامعة فؤاد الأول للتدریس بمعهد اللغات الشرقیة
وقد قام الدكتور محمد موسى (الهنداوی ) كذلك بترجمة كتاب عن تاریخ الأدب فی إیران تحت عنوان (تاریخ الأدب الفارسی ) والكتاب من تألیف الدكتور( رضا زاده شفق ) وعنوانه بالفارسیة (تاریخ أدبیات در إیران ) وهو بهذه الترجمة یعّرف العدید من أدباء وشعراء الفارسیة عبر العصور المختلفة بعد الإسلام . والكتاب یعد تكملة لما قام به الدكتور الشواربی من ترجمته لكتاب ( تاریخ الأدب فی إیران من الفردوسی إلى السعدی ) والتی ترجمها عنه ( ادوارد براون ) .
و من أعماله الجلیلة بالاشتراك مع الدكتور فؤاد الصیاد والأستاذ صادق نشأت ، ترجمته الجزء الأول من المجلد الثانی من كتاب (جامع التواریخ ) وكان ذلك بتكلیف من وزارة الثقافة والإرشاد القومی ( الإدارة العامة للثقافة ) ویحتوی هذا الجزء على فترة من أهم فترات تاریخ المغول وهی فترة حكم (هولاكو) وكذلك مقدمة المؤلف ( رشید الدین فضل الله ) وكذلك مقدمة ( كارتر یر ) المستشرق الفرنسی الكبیر الذی قام بنشر الكتاب وقد ترجم كذلك (یوسف وزلیخا) المنسوب للشاعر الكبیر ( الفردوسی ) و( نصائح الملوك ) للغزالی وأیضاً ( نصائح الملوك ) لسعدی .
ونختم حدیثنا عن الدكتور ( محمد موسى هنداوی ) بمقطوعة لشاعر الإنسانیة ، قام بترجمتها (هنداوی) وهی رقم ( 815) وتحتل الصفحة ( 251) والترجمة :
سواء أكان المرء عبداً ... یحمل الأحمال على أم ناصیته
أویسامی الفلك فی علوه ... وتدنو منه رأسه
ففی اللحظة التی تنتهی فیها حیاته
یغدر الصفاء ... والشقاء ... رأسه ...
إن الغم والسرور ... لیس لهما الدوام
ولكن یبقى ثواب العمل الطیب ... والاسم العظیم
إن الكرم هو الدائم ... ولیس الدوام للتاج والتخت
فأعط !! فإن العطاء بقاء !! یا سعید البخت !!
وأخیرا نذكر فهرساً لمؤلفاته وهی :
---------------------------------------------------------------------------
1 – تاریخ الأدب الفارسی .
2 – سعدی الشیرازی ( شاعر الإنسانیة ) .
3 – المعجم فی اللغة الفارسیة .
4 – بوستان ( الجزء الأول ).
5 – كلستا ن أو الروضة ( الجزء الأول ) .
6 – جامع التواریخ لرشید الدین فضل الله .
7 – بوستان ( الجزء الثانی ) .
6 – السامی فی الاسامی للمیدانی صاحب الأمثال . بالاشتراك .
9 – كلستا ن أو الروضة ( الجزء الثانی ) .
10 – بوستان (الأجزاء الأخیرة ) .
+درج شده توسط مترجم عربی - دکتر مهدي شاهرخ در شنبه ۱۱ اردیبهشت ۱۳۸۹و ساعت 22:4|