أدب العقاد والاتجاه الفلسفی
غیر مجد فی یقینی واعتقادی تجاهل البعد الفلسفی حین الحدیث عن عباس العقاد.صحیح أنه یعد بالدرجة الأولی أدیبا,ولكن هل نستطیع الفصل بین مجال الأدب ومجال الفلسفة؟ كلا ثم كلا ان اسهامات العقاد فی مجال التألیف الفلسفی ـ وبصرف النظر عن اتفاقنا معه تارة واختلافنا معه تارة أخری ـ لایمكن التقلیل من أهمیتها خاصة فی الوقت الذی ألف فیه العقاد ما ألف.فقد كتب الرجل عشرات الكتب ومئات المقالات والتی تتصل من حیث الموضوع ومن حیث المنهج أیضا بالفكر الفلسفی بصورة مباشرة تارة وغیر مباشرة تارة أخری وتتصل من قریب ومن بعید بالجوانب الفلسفیة بصورتها العامة وبصورتها الخاصة.
ومن بین مؤلفاته ومقالاته والتی لاتخلو من دلالات فلسفیة ماكتبه عن فرنسیس بیكون الفیلسوف الإنجلیزی حین خصص له كتابا مستقلا, وماكتبه عن ابن رشد سواء فی كتابه عن ابن رشد أو فی عرض لبعض آرائه بمجلة الكتاب وغیرها من مجلات تصدر بمصر, وكتابه عن عقائد المفكرین فی القرن العشرین, والفلسفة القرآنیة وإبلیس, ومحمد عبده, والإسلام فی القرن العشرین,
واثر العرب فی الحضارة الأوروبیة ومقالاته وأحادیثه فی الإذاعة التی نشرت فی كتب عدیدة له, ویضاف إلی ذلك أیضا تحلیلاته الفلسفیة حین یتصدی للكتابة عن شخصیة أو أكثر من الشخصیات التی تمزج فی أقوالها أو فی شعرها بین الجانب الفلسفی والجانب الأدبی, كابن الرومی وغیره من أدباء العرب, بل أدباء الغرب أیضا كشكسبیر وقد خصص له كتاب مستقلا هو التعریف بشكسبیر وبرنارد شو وعشرات الأدباء الغربیین.
وكتابات العقاد فی المجال الفلسفی وصلته بالمجال الأدبی والمجال الدینی رغم ماقد یوجه إلیه من نقد, لاتخلو من أهمیة خاصة إذا وضعنا فی الاعتبار أنها تكشف عن إطلاع واسع وبغیر حدود. وتكشف عن روح نقدیة ولیس روحا تقلیدیة لقد بذل الرجل أقصی مایمكنه فی مجال البحث والدراسة والتمحیص.
قلنا إن العقاد كانت لدیه اهتمامات فلسفیة, لقد كتب الرجل الكثیرفی مجال الفلسفة سواء فی حد ذاتها أو من خلال علاقتها بمجالاتت أخری دینا كانت أو أدبا أوعلما وإذا كنا نقول انه لیس بوسع مقالة ان تعرض لكل اهتماماته الفلسفیة وما أكثرها, فإنه من الضروری إذن ان نقف عند مجرد مجموعة من النماذج والجوانب. ویؤكد العقاد وجود فلسفة فی مصر حین یقول: نعم فی مصر فلسفة نعم وفیها عنایة بالكتب الفلسفیة وآیة ذلك اننا تلقینا فی عام واحد نحو عشرین رسالة فی المباحث الفلسفیة وما إلیها, وعلمنا أنها تقرأ فی بیئة المتعلمین الذین یعدون الامتحان المدرسی وتقرأ فی بیئة المطلعین الذی یقنعون بالإطلاع.
ویؤكد العقاد أهمیة السعی لترجمة أعمال الفلاسفة الكبار أمثال أفلاطون وأرسطو.ولم یكن اهتمام العقاد بالفكر الفلسفی مقتصرا علی دراسة آراء القدامی فحسب, بل نراه مهتما بدراسة العدید من الآراء المعاصرة ودراسة الكثیر من الشخصیات التی عاشت فی عصرنا الحدیث, إن هذا یتضح من خلال العدید من الكتب التی تركها لنا هذا المفكر الشامخ, انه یخصص كتابا لدراسة آراء الشیخ محمد عبده والذی توفی عام1905 م.
ویتحدث فی هذا الكتاب عن حیاته الفكریة وعلاقته بجمال الدین الأفغانی وعن آرائه الإصلاحیة, وهذا الكتاب, كتاب العقاد عن الشیخ محمد عبده, یعد من الكتب المهمة فی مجال الفكر الفلسفی العربی المعاصر. صحیح أن محمد عبده لا یعد فیلسوفا ولكن هل وجدنا فلاسفة فی عالمنا العربی منذ ثمانیة قرون, أی منذ وفاة العملاق ابن رشد؟.
أما فی كتابه مراجعات فی الأدب والفنون فإننا نجد حدیثا من جانب العقاد عن معنی الجمال ورأی شوبنهور فی معنی الجمال, واصل الجمال فی نظر العلم, هذا بالاضافة إلی العدید من المقالات والتی لاتخلو من دلالات فلسفیة, ومن حیث موضوعها علی الأقل كحدیثه عن علم الأخلاق وصورة السعادة.. الخ
ومن الكتب المهمة التی تركها لنا العقاد, كتاب ساعات بین الكتب والذی نجد فیه العدید من المقالات الفلسفیة, إنه یتحدث عن الآراء والمعتقدات والعقل والعاطفة والإیمان العلمی, والجمال والشر فی الفنون, وغیر ذلك من مقالات تكشف عن إطلاع واسع من جانب العقاد, وإن كنا لانجد لبعضها فائدة علمیة إلا إذا وضعنا فی اعتبارنا الزمن الذی ألف فیه العقاد هذا الكتاب بمقالاته العدیدة المتنوعة. وواجب علینا الاهتمام بدراسة الأبعاد الفلسفیة عند العقاد وذلك حتی نستطیع الاقتراب من الصواب حین دراسة آرائه الأدبیة.
+درج شده توسط مترجم عربی - دکتر مهدي شاهرخ در شنبه ۱۱ اردیبهشت ۱۳۸۹و ساعت 22:9|